في تسليطه الضوء على التداعيات المحتملة على إسرائيل بعد فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية جديدة، قال المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل، إنه رغم دعمه لإسرائيل، فقد يخلق فوز ترامب حالة من التعقيد في التحالفات الإسرائيلية الأميركية، خاصة إذا اختار ترامب توجيه سياساته لتحقيق "مصالحه الخاصة أولا" دون اعتبار كاف للتحالف مع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
واعتبر هرئيل، في مقال تحليلي مطول بالصحيفة العبرية "هآرتس"، أن "ترامب كان دائما لغزا ملفوفا في غموض: متقلبا، أنانيا، ويصعب التنبؤ بتصرفاته".
وتوقع المحلل العسكري الإسرائيلي، أن ترامب قد يتخذ هذه المرة نهجا أكثر استقلالية مقارنة بفترة ولايته الأولى، مستفيدا من غياب بعض القيادات العسكرية المتقاعدة التي كانت تحاول توجيه سياساته في بداية عهده الرئاسي الأول.
ورغم خطاب ترامب المتكرر حول دعمه غير المحدود لإسرائيل، أبدى المحلل الإسرائيلي ملاحظات حول تعقيد علاقة ترامب مع نتنياهو، مشيرا إلى أن ترامب رغم دعمه لنتنياهو أبدى أحيانا مواقف غير متوقعة.
فعلى سبيل المثال، يتابع هرئيل، "أظهر ترامب غضبًا علنيًا عندما هنأ نتنياهو الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن بالفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، مما دفع نتنياهو إلى الحذر مستقبلا في تعامله مع ترامب"، ملفتا إلى أن نتنياهو بادر لتهنئة ترامب بفوزه في اللحظات الأولى من إعلان النتائج هذه المرة لتجنب أي خلاف محتمل.
وسجل هرئيل، أن ترامب أطلق مؤخرا تصريحات انتقد فيها بعض القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل بعد طوفان الأقصى، حيث وصف وزير الدفاع المقال يوآف غالانت وبعض القيادات العسكرية ب"الخاسرين" نظرا للمفاجأة لالتي سببتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأكد في تصريحاته ضرورة إنهاء الحرب في غزة.
وفيما يتعلق بالقضايا الداخلية الإسرائيلية، أشار هرئيل، إلى أن ترامب قد يمنح نتنياهو مساحة أكبر للتقدم في التشريعات المثيرة للجدل، التي يعتبرها البعض تهديدا للديمقراطية الإسرائيلية.
وتابع أن "الانقلاب في إسرائيل ربما لم يعد مضطرا إلى الخوف من الإدانات الأميركية". ويقصد بالانقلاب سلسلة من القوانين والتشريعات التي تدعم هيمنة السلطة التنفيذية على النظام القضائي، وهي التشريعات التي يواصل نتنياهو الدفع بها وسط احتجاجات واسعة داخل إسرائيل.
ورغم أن إدارة بايدن اتخذت موقفا معارضا واضحا لهذا التوجه، وتحدثت بصراحة ضد هذه التغييرات القضائية، فإن هرئيل يرى أن ترامب لن يبدي اهتماما مماثلا بهذه المسائل، وقد يشجع بدلا من ذلك سلطات نتنياهو في هذا الصدد، مضيفا أن نتنياهو قد لا يخشى من التدخلات الأميركية مجددا، بل سيواصل التعديلات القانونية دون خشية من العواقب الدبلوماسية.
ومن القضايا الملحة التي ذكرها المحلل الإسرائيلي، التي قد تلقي بظلالها على عودة ترامب، سعي نتنياهو لتمرير "تسوية قانونية" تضمن استمرار إعفاء الحريديم (المتدينين اليهود) من الخدمة العسكرية، وهي مسألة قد تثير جدلا كبيرا بين الأوساط السياسية الإسرائيلية في المستقبل القريب.
وأكد هرئيل أن هذه الخطوة قد تزيد من الأعباء على الجيش الإسرائيلي وتدفع المزيد من ضباط الاحتياط للخروج في احتجاجات، بما يضعف صورة إسرائيل أمام حلفائها.
أما بخصوص انعكاسات صعود ترامب على محاولات إيران التصعيد ضد إسرائيل، فذكر هرئيل، أن سياسة ترامب تجاه إيران قد تكون من أكثر القضايا تأثيرا على إسرائيل، خاصة أنه يملك سمعة مرهوبة لدى القيادة الإيرانية، حيث قال إن "الإيرانيين يخشون ترامب وطبيعته التي لا يمكن التنبؤ بها".
ووفقا لتحليل هرئيل، فإن احتمال عودة ترامب قد يدفع إيران إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها، والتفكير مرتين قبل التصعيد ضد إسرائيل، خصوصا بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير في أكتوبر المنصرم.
وأردف أنه خلال فترة ولايته الأولى، انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وهو القرار الذي رحب به نتنياهو بشدة، رغم أن هذا الانسحاب قرّب إيران من قدرات إنتاج السلاح النووي بدلا من تقييدها.
ويشير هرئيل إلى أن هذا النهج المعقد لترامب تجاه إيران قد يستمر، حيث يميل الرئيس الأميركي المنتخب إلى اتخاذ خطوات "غير تقليدية" ولا يمكن التنبؤ بها، وقد تكون أكثر حدة تجاه طهران في فترة حكمه القادمة. من ناحية أخرى، يرى هرئيل أن سياسة ترامب الخارجية لن تقتصر تأثيراتها على الشرق الأوسط، بل قد تهدد التحالفات الغربية في أوروبا وآسيا أيضا، قائلا إن الدول التي تقف على "خط المواجهة الأول" أمام خصوم الغرب، مثل أوكرانيا وتايوان، قد تكون الأكثر تأثرا.
وأشار إلى أن ترامب لم يخف إعجابه ببعض القادة المستبدين حول العالم، بل أعرب عن إعجابه بشكل خاص بحكام مثل رئيس كوريا الشمالية، مما قد يثير قلق الحلفاء الديمقراطيين للولايات المتحدة.
وفي حين أن المساعدات الأميركية لأوكرانيا كانت حاسمة في مواجهتها لروسيا خلال فترة إدارة بايدن، فإن هرئيل يتوقع أن يتخذ ترامب نهجا مختلفا تماما، مبينا أن أوروبا بدأت بالفعل تشعر بالضغط، وتزداد المخاوف من نهاية حقبة الديمقراطيات الغربية الليبرالية، خاصة في ظل التقلبات التي قد يجلبها ترامب في سياسته.