تشهد جهة فاسمكناس، تحديات اقتصادية تعكس واقع نسب البطالة، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة. وفي سياق متناقض، يبرز الشمال كمنطقة تشهد تراجعاً في نسب البطالة، مما يجسد تحسناً نسبياً في الوضع الاقتصادي بهذه الجهة.
ارتفاع البطالة وعلاقته بكوفيد 19
وكشف تقرير جديد أنجزه المجلس الأعلى للحسابات، عن تباين كبير بين جهات المملكة، فيما يخص دينامية سوق الشغل، مسجلا أن جهة فاس شهدت أكبر ارتفاع في معدلات البطالة خلال الفترة التي يشملها هذا التقرير، الذي يغطي الفترة الممتدة من 2015 إلى 2022، مؤكدا أن وضعية سوق الشغل على المستوى الوطني، قد شهدت تدهورا ملحوظا، حيث انتقل معدل البطالة من %9,7 إلى %11,8 بسبب توالي سنوات الجفاف وتداعيات كوفيد 19.
وباستثناء جهة طنجة-تطوان-الحسيمة التي شهدت انخفاضا في معدل البطالة، ارتفع في جهة فاسمكناس، بمعدل 4.9 في المائة، منتقلا من %8.6 إلى %13.5 سنة 2022.
تفاعلا مع هذا الموضوع، قال مهدي موفق، فاعل جمعوي بجهة فاس – مكناس، في تصريح ل"الأيام 24″، إن "جهة فاس – مكناس، تعاني من ارتفاع كبير في نسبة البطالة، لا سيما بعد موجة فيروس كورونا التي عاشها المغرب، والتي لم تستطع الجهة الخروج منها لحدود اليوم".
وأضاف موفق، أن "من بين أسباب هذا التطور السلبي، هو الجفاف الذي ضرب الجهة، خاصة وأنها تزخر بسهل سايس ذو الخصوبة العالية"، مردفا أن "عدم الاهتمام بقطاع الصناعة التقليدية من خلال دعم المنتوج الوطني ودعم التعاونيات والمقاولات الصغرى، تسبب في فقدان آلاف من مناصب الشغل بهذه الجهة".
ضعف الاستثمار بالجهة
ويرى موفق، أن "ضعف الاستثمارات بالجهة، وتعقيد المساطر الإدارية، وعدم قدرة مجلس جهة فاس-مكناس أو المجالس الجماعية بالجهة، على جلب الاستثمارات وعقد شراكات مع دول أو شركات أجنبية، تخلق عبرها مناصب شغل للشباب، عامل أساسي لارتفاع البطالة".
وأوضح، الفاعل الجمعوي، أنه "بالرجوع إلى الدور الحكومي في خلق فرص الشغل، نرى أن اهتمام الحكومة يتمركز بالأساس، في جهتي الدارالبيضاءسطات، وطنجةتطوانالحسيمة، حيث أن معظم الشركات إن لم نقل أكثر من النصف، تتمركز بمدن الدارالبيضاء، القنيطرةوطنجة".
واعتبر المتحدث أن "كل هذه العوامل تُفاقِم أزمة التشغيل بجهة فاس-مكناس، وذلك في غياب ترافع معظم البرلمانيين عن الجهة، وعدم قدرتهم على إقناع باقي المتدخلين، والشركاء للاستثمار بالجهة، باستثناء بعض المبادرات المحتشمة".
وخلص مهدي موفق، في حديثه ل"الأيام 24″، قائلا: "نحن كمجتمع مدني نحاول قدر المستطاع طرق كل الأبواب، وتحسيس المسؤولين بأهمية جلب الاستثمارات، وخلق فرص الشغل، لأهميتها في القضاء على العديد من المظاهر السلبية التي تحيط بالشباب كالإدمان والجريمة".
