يرى المغرب أنه أصبح أكثر من أي وقت مضى مؤهلا بفضل خبرته التي حصل عليها على مستوى احتضان التظاهرات القارية والعالمية، وأيضا بفضل منشآته الرياضية، لاحتضان كأس العالم 2026 دون مركب نقص، معتمدا في ذلك على دعم ووعود ال "فيفا" نفسها بمساندته وهو الذي خسر سابقا شرف احتضان هذه التظاهرة في 4 مناسبات، في انتظار أن تكون الخامسة ثابتة. ما هي خطة المغرب للظفر باستضافة أكبر تظاهرة عالمية؟ وما هي حظوظنا لتنظيم المونديال؟ وكم هي كلفة إعداد ملف الترشيح والترويج؟ وكم من ملعب يلزمنا لهزم الملف الأمريكي - الكندي - المكسيكي؟ لنتابع! سلطت لجنة ترشيح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم 2026، الضوء على خطة المغرب لهزم الملف الثلاثي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية ويضم المكسيك وكندا، في أول لقاء إعلامي لها، بعد أيام فقط من تعيين الملك محمد السادس للوزير مولاي حفيظ العلمي رئيسا للجنة ترشيح المغرب لاستضافة مونديال 2026.
اللقاء الذي تابعه باهتمام الإعلام الدولي جاء بعد أيام أيضا على مقال أصدرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الذائعة الصيت وسخرت فيه من رغبة المغرب في منافسة الملف الأمريكي الضخم والقوي، وكان لقاء الثلاثاء بالنسبة للجنة ترشيح المغرب جزءا من الرد على سخرية الأمريكان.
مولاي حفيظ العلمي، الذي ظل صامتا ومتواريا عن الأنظار منذ تعيينه من طرف الملك رئيسا للجنة الترشيح، كان مرفوقا بكل من رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، ووزير الشباب والرياضة رشيد الطالبي العلمي، وكشف عن مجموعة من التفاصيل التي تخص الملف المغربي، والتي ظلت منذ مارس 2017، تاريخ إبداء المغرب رسميا نيته في الترشيح، طي الكتمان، وأبرزها التكلفة المالية التقديرية لإعداد ملف الترشيح والترويج له على المستوى الدولي، التي ستتراوح ما بين 120 و130 مليون درهم (ما بين 12 و13 مليار سنتيم).
حفيظ العلمي: سنحتفل بالفوز
بدا مولاي حفيظ العلمي في اللقاء الإعلامي الذي احتضنه أحد أفخم فنادق مدينة الدارالبيضاء متحمسا وواثقا من قدرة المغرب على نيل شرف التنظيم، مؤكدا أن اللجنة الموكل إليها عملية الإشراف على ملف الترشح المغربي هي من الطراز العالي ومكوّنة من أفضل الخبراء في المجال، مشيرا إلى أن كل التفاصيل التي تهم ملف المغرب وكذا الاستجابة لكافة معايير وشروط "فيفا" لقبول الملف باتت جاهزة بنسبة كبيرة جدا.
وأوضح العلمي أن المغرب حقّق قفزة نوعية وتطورا كبيرا على عدة أصعدة مقارنة بالملف الذي تقدّم به سنة 2003 من أجل نيل شرف احتضان نسخة 2010 التي أنيط شرف تنظيمها لجنوب أفريقيا، مردفا "... المغرب تطور على مستوى البنيات التحتية الرياضية والشبكات الطرقية والتواصل، وهي أمور جيّدة وستساعدنا كثيرا على بسط تصوّر أفضل من أجل الظفر بتنظيم نسخة 2026 من المونديال".
وعدّد رئيس لجنة ترشّح المغرب مزايا المغرب بعد وضعه مقارنة بسيطة مع الملف الثلاثي المنافس لأمريكا والمكسيك وكندا، مثل تمتّع المغرب بالاستقرار وقربه الجغرافي الكبير من القارة الأوروبية، وكذلك تموقعه في منطقة زمنية ممتازة، تمكّن بقية العالم من متابعة مباريات كرة القدم في النهائيات في أوقات مناسبة، وما يرتبط بذلك من عائدات تجارية إضافية.
