هي ليست المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المغرب، بل سبق له أن حلَّ ضيفا على المملكة في مناسبتين، الأولى عقب انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية سنة 2017، والثانية عند تدشين القطار فائق السرعة "البراق" عام 2018؛ لكنها تبقى استثنائية بكل المقاييس، كونها تأتي بدعوة من الملك محمد السادس وتحمل طابع "زيارة دولة"، وهي أرفع أنواع الزيارات التي تتم بين ملوك وأمراء ورؤساء الدول وقادة الحكومات.
تتصدر "زيارة دولة" قائمة أشكال الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي، وتعتبر الأرقى مستوى بين باقي أنواع الزيارات، كما تتميز بمراسم خاصة ودقيقة، فضلا عن برامج غنية ومتفردة، تخضع كلها للبروتوكول المتفق عليها مسبقا بين البلدين.
تبدأ زيارة دولة، بدعوة رسمية من رئيس الدولة المُضيفة لنظيره قائد الدولة الزائر، فيكون فيها ضيفه شخصيا ويقيم في أحد قصوره الرسمية إلى حين نهاية الزيارة، وهي لا تقام لأي رئيس من نفس الدولة إلا مرة واحدة أثناء فترة حكمه.
الأعراف تكون حاضرة بقوة في هذا النوع من الزيارات بين ملوك ورؤساء الدول، ولا مجال هنا للارتباك أو الخطأ، بل يكون كل تفصيل مدروسا ومعد سلفا.
يشرع في مراسم الترحيب الذي يجب أن يكون في أبهى حلة، ببسط سجادة حمراء التي يسير عليها الضيف في حدود 50 مترا، وبعرض ما بين 2.70 إلى 3 أمتار، ويتضمن عزف النشيد الوطني الخاص بالبلدين، قبل استعراض حرس الشرف، ثم تطلق المدفعية 21 طلقة تحيّة للملوك والسلاطين والأمراء ولرؤساء الدول.
كما يتضمن برنامج "زيارة دولة" عادة تنظيم حفل غداء أو عشاء رسمي يكون فيه الرئيس الزائر "ضيف شرف" ويخصص لتعميق الروابط وعرى الصداقة، علاوة على محادثات وزيارات منوعة لبعض المعالم، مع إمكانية أن يزور الضيف برلمان الدولة المستقبلة له وقد يسمح له بإلقاء خطاب فيه.
بالنظر إلى ما تكتسيه من طابع سياسي مهم، يتعين الإعداد مسبقا لبرنامج عمل "زيارة دولة"، والإحاطة بجميع تفاصيلها، سواء على مستوى الوفد الزائر ومستوياته البروتوكولية، والجدول الزمني للزيارة، وأهم محطاتها ومضامينها وجدول أعمالها، علاوة على الشق المتعلق بتأمين وحماية أفراد الوفد، وترتيبات الإقامة والخدمة والطعام وباقي التفاصيل الدقيقة. قد يتم خلال هذه الزيارة تبادل هدايا رمزية أو توشيح طرفيها، على أن تختتم بمراسم شرفية رسمية عند مغادرة الرئيس الزائر. أما "زيارة عمل"، فيكون الهدف من ورائها محددا وبرنامجها يكتسي طابعا رسميا عمليا، يقتصر على مباحثات ولقاءات عمل وتوقيع اتفاقيات ثنائية، ولا توجد فيها طلقات مدفعية، كما قد لا يحظى الرئيس الضيف عند استقباله وتوديعه في المطار بمستوى رفيع. وبالنسبة ل"زيارة خاصة" فهو ثالث أنواع الزيارات يقوم بها رئيس دولة أو رئيس حكومة أو وزير بهدف شخصي، دون التقيد بمراسم بروتوكولية أو تشريفات خاصة. لمحات من زيارة ماكرون وعشية أمس الإثنين 28 أكتوبر الجاري، حل رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، وعقيلته بريجيت ماكرون، بالمغرب، ولدى وصولهما إلى مطار الرباط – سلا، وجدا في استقبالهما الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأمير مولاي رشيد، والأميرة للا خديجة، والأميرة للا مريم. وتوجه الملك، بمعية ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، ثم ضيف المملكة نحو المنصة الشرفية، حيث تمت تحية العلم على نغمات النشيدين الوطنيين للبلدين، بينما كانت المدفعية تطلق 21 طلقة ترحيبا بمقدم الرئيس الفرنسي.
بعد ذلك، استعرض الملك، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد ورئيس الدولة الفرنسية تشكيلة من الحرس الملكي، أدت التحية، ثم توجهوا إلى القاعة الملكية لمطار الرباط – سلا، حيث قدم للضيفين التمر والحليب، جريا على التقاليد المغربية الأصيلة.
وبعد استراحة قصيرة، توجه موكب قائدي الدولتين نحو القصر الملكي بالرباط، وسط حضور شعبي لافت، فيما تزينت الشوارع التي مر منها الموكب الملكي بالأعلام الوطنية المغربية والفرنسية.
ولدى وصول الموكب الملكي إلى "باب السفراء"، قامت فرقة من الخيالة تابعة للحرس الملكي بخفر الموكب الملكي وضيفه إلى غاية ساحة المشور بالقصر الملكي. وقد أضفت هذه الفرقة، التي عادة ما تقوم بخفر موكب الملك لدى استقباله لكبار الضيوف، طابعا مميزا على حفل الاستقبال الرسمي والشعبي الذي خصص لرئيس الجمهورية الفرنسية بعاصمة المملكة، والذي يرقى إلى مستوى العلاقات العريقة التي تربط المغرب وفرنسا. وبساحة المشور، تقدم للسلام على رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، عدد من الشخصيات والمسؤولين، في مقدمتهم رئيس الحكومة، ورئيسا مجلسي النواب والمستشارين، ومستشارو الملك، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الرئيس الأول لمحكمة النقض، ورئيس النيابة العامة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وأعضاء الحكومة.
وصباح اليوم الثلاثاء، أي في اليوم الثاني من زيارته، قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وحرمه بريجيت ماكرون، بزيارة لضريح محمد الخامس، حيث ترحما على روحي الملكين الفقيدين محمد الخامس والحسن الثاني، قبل أن يتوجه ماكرون إلى مقر البرلمان المغربي حيث ألقى خطابا تاريخيا أمام ممثلي الأمة.