في خضم عملية عرض ومناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية، قد لا ينتبه المتتبعون إلى "جنود الظل" الذين يتابعون ويدونون كل شاذة وفاذة ويواصلون الليل بالنهار خلال المناقشة التفصيلية للمشروع ولتعديلات البرلمانيين والعمل على تسجيل وضعية التصويت على التعديلات، إنهم "كتيبة" موظفي مجلس النواب الذين يطغى نقاش وملاسنات "النجوم البرلمانيين" على مساهمتهم في إخراج هذا القانون المهم إلى حيز الوجود. ولما يكتسيه مشروع قانون المالية من أهمية كبرى لارتباطه بمختلف السياسات العمومية ومختلف القطاعات الحكومية، وبالحياة اليومية للمواطن، وبنسبة الاستثمار ومعدل النمو وغيرها، انخرط موظفو مجلس النواب بشكل كلي ليلا ونهارا خلال مسار المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2025، التي تمت المصادقة عليه بشكل نهائي في 6 دجنبر 2024، إذ صوت مجلس النواب، بالأغلبية، على هذا المشروع، وذلك في قراءة ثانية كما أحيل من مجلس المستشارين.
خلية نحل تعد لحظة مناقشة مشروع قانون المالية حدثا دستوريا وتشريعيا وسياسيا مركزيا، لأنها تكشف أولا عن التوجهات العامة للحكومة ورؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقبلية وأولوياتها وخططها ووضعها المالي وغيرها من المؤشرات المهمة للتعرف على وضعية البلاد.
لذا يؤكد أحد الموظفين بمجلس النواب، في حديث ل"الأيام 24″، أن جميع موظفي الغرفة الأولى ينخرطون بشكل كامل في إغناء هذه اللحظة المهمة في عمل السلطة التشريعية، إذ ينخرط الجميع كخلية نحل تتابع كل تفاصيل تقديم ومناقشة وتقديم التعديلات خلال لقاءات مختلف اللجن الدائمة، وأيضا خلال الجلسة العامة.
أما إحدى الموظفات بمجلس النواب، فتحكي أنها ولجت لقاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لاستكمال المناقشة التفصيلية لمشروع قانون مالية 2025 من الساعة التاسعة صباحا، لتظل مرابطة طيلة النهار والليل في متابعة نقاشات البرلمانيين والبرلمانيات وتدوين مداخلاتهم وتعديلاتهم، حتى الساعة الثانية من زوال اليوم الموالي للشروع في المناقشة.
دور موظفي مجلس النواب سواء على مستوى الفرق النيابية أو على مستوى اللجان الدائمة وكذا عدد من مصالح المجلس لا يقتصر فقط على متابعة مداخلات البرلمانيين وتدوين ملاحظاتهم وتعديلاتهم في تقارير ترفع لرئاسة المجلسين، بل تتعداها، حسب محمد الصباري النائب الأول لرئيس مجلس النواب، إلى "القيام بمهمة إسناد نواب الأمة في تجميع وتحليل المعطيات الخاصة بمشروع قانون المالية، وكذا مجموع الميزانيات القطاعية".
كفاءة عالية وأضاف الصباري، في تصريح ل"الأيام 24″، أن موظفي مجلس النواب يعملون أيضا على إعداد بطائق تقنية لتسهيل مقروئية مشروع قانون المالية من خلال مقارنة المستجدات بالمشاريع السابقة وفي علاقتها بالبرنامج الحكومي مع استحضار تقارير المؤسسات الدستورية الوطنية والمنظمات الدولية…
وأبرز الصباري، أن موظفي مجلس النواب يساعدون في إعداد المداخلات داخل لجنة المالية، وداخل اللجان الدائمة بمناسبة مناقشة الميزانيات الفرعية، وداخل الجلسة العامة، فضلا عن ضبط الصياغة النهائية للمشروع بعد إدخال التعديلات المتوافق عليها.
كما يحرص موظفو الغرفة الأولى، تحت إشراف أجهزة المجلس وخاصة مكتب المجلس، حسب الصباري، على التطبيق السليم لأحكام القانون التنظيمي للمالية ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس خاصة ما يتعلق بالعلاقة مع مجلس المستشارين.
وبعد أن كشف الصباري، أن هذه السنة عرفت انخراط مجلس النواب في الإستراتيجية الوطنية لرقمنة العمل التشريعي، سجل أنه تم لأول مرة تفعيل برمجية جد متطورة بإمكانيات المجلس من مهندسين وأطر متخصصة في المساطر التشريعية.
وختم الصباري، حديثه ل"الأيام 24″، بالتنويه بالكفاءة العالية لأطر وموظفات وموظفي مجلس النواب وكذا المجهودات الجبارة التي يبذلونها للارتقاء بالأداء التشريعي والرقابي وكذا تقييم السياسات وصولا إلى الدبلوماسية الموازية.
جهد مضني وأمام جسامة الأدوار التي يقوم بها موظفو مجلس النواب، في العمل البرلماني بمكوناته الدستورية الأربع، أي التشريع والمراقبة والتقييم والدبلوماسية الموازية، اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، أن هذا "العمل مضني ومهم بالنسبة للدولة من حيث مشروعية فعلها العمومي".
وسجل اليونسي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن الظاهر في القيام بهذه الوظائف هم المنتخبون ممثلو الأمة، مستدركا: لكن الجوانب التقنية وضمان استمرارية المرفق البرلماني هو عمل تقوم به الأطر الإدارية والتقنية لمجلس النواب بمعنى أن حرفة وصنعة العمل البرلماني هو تراكم لتجارب هذا المكون المهم في العمل النيابي سواء تلك التي تكون تابعة لإدارة مجلس النواب وتلك التي تكون تابعة للفرق والمجموعات النيابية.
ودعا اليونسي، إلى "ضرورة الالتفات لهذه الفئة من حيث الاعتراف أولا، ومن حيث الاهتمام المادي ثانيا، وتعزيز التكوين المستمر ثالثا"، مشيرا إلى أن الوظيفة البرلمانية تعرف بعض الانزياحات التي تثقل كاهل ميزانية المجلس دون قيمة مضافة.