رصد مجلس المنافسة اختلالات بالجملة في قطاع الأعلاف المركبة بالمغرب، مما يؤثر على أسعارها في الأسواق المغربية، كما فضح سلوكات تقلل من المنافسة وتمنح الشركات الكبرى القدرة على ضبط والتحكم في الأسعار في حل من القوانين، مما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف على المستهلكين.
وسجل المجلس، في رأي له حول سوق الأعلاف المركبة، أنجزه بناء على طلب من رئيس مجلس النواب، تزامنا مع ارتفاع أسعار بيع الدواجن بالمغرب، أن شركات بعينها عمدت إلى تعديل أسعار البيع تدريجيا بهدف تدارك ارتفاع التكاليف، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية، مبرزا أن منتجي الكتاكيت يفضلون تأمين إمداداتهم من شركات تصنيع الأعلاف المركبة التابعة للمجموعة القابضة التي ينتمون إليها، وبالتالي رهن العملاء داخل مجموعة من الشبكات المندمجة، علما أن جل العملاء من مربي الماشية وليسوا من بائعي الأعلاف بالتقسيط.
وأبرز المصدر ذاته أن فرض معايير صحية جديدة، وفقا للقانون رقم 28.07 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، شكل تحديا بالنسبة للعديد من الشركات التي تجد صعوبة في الامتثال لهذه الضوابط، فالإطار القانوني الذي ينظم صناعة الأعلاف بالمغرب يفيد بأن الأنشطة المتعلقة بالتصنيع، من استيراد المواد الأولية إلى توزيع المنتجات النهائية، تخضع لرقابة صارمة من قبل السلطات المعنية. لكن وبالرغم من وجود تشريعات لتنظيم هذا القطاع، فإن تنزيلها يصطدم بتحديات جمة، يتعلق أبرزها بالامتثال من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي قد تجد صعوبة في تلبية متطلبات الجودة والسلامة.
وسجل المجلس ضعف هيكلة القطاع وهيمنة الأشخاص الذاتيين بصفتهم عملاء، وهو ما يشرح الوضعية العامة لسوق تربية الماشية والموسومة بمحدودية التنظيم وكثرة تدخل الفاعلين الأفراد، لافتا إلى أن التعديلات في أسعار بيع الأعلاف المركبة، التي قامت بها الشركات بين 2018 و2024، أظهرت انعدام جدولة زمنية دقيقة وثابتة في تعديل الأسعار، إذ يتم ذلك بطريقة غير موسمية، كما توجد دينامية معقدة لسوق الأعلاف المركبة الوطنية وغير قابلة للتنبؤ في أغلب الأحيان، تعكسها تعديلات الأسعار، كما تتأثر بعوامل مختلفة مرتبطة بتقلبات المواد الأولية والتغيرات في الطلب.
كما رصد المجلس درجة تزامنية عامة في تفعيل تعديلات الأسعار من لدن شركات الأعلاف المركبة، وارتباطها المحتمل بالإمدادات الأولية المتشابهة من حيث الجودة والسعر، خاصة في السوق القبلية للتموين بالحبوب، وتوقف كذلك عند تشابه حجم معظم تعديلات الأسعار المطبقة مع اختلاف طفيف في بعض الحالات، ما يعكس تقاربا في الاستراتيجيات المتعلقة بتحديد الثمن والمعتمدة من قبل الشركات في السوق، إلى جانب رصده عقبات وسلوكات تحول دون ممارسة المنافسة وتُقيد حرية المنافسة.
ويضم هذ القطاع 7627 مزرعة لتربية دجاج اللحم، و900 مزرعة للديك الرومي، و252 مزرعة للدجاج البياض، و60 وحدة لتربية الكتاكيت، و48 شركة متخصصة في الأعلاف، فيما تستحوذ ثماني شركات على 75 في المائة من حصة السوق، وتمتلك مجموعة من مربي الماشية وحدات لتصنيع الأعلاف لتلبية الاحتياجات الذاتية.
ويعد قطاع الدواجن، وفقا لمعطيات مجلس المنافسة، الزبون الرئيسي لشركات تصنيع الأعلاف المركبة، عكس مربي الماشية الذين لا يلجون إلى التمويل، غير أنه يفتقر إلى رؤوس أموال كافية ولديه معدات طالها التقادم، ولا يتوفر على ضمانات، ويعاني مشاكل تهدد استمراريته، رغم اتفاقية "دواجن" التي بلورتها الدولة وانتهى العمل بها سنة 2022.
ومن ملاحظات المجلس أيضا، اندماج شركات الأعلاف الناشطة رغم انفتاح السوق في وجه المنافسة، كما أن هناك تركيزا كبيرا حيث يوجد أغلب الفاعلين في محور الدارالبيضاء-القنيطرة، وفسر هذا الاندماج برغبة الشركات في التحكم في مراحل الإنتاج والتوزيع وتقليص التكاليف وضمان جودة المنتجات والتأقلم مع تقلبات السوق، وكذا مضاعفة هامش الربح.
ووصفت سلطة المنافسة هذه العلاقة ب"التبعية الاقتصادية، لأن الجمعيات المهنية تربطها علاقة حتمية بنفس الموردين وتُعتبر دائنة بضمانات الشيكات، في حين لا يتمتع مربي الماشية بقوة تفاوضية بشأن الأسعار، وبالتالي يضطرون إلى التموين بأعلاف أقل جودة مما ينعكس سلبا على الإنتاجية، في غياب أطراف خارجية، كون المغرب لا يستورد الأعلاف المركبة النهائية رغم وجود حصص تعريفية، خاصة مع الاتحاد الأوربي، حيث يتم فقط استيراد الخليط المسبق والمضافات.
وقدم مجلس المنافسة مجموعة من التوصيات، لتجاوز الوضع الراهن، داعيا إلى تشجيع الإنتاج المحلي للمواد الأولية، مثل الحبوب والبذور القروية، من أجل تقليص الاعتماد على الاستيراد، وهو الهدف الذي يمر تحقيقه عبر دعم الفلاحين وتوفير حوافز للاستثمار في هذا المجال، مع ضرورة تعزيز آليات مراقبة الجودة والسلامة على مستوى جميع مراحل الإنتاج، بدءا باختيار المواد الأولية وصولا إلى المنتج النهائي.
كما أوصى المصدر ذاته بضرورة تعزيز الشفافية في تحديد الأسعار، من خلال إعمال آليات لضمان تحديد الأسعار بشكل عادل وشفاف، لا يتم التحكم فيها من قبل شركات قليلة، مما يضمن حماية المستهلك، إضافة إلى دعم الفاعلين الصغار من خلال العمل على إدماج الشركات الصغيرة والمتوسطة في سلسلة الإنتاج بشكل أفضل عبر توفير الدعم المالي والتقني لتعزيز قدرتها التنافسية.
يذكر أن مجلس المنافسة قرر على ضوء نتائج الرأي الصادر عنه، والخاص بحالة المنافسة في سوق الأعلاف المركبة في المغرب، وبناء على اقتراح من المقرر العام بالنيابة؛ فتح مسطرة تحقيق بخصوص بعض الممارسات التجارية التعريفية وغير التعريفية التي تشهدها سوق الأعلاف المركبة، الموجهة إلى قطاع الدواجن والأسواق الأخرى ذات الصلة.