يبدو أن شهية وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مفتوحة للمزيد من المتابعات القضائية في مواجهة الصحافيين والنشطاء الحقوقيين، فبعد تلك الملاحقات التي حركتها النيابة العامة في الآونة الأخيرة، ووجدت طريقا لها نحو الأجرأة بفصول القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، توعد بتقديم شكايات إضافية في حق كل من يستهدفه، علما أنه سبق وانتهى هذا المسار الذي سلكه باستصداره قرارا قضائيا من محكمة بأكادير لصالحه.
المُتابع للمبررات التي يسوقها وهبي وهو يترافع، إعلاميا، مدافعا عن شكاياته، تتشكل لديه قناعة مؤداها أن هذا القيادي السياسي والمحامي لا يبتغي من وراء اللجوء إلى العدالة جبر ضرر مفترض لحق به جراء معالجة صحافية معينة لموضوع قد يكون مرتبطا به، بل إنه يبحث عن الانتقام ممن تجرأ وأشار إليه بالاسم، والأدهى من ذلك أنه يتحدث وكأن الأحكام التي يرتقب أن يُصدرها القضاء في الملفات المعروضة عليه، ستكون، أساسا، لصالحه، مما يثير مخاوف من محاولة التأثير على القضاء، خاصة وأن لصاحب الشكاية نفوذ وزاري ارتفعت أسهمه مع محطة التعديل الحكومي الأخير، كما أنه يحظى بقرب من السلطة القضائية.
في هذا السياق، لم يخف الحقوقي والمحامي بهيئة وجدة، مراد زيبوح، أن السياق الحالي الذي يحرك فيه وزير العدل شكاياته يتزامن مع "مرحلة دقيقة جدا من الانتقال إلى قضاء بسلطة مستقلة عن وزير العدل"، معتبرا أن هذه الاستقلالية "منقوصة مادام أن وزير العدل مايزال يعلن التوظيف في كتابة الضبط ويقرر إلغاء محكمة وإنشاء أخرى، وبالتالي فنحن أمام مرحلة التأسيس".
وسجل زيبوح في تصريح ل"الأيام 24″، أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي لم يمر على تنصيبه سوى سبع سنوات، يضطلع بدور مهم فيما يتعلق بالسلطة القضائية مركزيا، لكن، يستدرك المتحدث: "نواجه في الحقيقة مكانة وزير العدل في وجدان المحاكم الذي كان ومابزال يحظى بكثير من التقدير، خصوصا وأننا نتحدث عن أكثر من ستين سنة كانت فيها النيابة العامة والكثير من أطرافها مايزال يمارس عمله القضائي تابعا لوزارة العدل في إطار السياسة الجنائية والتبعية الإدارية".
واعتبر المحامي عينه أن شكايات وزير العدل تعد "محكا حقيقيا لقياس درجة مدى تحقيق الاستقلالية الواقعية بعد تحقق الاستقلالية القانونية التي لا يمكن التشكيك في قدرتها على تحقيق العدالة في بلادنا"، ميرزا أنه "إذا كانت العدالة في المغرب تواجه في كل مرة تحدي استقلاليتها تجاه سلطة المال ورأينا عددا من المحاكمات والعقوبات التأديبية التي تؤكد أن الإصلاح هو تراكم وإرادة سياسية، فنحن اليوم أمام تحدي النفوذ السياسي والتاريخي لوزارة العدل بكل ما تحمله من رمزية".
ويرى زيبوح في الخرجات الإعلامية التي يدافع فيها وهبي عن ملفاته وشكاياته تزامنا مع مرحلة دقيقة جدا، وهي مرحلة تأمل القاضي للحكم فيها، "سلوكا لا يليق ومن شأنه أن يشكل انتهاكا للدستور"، على اعتبار، يضيف المصدر ذاته، أن الفصل 109 من الدستور المغربي ينص في فقرته الأولى والتالثة على أنه يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، كما أن القانون الجنائي يعاقب على كل محاولة للتأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة.
وبعد أن انتقد محاولة وهبي من وراء هذه التصريحات الإعلامية هي ممارسة "الضغط والتهديد والوعيد"، شدد زيبوح على أن الأمر يتعلق ب"استقواء واستعمال كل الوسائل حتى غير المشروع منها لضمان الغلبة وإدانة الخصوم الذين لم يتمتع أغلبهم حتى بمتابعة في إطار قانون الصحافة والنشر"، مؤكدا أن ذلك "مؤشر سلبي يكشف حجم التحدي الذي نعيشه في المغرب بالرغم من أن أي رجل قانون لا يمكنه إلا تعزيز ثقة المجتمع بالقضاء".