بعد إنتهاء وزير العدل، عبد اللطيف وهبي من تقديم العروض والمستجدات الكبرى في مشروع مراجعة قانون المسطرة الجنائية، وأخذ بجميع آراء المتداخلين والمشاركين في مراجعتها إقرارا بمبدأ التشاركية، من المنتظر أن يتدارس المجلس الحكومي، اليوم الخميس، المذكرة التقديمية لمشروع 03.23 القاضية بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. وحسب المذكرة التقديمية التي تم تعميمها على بعض وسائل الإعلام الوطنية، فإن مسلسل المراجعة تعلق بأكثر من 400 مادة، تأتي في إطار استكمال بنود إصلاح منظومة العدالة وتحديث وعصرنة المنظومة القانونية، وضمان المحاكمة العادلة وتعزيز حقوق الدفاع وتقوية التعاون القضائي الدولي، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، إضافة إلى تعزيز المكتسبات المرتبطة بحقوق وحريات الأفراد ومكافحة الجريمة.
ولم يخل المشروع المسطري الذي أتى إلى حدود الساعة في قالب مذكرة تقديمية في إنتظار كشف النقاب عن مسودة القانون من انتقادات المراقبين والخبراء، الذين اعتبروا أن هذه "المذكرة تراجعية ولم تأتي بجديد في الموضوع"، مؤكدين في الوقت ذاته على "تطابقها مع المشروع الذي جاء به وزير العدل السابق مصطفى رميد سنة 2014".
وقال مراد زيبوح، محامي بهيئة وجدة ومختص في المجال الجنائي، إنه "من خلال متابعة المذكرة التي عممها وزير العدل على بعض المنابر الإعلامية فلا ألمس أي جديد عن المشروع الذي قدمه وزير العدل مصطفى الرميد سنة 2014 وتم سحبه فيما بعد، ما عدا بعض المستجدات المتعلقة بمحاولة تشجيع المحكوم عليهم بغرامات من أجل أدائها مقابل تخفيضات".
وأضاف زيبوح، في قراءة قدمها ل"الأيام 24″، أنه "على اعتبار أن الأمر سيوفر لخزينة الدولة مبالغ مالية مهمة ويجنبها نفقات جديدة لو تم تطبيق الإكراه البدني في حق المحكوم عليهم بها، وهو نفس الرهان الذي جعل الوزارة تفكر في تخفيض المدة العقابية بسبب السلوك الجيد لسجين تصل إلى شهر في السنة".
وتابع المتحدث عينه أنه "فمن غير الجانب المالي لا جديد يذكر، بل هناك تراجع عن مكاسب المشروع السابق الذي كان مسكونا بروح دستور 2011 وخطاب 9 مارس الشهير، ولعل أبرزها التراجع عن حضور المحام مع المشتبه بهم أثناء البحث التمهيدي في الجنايات والجنح وفق المادة 67-3 من المشروع السابق الذي تم سحبه والإكتفاء بحضوره".
وأردف أيضا أنه "عند الاستماع للحدث أو المصابين بإحدى العاهات المشار إليها في المادة 316 من قانون المسطرة الجنائية من طرف ضباط الشرطة القضائية، بعد ترخيص النيابة العامة المختصة، إننا لا نتحدث عن مشروع مسطرة جنائية جديد بل فقط مشروع تم تشذيبه وقصه على مقاس المرحلة الآنية، بعيدا عن ضغط مخاض الذي جاء قبل وبعد دستور 2011".
"هذا ونحن أمام مذكرة فقط وإلى حين الكشف عن المشروع سيحدونا الأمل أن يجيب المشروع عن الأعطاب الحقيقية للعدالة الجنائية، ولعل مرحلة البحث التمهيدي هي مرحلة حاسمة فيمكن لإعتراف غير موقع من المبحوث معه أن يكفي لإدانته برغم من تشبثه بإنكار تلك التصريحات ونسبتها له أمام النيابة العامة وقاضي التحقيق وقضاء الحكم مادام أن المحضر تم الإشارة فيه أنه رفض التوقيع بعد أن ذكر كل تفاصيل جريمته"، يضيف المتحدث.
وأوضح زيبوح أنه "كما يمكن لتصريح متهم بمحضر الضابطة القضائية بأن شخص باعه مخدر أو شارك معه في جريمة أن يكون حجة لإدانته، وحتى انكاره لا يشكل أي فارق لأن المسطرة الجنائية الحالية تقدس المحاضر، ليس لأنه لا يمكن أن تتضمن أباطيل بل لأنها أقل تكلفة ماليا ولا يكلف الحكومة من خلال السياسة الجنائية أي ميزانية ضخمة في البحث الجنائي".
وزاد: "نحن نتابع كيف أصبحت المختبرات الجنائية المتطورة وهي تعيد فحص الأدلة تتمكن من تصحيح الأخطاء القضائية وتطلق عدد من المحكوم عليهم خطأ في قضايا جنائية بعد قضاء العشرين والثلاثين سنة سجنا".
وشدد المحامي والمختص في المجال الجنائي على أنه "ليس هناك إصلاح في العالم دون تكلفة مالية، وقبل إصلاح المسطرة الجنائية يجب أن نعلم هل رصدت الحكومة أي اعتمادات مالية لمراكز البحوث الجنائية والمختبرات، ونحن لا نملك اليوم إلى مركز أو مركزين على المستوى المركزي".
واستطرد أيضا أنه "حتى عدد من الضحايا الآن لم يتوصلو بنتائج البصمات الأصابع فما بالك والعالم يحلل اليوم البصمة الوراثية وبصمة بشرة الجلد، وبصمة الأسنان، وبصمة الأذن إضافة إلى بصمة العين"، مشيرا إلى أنه "من أمثلة البصمات غير الملموسة أو المحسوسة: بصمة الصوت، بصمة الرائحة، بصمة المخ، البصمة النفسية".
وخلص زيبوح حديثه قائلا: "المشرع في ظل عدم رصد ميزانية خاصة تحفظ للإنسان كرامته في الحصول على عدالة حقيقية فسحب حضور المحام في البحث التمهيدي مخافة أن يفقد المحضر دوره المحوري في حسم المحاكمة الجنائية التي حتى القاضي في الجنح رغم سلطته التقديرية فهو ملزم بتعليل حكمه وفق محضر يستحيل إثبات عكسه إلا بدعوى الزور وهذا مستحيل".