سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
*المدرسة المغربية والأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة: التعامل مع هذه الفئة من المواطنين يجب أن يكون من منطلق المقاربة الحقوقية والتربوية وليس المقاربة الإحسانية والتعاطفية.. بقلم // محمد الصدوقي
مع الأسف، تعودنا في المغرب، ألا نهتم ببعض الفئات من المواطنين إلا بشكل "احتفالي"صوري غالبا ومؤقت،لإرضاء صيحة(موضة) الاحتفال بالأيام العالمية أو الوطنية،ومنها اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة،لنوهم أنفسنا والآخر بأننا منخرطين في عصرنا وعالمنا، عصر وعالم حقوق الإنسان والمواطنة... لكن الواقع يكشف أننا لم ننخرط بعد بشكل جدي وبنيوي ومستمر في ثقافة وحضارة حقوق الإنسان والمواطنة.وهذا لا يعني أن المغرب الرسمي غير منخرط،على مستوى النصوص التشريعية الوطنية في هذه الثقافة الحقوقية الكونية،لكن المشكل يكمن في أجرأتها على أرض الواقع،وترجمتها كحقوق ملموسة يتمتع بها المواطن(رجل،امرأة،طفلة/ة) في حياته العامة اليومية؛وهنا،في هذه المقاربة سنعطي مثالا حصريا،يتعلق بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة(ذوو الإعاقات) وحقهم الأساسي في التعلم والاستفادة من الخدمات العمومية للمدرسة كمواطنين وككائنات إنسانية؛حيث نلمس الهوة السحيقة بين النصوص الدولية(الاتفاقيات والمعاهدات...) ،والتشريعات الوطنية(خاصة دستور 2011)،واختلالات واقع تفعيل وأجرأة هذه النصوص ،والحالة المزرية واللاإنسانية واللامواطنة التي يعيشها أغلب أطفال المغرب ذوي الاحتياجات الخاصة. ++الحق في التعلم والاعتناء بذوي الاحتياجات الخاصة في المواثيق الدولية من المعروف أن هناك عدة مواثيق واتفاقيات وإعلانات وبرامج دولية(صادق على اغلبها المغرب) حاولت،بطريقة ضمنية أو مباشرة، الاعتراف بخصوصية حقوق المعاق(طفلا كان أو راشدا) وجعلها التزاما دوليا؛ونذكر منها: إعلان حقوق الطفل 1959(خصوصا في المبدإ الخامس)، الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966( خاصة المادة 12)،الإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا 1971،الإعلان العالمي بشان حقوق المعوقين1975،إعلان السنة الدولية للمعوقين 1981،برنامج العمل العالمي 1982،ميثاق حقوق الطفل العربي1983(الهدف السادس)،اتفاقية حقوق الطفل1989(المادة23)،مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين الصحة العقلية1991،القواعد الموحدة بشان تحقيق تكافؤ الفرص للمعاقين1993... وتُوجت المجهودات السابقة باعتماد سنة 2006″اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"،والتي عرضت على الدول للتوقيع سنة 2007، وكان عدد الموقعين 147،والمصادقين 99،كما وقع على البروتوكول الاختياري للاتفاقية 90 دولة وصادق عليها61 دولة.(وقع المغرب على الاتفاقية في 30مارس 2007،وصادق عليها وعلى بروتوكولها في 8أبريل 2009). ناهيك على الحق الأساسي والصريح في التعليم كحق من حقوق الإنسان والطفل. ++التشريعات والسياسات العامة للدولة في مجال الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة(الإعاقة) من بين المعطيات القانونية،قبل دستور 2011، والمفعلة لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تمكنا من العثور عليها، ،نجد القانون رقم 05.81 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر (6 ماي 1982) قانون 07.92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين (10 شتنبر 1993) قانون رقم 01.03 المتعلق بالولوجيات (12 ماي 2003). الاستفادة من نسبة %7 المتعلقة بتشغيل المعاعقين في القطاع العام، طبقا لقرار الوزير الأول رقم 3.130.00،،وذلك لضمان الحماية القانونية للمعاقين في مجال الوقاية والعلاج،والحق في التعليم والتكوين،والحق في الاندماج والتدريب المهني والعمل،والحق في الوصول إلى مختلف الأماكن والخدمات. أما على مستوى السياسات العمومية المهتمة بالمعاق التي اعتمدها المغرب في السنوات الأخيرة،فنجد،على سبيل المثال، أن الحكومة السابقة من خلال الوزارة المكلفة بالمعاقين،وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن،أعلنت في إستراتجيتها تحقيق الإجراءات التالية: تنسيق البرامج الحكومية ودعم المجتمع المدني في مجال الإعاقة، النهوض بالصحة الجسدية والعقلية، تحسين عملية الولوج إلى المعلومات والتربية والتكوين والتشغيل، تحسين ولوجيات الاتصال والمعمار والنقل، المشاركة في الأنشطة السوسيوثقافية والرياضية والسياحية والترفيهية، إنتاج المعلومات والتعريف بالإعاقة. أما مع الحكومة الجديدة،حكومة مابعد دستور 2011، الذي يقر في فصوله :19و 31 و32 وخاصة في الفصل 34، بحق التعلم، والرعاية الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة ،والحق في المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز،فقد أعلنت الوزيرة المكلفة بقطاع التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بكل جراة وصراحة أن الحكومة لا تتوفر على إستراتيجية واضحة خاصة بهذه الفئة من المواطنين، وأنه لم يتم الالتزام الرسمي التام بتفعيل حقوق هذه الفئة. وعليه،فإنه رغم بعض المجهودات التشريعية والإجرائية الوطنية الحالية والسابقة،فإن الحصيلة لازالت مخجلة على مستوى الواقع،حيث إن حوالي ثلث الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هم فقط من يستفيد من حقهم في التعلم الذي هو من الحقوق الأساسية للإنسان والمواطنة.