وتابع حفيظ العلمي "المغرب بلد متسامح، وسيمكّن العالم من اكتشاف ثقافات جديدة ومغايرة في منطقة جغرافية محدّدة. هناك مراحل ضرورية يجب أن نمر منها: أولا استخلاص موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم النهائية على ملف المغرب في 16 مارس المقبل، ثم مواكبة اللجنة الاستقصائية التي ستبعثها فيفا من أجل معاينة ما تم عرضه على الورق مع إمكانية تطبيقه على أرض الواقع".
لقجع: هذه نقط قوتنا
في الجانب الآخر ظهر رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع واثقا من نفسه وهو يتحدث أمام قرابة 200 صحفي قدموا من كافة أنحاء العالم، مؤكدا أن المغرب على علم بكل ردود الأفعال المتداولة في الكواليس حول الموضوع، مثلما تابع كل ما تمت إثارته في وقت سابق، وكذا التصعيد الذي لقيته "فيفا" من جهات معينة من أجل تسريع وتيرة التغيير بعد أن تم منح ملف "مونديال" 2022 لصالح قطر على حساب دول أخرى.
وأوضح لقجع أن جامعة الكرة كانت قد تلقّت إشارات إيجابية كثيرة من قبل مؤسّسة ال CAF، تهم تسخير كل إمكانياتها لدعم الملف المغربي، وأنه استخلص في وقت سابق موافقة مبدئية لعدد من نجوم كرة القدم الأفارقة مثل ديدي دروغبا وصامويل إيطو من أجل دعم الملف المغربي، "الذي هو ترشح لإفريقيا كلها"، يضيف لقجع.
وأشار رئيس جامعة الكرة إلى أنه لا وجود لتأخّر على مستوى التواصل في موضوع ترشّح المغرب لتنظيم "المونديال"، وأن أي لقاء مع أحد رؤساء الاتحادات الكروية أو أي تحرّك في هذا الصدد يستوجب إخبارا أوليا للجان "فيفا" من أجل الحفاظ على نزاهة وشفافية عملية الترويج لملفات الدول المترشحة.
لقجع شدد على أن جامعة الكرة التي يرأسها دخلت مرحلة "التسخين" فقط باحتضانها أولا لنهائيات كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين "الشان"، والتي قد تتبعها نهائيات "الكان"، ثم التحضير للحدث الأكبر وهو كأس العالم، مشيرا في الآن ذاته إلى الدرجات التي سبق وتسلّقتها الكرة الوطنية عبر كسب نزاعها مع "CAF" على مستوى محكمة التحكيم الرياضي "TAS" وتنظيم نسختين من "الموندياليتو" في ملاعب الرباط ومراكش وأكادير.
هذه حظوظنا بلغة الأرقام
بلغة الأرقام سنتحدث، فالتصويت على البلد المستضيف ستشارك فيه جميع اتحادات كرة القدم المنضوية تحت لواء الفيفا، وهي 211 اتحادا، وبحكم القانون فالدول التي تتقدم بالترشيح لن يسمح لها بالصويت، بمعنى أن 4 دول، وهي المغرب وأمريكا وكندا والمكسيك، لن تصوت، وبالتالي فعدد الدول المسموح لها بالتصويت هو 207، والبلد الذي سيحتضن هذه التظاهرة العالمية سيكون مجبرا على الحصول على 104 من الأصوات.
بعض ممن احترفوا فن التنجيم والتخمين في مثل هذه المناسبات يقولون إن المغرب يضمن إلى حدود الساعة 70 صوتا في الجيب، وهي أصوات 54 بلدا إفريقيا، و16 بلدا عربيا من خارج القارة السمراء، مما يعني أن المغرب سيكون مجبرا على استمالة أصوات 34 بلدا آخر من أوروبا وآسيا والأمريكيتين للوصول إلى عتبة ال 104 أصوات المطلوبة للفوز بشرف التنظيم.
