في الوقت الذي يفتخر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بكونه "حقق ثورة اجتماعية غير مسبوقة، وجعل المغرب أول دولة اجتماعية في القارة الإفريقية"، يُشكك متتبعون من كون المغرب قد وصل بالفعل إلى ما يمكن تسميته "دولة اجتماعية"، في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيش على وقعها الفئات الهشة، خاصة مع غلاء الأسعار وضعف أو انعدام الخدمات الاجتماعية.
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية ومنسق ماستر إدارة المؤسسات والعمل الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء، عبد اللطيف مستكفي، أكد أنه "لا يمكن الجزم بأننا وصلنا إلى تحقيق هدف الدولة الاجتماعية"، مبينا أن "هذا الهدف مثالي وفيه مجموعة من الصعوبات ويتم تنزيله عبر مجموعة من المراحل وهو مسلسل يتطلب المرور بمجموعة من الخطوات الأساسية".
وأوضح مستكفي، في حديث ل"الأيام 24″، أن المغرب وضع مفهوم الدولة الاجتماعية وجعل منه هدفا منشودا يتوخى منه التجاوب مع السياقات الدولية والإقليمية والوطنية التي تتسم بخاصية أساسية وهي أزمة على مستوى جميع المستويات خاصة الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، مسجلا أنه "بناء على ذلك كان التوجه العام للدولة الاهتمام بالجانب الاجتماعي والتركيز على العنصر البشري في إطار هدف عام ضمان كرامة الإنسان وضمان العيش الكريم".
وأبرز مستكفي، أن المغرب اتخذ مجموعة من المبادرات على المستوى التشريعي من خلال سن عدة قوانين بخصوص الرعاية الاجتماعية والتي همت فئات متعددة من ذوي الاحتياجات الخاصة والتغطية الصحية والتعويضات العائلية والدعم الاجتماعي ودعم السكن، وكذا بعض الأمور المتعلقة ببعض خصوصيات أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال التعليم، مشيرا إلى أنه "حتى موضوع إصلاح مدونة الأسرة يدخل في إطار ما هو اجتماعي".
ونبه مستكفي، إلى أن "هذه التشريعات مهما بلغت درجة تطورها ورغم سعي المشرع إلى جعلها أكثر استجابة لمطامح وحاجيات فئات كبيرة من الشعب المغربي، لكن لا يمكن الجزم بتاتا بأنها ستساهم بين عشية وضحاها في بناء الدولة الاجتماعية".
وتابع أن "هناك إكراهات متعددة متعلقة ببنية الدولة المغربية وبتمثلات المجتمع المغربي وبالفاعلين السياسيين والمدنيين"، مؤكد على ضرورة "استحضار عناصر أخرى قد تكون مصاحبة ومُفعلة لهذه التشريعات وهذه المبادرات التي اتخذتها الدولة المغربية".
وشدد مستكفي، على ضرورة وضع تكوينات خاصة لتوفير مختصين في العمل الاجتماعي يزاوجون بين الجانب النظري المتعلق بالعمل الاجتماعي والجانب التطبيقي المتعلق بالعمل في الميدان الاجتماعي عبر تكوينات رصينة تزاوج بين القانوني والاجتماعي والنفسي والتواصلي.
ولفت إلى أن بعض جمعيات المجتمع المدني التي تحمل عناوين رنانة من قبيل جمعية التنمية والطفولة والمرأة، تقوم بوظائف ومهام بعيدة عن تخصصها، مبينا أنه "قد نجد اسم "جمعية حماية الطفل"، ولكن أعمالها تقتصر على أمور تتعلق بوسائل ترفيهية أو بالإعذار، رغم أن الطفل هو ركيزة المجتمع، إذ إن هناك أطفال التوحد وضحايا الطلاق وأطفال يعانون من التعثر في التعلم، وهؤلاء يحتاجون إلى مختصين في هذا المجال".
ويرى مستكفي، أنه "مازلنا في المغرب حبيسي القوانين التي تفتقر إلى الأجرأة على مستوى توقيع الجزاء على المخالفين"، متسائلا: هل فعلا تتخذ الدولة إجراءات صارمة على مستوى المؤسسات العمومية وغير العمومية والخاصة فيما يتعلق بمسألة الولوجيات للأشخاص المعاقين؟
وأردف متسائلا: هل الوزارت المكلفة بالعملية التعليمية تراعي بعض خصوصيات ذوي الاحتياجات الخاصة في المسائل التعليمية؟ وهل المؤسسات التعليمية تتوفر على كافة الوسائل المتاحة للاشتغال في ظروف مناسبة بالنسبة للأشخاص في وضعية خاصة؟
وبالنسبة لفئة المسنين الذي صادف أمس الثلاثاء فاتح أكتوبر الاحتفال باليوم العالمي لهذه الفئة، فإنها تحتاج، حسب مستكفي، لرعاية خاصة إذ إن هناك المسنين طريحي الفراش وذوي الإعاقة وغيرهم من الحالات الهشة، ملفتا إلى أن كل ما سبق ذكره ينبغي استحضاره في المقاربة الاجتماعية حتى نتمكن من بناء ما يسمى بالدولة الاجتماعية.
وأشار مستكفي، إلى أن هناك أيضا مسألة الثقافة السائدة، إذ مازال المجتمع ينظر للفئات الهشة تلك النظرة الإحسانية، وغابت ثقافة التضامن والاندماج للفئات الهشة داخل المجتمع، مشددا على ضرورة التعامل بشكل عادي مع الفئات من ذوي الإعاقات البصرية والحركية، والعمل على إدماجهم داخل المجتمع.
وخلص مستكفي، إلى أن المباردات التي تم اتخاذها على مستوى ما هو اجتماعي من قبيل الدعم الاجتماعي الذي تخصصه الحكومة يبقى "دعما متذبذبا"، مشيرا إلى أنه "عندما يتعلق الأمر بضريبة معينة فإن الدولة تكون صارمة، أما إذا تعلق الأمر بالدعم فإن الدولة تكون مواقفها "متذبذبة"، أخذا بعين الاعتبار ما يسمى ارتفاع أو انخفاض المؤشر". وأردف أنه "لا يمكن اعتماد بعض العناصر التي أصبحت متجاوزة، من قبيل امتلاك هاتف نقال كمعيار لارتفاع أو انخفاض المؤشر، لتحديد الدعم".