قلة الطلب على اليد العاملة
من جهته، قال محمد جدري، الخبير الاقتصادي، في حديث ل"الأيام 24″، إنه "من الصعب مقارنة جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، مع جهة فاس-مكناس، وذلك لمجموعة من الأسباب المتعددة، حيث تعتبر جهة فاس-مكناس، جهة فلاحية بامتياز، لكنها تتأثر صعودا ونزولا بمستوى التساقطات المطرية"، معتبرا أنه "من الطبيعي أن تفقد هذه الجهة العديد من مناصب الشغل، خلال السنتين الماضيتين، لأن هناك طلبا قليلا على اليد العاملة، خاصة في ما يخص القطاع الفلاحي".
وأضاف جدري، أن "جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، صناعية بامتياز، خاصة في كل ما يتعلق بصناعة السيارات، وصناعة النسيج، والألبسة والجلد، وهو الأمر الذي جعلها تخلق الكثير من مناصب الشغل، في مقابل فاس-مكناس، التي فقدت العديد من فرص الشغل".
وأردف الخبير الاقتصادي، أن "موقع جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، بالإضافة إلى قربها من المحيط الأطلسي، والبحر الأبيض المتوسط، يجعلها تتوفر على مجموعة من البنيات التحتية، كقطار فائق السرعة، وطريق السيار، وكذلك قربها من أوروبا، وهو ما يجعل العديد من المستثمرين يتوافدون عليها من أجل الاستثمار، وهذا سبب وجيه في جعل نسب البطالة تتراجع بهذه الجهة".
ضعف البنية التحتية بالجهة
وأوضح المتحدث أن "عدم توفر جهة فاس-مكناس على بنية تحتية مهمة، يجعلها منطقة تفتقر لفرص الشغل"، داعيا إلى "ضرورة القيام بمجهودات خاصة بهذه الجهة خلال السنوات المقبلة، وذلك من أجل خلق مناصب شغل كثيرة".
وتابع: فإذا استطعنا إيجاد حل لمشكلة ندرة المياه بالجهة، والنهوض بالقطاع الفلاحي، سيساعد على خلق مجموعة من فرص الشغل، وكذلك على مجموعة من الثروات، مما سيساهم في مردودية الإنتاج لمجموعة من المنتوجات الفلاحية بالمملكة".
وتابع محمد جدري، حديثه ل"الأيام 24″، قائلا: أن "هناك أمور أخرى يجب إعادة النظر فيها، مثل إشكالية العقارات، والاستثمار، والتنافسية، بالإضافة إلى إشكالية الولوج إلى التمويلات البنكية، لا في ما يتعلق بالقطاع الفلاحي، ولا القطاع الصناعي، وكذلك التقليص من كلفة الطاقة، لأنها من الممكن أن تساهم في خلق مجموعة من الاستثمارات لا بجهة فاس-مكناس، التي هي بحاجة إلى استثمار فلاحي مهم، ولا بجهة طنجة-تطوان، في ما يخص الاستثمار الصناعي".
وخلص الخبير الاقتصادي، إلى أن "الجهتين قادرتان على تشكيل ثروة كبيرة، بما يوفر فرصا ومناصب شغل كثيرة على الصعيد الوطني بأكمله، ولكن لا بد من إيجاد حل لجميع الإشكاليات، التي تواجه القطاعين معا، سواء الفلاحي أو الصناعي".
واعتبر المتحدث أنه "إذا قمنا بتهيئة رأس المال البشري، وكل ما يتعلق بالولوج إلى العقارات، والمنافسة الحقيقية بين الفاعلين، وكذلك محاربة الأمور المتعلقة بالريع، وتسهيل الولوج إلى التمويلات البنكية، بالإضافة إلى الرفع من نشاط النساء اقتصاديا، وكذا تجاوز التبعية في التقلبات المناخية، والحد من ارتفاع أسعار برميل النفط على المستوى العالمي، سيمكننا من الوصول إلى مستويات عالية للنمو، وخلق مناصب شغل كثيرة خلال السنوات المقبلة".