في الوقت الذي ترفع الحكومة من توقعاتها بشكل كبير بخصوص ورش "مدارس الريادة" الذي تعده "المنقذ" لانتشال المدرسة العمومية من مستنقع الأعطاب المتواصل لسنوات، يرى متتبعون أن هذا المشروع يعيد نفس "منطق" تجارب الإصلاح السابقة التي أثبتت محدوديتها. خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، عبر عن عدم اطمئنانه تماما لنتائج تجربة مدارس الريادة، لسبب بسيط وهو أن إصلاح المدرسة ينبغي أن يكون شموليا ليس فقط في البرامج والمناهج بل أيضا في البنيات والتجهيزات وتكوين الأساتذة وبرامج الدعم الاجتماعي خاصة في المناطق ذات الخصاص.
وأوضح الصمدي، في حديث ل"الأيام 24″، أنه كانت هناك تجربة سابقة بالمغرب اسمها ثانوية التميز تدخل في نفس إطار "مدارس الريادة" الحالية، حيث كان يتم التركيز على الاهتمام بالمتعثرين واستدراك النقص في التعلمات من خلال استيراد نموذج بيداغوجي معين من قبيل ما وقع اليوم بخصوص نموذج "طارل" الذي تم استيراده من الهند.
وأكد الصمدي، أن الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 والقانون الإطار للتعليم يتحدثون عن الإصلاح الشمولي الذي وُضع له آليات وقواعد وضوابط وشدد على أهمية الحكامة والتمويل والالتقائية إلى غير ذلك، مردفا: "مع الأسف هذا كله توقف ورجعنا إلى التجربة السابقة لثانوية التميز عبر إصلاحات جزئية تجريبية لفترة معينة وينتهي النموذج بانتهاء من أنتجه".
ويرى الصمدي، أن هذه التجربة قد تكون لها نتائج ظرفية إيجابية على بعض المتعلمين والمتعلمات خاصة في استدراك بعض التعلمات، مستدركا: لكن لا يمكنها أن تشكل نموذجا لإصلاح المدرسة المغربية في غياب الرؤية الشمولية للإصلاح.
وبخصوص المطلوب القيام بها لنجاح إصلاح التعليم، سجل الصمدي، أنه تم سابقا تشخيص داء للمدرسة العمومية، بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وتم تحديد الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 وفيها النموذج بالتفصيل أي ما الذي ينبغي أن يتم القيام به، مبينا أن هذه الرؤية الإستراتيجية تحولت إلى قانون إطار للتعليم ملزم للحكومات المتعاقبة كما قال الملك محمد السادس من أجل أن يقطع مع "إصلاح الإصلاح".
وبعد أن اعتبر أنه مع اعتماد مشروع مدارس الريادة، رجعنا إلى منطق "إصلاح الإصلاح"، شدد على أنه لا يوجد أي مخرج إلا بالرجوع إلى المقتضيات القانونية السالفة الذكر، وتفعيل آليات الالتقائية والحكامة وعلى رأسها تفعيل اللجنة الوزارية الدائمة التي يرأسها رئيس الحكومة، مبرزا أن "هذا هو المسار، وما سوى ذلك ستظل تجارب هنا وهناك تنتهي إلى نفس النتائج".
وذكر الصمدي، أنه إذا دخلنا إلى الإطار الخاص لهذه التجربة، فالمغرب يتوفر على 12000 مؤسسة تعليمية تم إدخال 650 مؤسسة السنة الماضية، وتم الحديث عن الوصول إلى 2000 مؤسسة، كما تم إدخال في طور التجريب 230 مؤسسة إعدادية، متسائلا: متى يمكن تعميم هذه التجربة على كافة المؤسسات التعليمية بالمغرب؟
ونبه الصمدي، إلى أنه تم ضخ مجموعة من الإمكانيات المادية المهمة جدا في هذه المرحلة التجريبية بمؤسسات محدودة من قبيل الحواسيب والتعويضات الإضافية للأساتذة إلى غير ذلك، متسائلا: إلى أي حد يمكن ضمان استدامة هذه المحفزات مع توسيع التجربة على باقي المؤسسات التعلمية بالمغرب.
وخلص كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إلى أن وتيرة تنزيل تجربة مدارس الريادة، "بطيئة جدا"، إضافة إلى أن شروط الاستدامة غير متوفرة على المدى المتوسط والبعيد لكي نصل إلى التعميم.