ويبدو دولا أخرى تتجه إلى التصويت على المغرب، خاصة فرنسا، والبرتغال، وإسبانيا، وإيطاليا، وباقي دول البحر الأبيض المتوسط القريبة جغرافيا من المغرب، إضافة إلى دول أخرى في آسيا لها علاقات مميزة مع المغرب أو ستصوت بشكل عقابي ضد الملف الأمريكي، وهنا تختلط السياسة بالرياضة، ونعني بذلك بالأساس الصين ومن يدور في فلكها من بلدان آسيا...
نترك التنجيم بعيدا ونعود إلى لغة الواقع والمنطق، فبحسب تصريح رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع ل "الأيام"، فحظوظ المغرب مرتبطة أساسا بالعمل والطريقة التي ستشتغل عليها لجنة الترشيح من اليوم إلى غاية ال 13 من شهر يونيو القادم، حيث سيعلن بشكل رسمي عن هوية الملف الفائز بشرف التنظيم...
كما شدد فوزي لقجع، في المناسبة ذاتها، على أن المغرب سيستثمر أيضا علاقاته الدبلوماسية مع بلدان متقدمة ولها تأثير في السياسة الدولية على غرار روسياوالصين. "... المغرب وقع اتفاقيات استراتيجية مع بلدان نعتبرها مؤثرة في الساحة الدولية، كما تربطنا علاقات قوية مع بلدان الخليج"، يقول لقجع.
نحتاج إلى 14 ملعبا لنهزم الأمريكان
لتحقيق حلم تنظيم المونديال سيكون المغرب محتاجا إلى 12 ملعبا جاهزا وملعبين احتياطيين لتنظيم نسخة 2026 بصيغتها الجديدة التي تضم 48 منتخبا عوض 32 في النسخ الماضية، وهو ما يستوجب عملا كبيرا من طرف الحكومة نفسها، التي ستكون مجبرة على البحث عن سيولة مادية كبيرة لبناء ملاعب تتناسب والمعايير العالمية.
فوزي لقجع أكد أن المغرب سيحاول تشييد ملاعب كروية قابلة لإعادة التركيب، على غرار ما ستفعل قطر في مونديال 2022، مرجعا ذلك إلى شروط الاتحاد الدولي الخاصة بنوعية الملاعب التي سيتم الترخيص لها باستضافة مباريات الافتتاح، نصف النهائي ثم اللقاء النهائي.
فال "فيفا" تطلب تخصيص ملاعب تفوق طاقتها الاستيعابية 80 ألف متفرّج لمبارتي الافتتاح والنهائي وأخرى تتسع ل 60 ألفا فما فوق لمباريات النصف، في حين تكتفي بتخصيص ملاعب بطاقة استيعابية تصل إلى 40 ألف متفرّج في باقي المباريات.
لقجع قال أيضا في السياق ذاته: "... سنعمل على تشييد ملاعب قابلة لتقليص قدرتها الاستيعابية إلى ما بين 40 و20 ألف متفرّج حتى تتلاءم هذه الملاعب مع نسبة الحضور الجماهيري في مباراة الأندية الوطنية، على أن يتم استثمار تلك التجهيزات في توسيع ملاعب أخرى".
إصرار على أن تكون الخامسة ثابتة
من خلال الطلب الذي تقدم به المغرب لجهاز الفيفا رسميا في غشت الماضي، يكون المغرب قد دخل مجددا غمار المنافسة على تنظيم المونديال للمرة الخامسة بعدما لم يحالفه الحظ في استضافة دورات 1994 (الولاياتالمتحدة) و1998 (فرنسا) و2006 (ألمانيا) و2010 (جنوب إفريقيا)، مع رغبة أكيدة وحرص شديد على أن تكون الخامسة ثابتة ويحظى بالتالي بشرف تنظيم أرقى تظاهرة كروية على الإطلاق.