وهذا ما يجعلنا نلقي بعض الأضواء والملاحظات على مدى تفعيل الحق في التعلم والرعاية الخاصة لدى هذه الفئة في قطاع التربية الوطنية كخدمة عمومية،والذي من المفروض ان يبلور ويفعل البرامج والسياسات الرسمية للدولة للوفاء بتطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية التي التزم بها،والتشريعات الوطنية،وخاصة الدستور الجديد. ++ذوو الاحتياجات الخاصة ومنظومة التربية والتعليم أول ملاحظة،على مستوى التشريعات التربوية الوطنية الجاري بها العمل،وحسب معلوماتنا،لا نجد اهتماما بذوي الحاجيات الخاصة،بل نلاحظ إهمالا تشريعيا واضحا:فمثلا،في مرسوم يوليو2002،بمثابة النظام الأساسي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي،وقرار الوزارة الصادر في أكتوبر 2006 المنظم لنيل الشهادة الابتدائية،وقرار الوزارة الصادر في نونبر 2002 المتعلق بالنظام المدرسي للتعليم الأولي و الابتدائي والثانوي...لا نجد تشريعات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.نعم هناك بعض المذكرات القليلة التي تهتم بتعليم هذه الفئة،أو التي تدعو إلى الاحتفال بيوم ذوي الاحتياجات الخاصة،لكن القواعد والمراجع القانونية الملزمة لازالت غائبة داخل الوزارة. أما على المستوى التربوي،فقد بُدلت بعض الجهود المحدودة في إحداث مايسمى الأقسام المدمجة،وعقد شراكات مع بعض الجمعيات للتكفل بإنشائها وتدبيرها...لكن وكما أشرنا سابقا فإنه لا يستفيد من الحق في التعلم سوى ثلث الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة(إن سلمنا بدقة هذا الرقم،الذي تم الإعلان عنه في القناة الثانية بمناسبة اليوم الوطني للمعاق لهذه السنة ،مارس 2013). كما نسجل على المستوى التربوي ،اختلالات كثيرة لا تفعل ولا تدعم حق التعلم الجيد لهذه الفئة من الأطفال المغاربة،ونذكر منها: -غياب استراتيجية تربوية دقيقة وواضحة لدى الوزارة(لا نجد أي معطيات دالة وجديدة حول هذه الفئة في موقع الوزارة أوبالبرنامج الحكومي لقطاع التربية الوطنية) -غياب منهاج تربوي خاص بهذه الفئة،في مختلف الأسلاك التعليمية. - غياب تكوين بيداغوجي أساسي(مراكز تكوينية مختصة) ،أوتخصصي ،أومستمر ،في التربية الخاصة،وتكوين أطر تربوية مختصة. - غياب أقسام وتجهيزات تربوية وديداكتيكية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في كل المؤسسات التعليمية. - غياب تدابير وإجراءات تربوية مدمجة في البرامج والكتب والحياة المدرسية ،تعمل على تحسيس وتربية التلاميذ العاديين و كذا الأسر من أجل تغيير التمثلات والقيم السلبية حول هذه الفئة(خوف وتررد أسر ذوي الاحتياجات الخاصة لتسجيل أبنائهم،التمييز،الازدراء ،الإهانة...) - تهميش هذه الفئة في العالم القروي والأحياء الشعبية،خصوصا على مستوى التعليم الأولي والابتدائي. - عدم فرض تدريس هذه الفئة على المدارس الخصوصية في دفتر التحملات. -عدم تحمل الوزارة مسؤولياتها كاملة وعدم اللجوء إلى خدمات الجمعيات،حيث تم تسجيل عدة اختلالات في تنفيذ الشراكة بينها والوزارة(تبديد أموال الدعم،ابتزاز الإباء،خلافات بين مسؤولي الجمعيات أو بينهم والإدارة المدرسية،غياب التأطير والكفاءة،غياب المراقبة،غياب مساطر قانونية واضحة وملزمة في دفاتر التحملات...) - غياب الولوجيات والتجهيزات والبنيات الخاصة بهذه الفئة في المؤسسات التربوية. وفي الأخير، نتمنى أن تعمل الدولة والوزارة الوصية على قطاع التعليم على تمتيع هذه الفئة من أبنائنا وبناتنا بحقوقهم الكاملة،وخاصة حقهم في التلعلم الجيد وإدماجهم الإيجابي والعادي في الحياة المجتمعية ،من خلال سن سياسات وبرامج تربوية رسمية دائمة ،من اجل حفظ كرامتهم وإنسيتهم كمواطنين .كما يتعين على كافة المؤسسات العمومية المعنية،التعامل مع هذه الفئة من المواطنين،من منطلق المقاربة الحقوقية وليس المقاربة الإحسانية والتعاطفية؛فدستور المملكة الجديد والمواثيق والاتفاقيات الدولية واضحون في شأن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، كمكتسبات وحقوق أساسية للإنسان والمواطن. ** أستاذ وباحث تربوي