هذا الإصرار تجسده، بحسب مصادر مقربة من ملف الترشيح، في حديثها مع "الأيام"، الرغبة والحماس الذي أبدته المؤسسة الملكية نفسها، حيث ظل الملك محمد السادس طيلة الشهور الأخيرة يسهر بنفسه على بعض التفاصيل، ويصر في كل مرة على ضرورة أن تكون المرة الخامسة ثابتة، فالمغاربة ركضوا خلف حلم تنظيم المونديال منذ ثمانينيات القرن الماضي، حينما أصر الراحل الحسن الثاني على الترشح لدورة 1994 التي أسندت حينها للولايات المتحدةالأمريكية، ودافعوا عن حظوظهم في 4 مناسبات سابقة، ومن العيب ألا تنصفهم ال "فيفا" هذه المرة، خاصة بعدما تعرض الملف المغربي لإجحاف كبير في دورة 2010، فال "فيفا" نفسها أقرت بأن المغرب هو الذي يستحق تنظيم تلك الدورة، وأقرت أيضا أن جنوب إفريقيا قدمت رشاوى لأعضاء من الكونكاكاف من أجل استمالة أصواتهم.
فلاش باك.. هذه قصتنا مع المونديال
كان المغرب أول بلد من خارج القارتين الأوروبية والأمريكية تجرأ على طلب احتضان كأس العالم، فبمجرد تحقيق المنتخب المغربي لكرة القدم لنتائج إيجابية في مونديال 1986 بالمكسيك، حاول الملك الراحل أن يرفع سقف التحدي ويعلن عزم المغرب تنظيم مونديال 1994. وعلى الرغم من أن الفوز كان حليف الولاياتالمتحدةالأمريكية في تنظيم دورة 1994 بفارق ثلاثة أصوات فقط، فإن إرادة المغرب لم تتوقف، بحيث قدم ترشيحه لاحتضان نسخة 1998 بملف أكثر جدية من سابقه وبثقة أكبر في النفس، ليدخل غمار المنافسة إلى جانب سويسراوفرنسا التي فازت بشرف تنظيم هذه الدورة، بعد أن استبعدت "الفيفا" في آخر لحظة الملف السويسري بدعوى أنه "غير جاهز". وتجدد الحلم للمرة الثالثة في دورة 2006، لكنه سرعان ما تبخر ونالت ألمانيا شرف تنظيم مونديال 2006.
وعلى الرغم من عدم التمكن من احتضان هذه التظاهرة العالمية، فقد تمكن المغرب من تسجيل انتصار معنوي تمثل في مصادقة اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم يوم 3 غشت 2000 على مبدأ التناوب القاري لتنظيم كأس العالم، وهو القرار الذي حظي بتزكية المؤتمر 52 للفيفا في زيوريخ ثلاثة أيام بعد هذا التاريخ.
وفي مارس 2001 قررت اللجنة التنفيذية بأن تكون بداية التنظيم القاري بالتناوب من إفريقيا التي عهد إليها بتنظيم كأس العالم 2010. وحينما أعلن الاتحاد الدولي يوم 23 شتنبر 2002 عن فتح باب الترشيحات جدد المغرب ترشيحه لاستضافة أول مونديال على أرض إفريقيا، وقام بحملة ترويج لملفه وحاول إقناع أصحاب القرار بقوة ملفه ومشروعية تطلعاته.
ورغم أن حظ المغرب كان عاثرا في الترشيح الرابع بعد قرار اللجنة التنفيذية للفيفا إسناد تنظيم مونديال 2010 لجنوب إفريقيا التي فازت ب 14 -10، فإن المغرب كما أكد على ذلك وقتها سعد الكتاني، رئيس لجنة "المغرب 2010 التي كلفت بإعداد ملف المغرب لاحتضان كأس العالم 2010، "سيكون دائما على موعد مع التاريخ، لأن مسيرة البناء والتشييد تسير بوتيرة متسارعة وأسس الديمقراطية تتدعم يوما بعد يوم"، على حد تعبيره.