كان لافتا تصعيد المغرب من لهجته تجاه إسرائيل نتيجة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، التي خلفت وراءها عدد ضحايا قارب عشرة آلاف من المدنيين، وانتقل المغرب من بلاغات الإدانة إلى دعوة المجتمع الدولي للتصدي لما يقترفه جيش الاحتلال بلغة صريحة، وتوجيه انتقادات صريحة لمجلس الأمن الدولي نظير عجزه عن إنهاء التصعيد، في الوقت الذي غادر فيه رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، ديفيد غوفرين إلى تل أبيب.
ما أشبه الأمس باليوم في علاقات المغرب بإسرائيل، إذ يُذكر بلاغ وزارة الشؤون الخارجية، أمس الخميس، بما حدث قبل 23 عاما، عندما أصدر المغرب، عبر وزارة خارجيته أيضا، بلاغا شديد اللهجة إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وأعلن وقت ذاك قطع العلاقات مع إسرائيل وإغلاق مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب، فهل يتجه المغرب هذه المرة إلى قطع علاقته بتل ابيب واغلاق مكتبه هناك والانسحاب من اتفاق "التطبيع أو استئناف العلاقات".
ورغم التطبيع، يرى متتبعون، أن العلاقات الدبلوماسية بين المغرب واسرائيل لم تصل بعد إلى مستوى تبادل السفراء، وذلك بالرغم من تعمق العلاقات بين الطرفين في مجموعة من المجالات منذ نهاية عام 2020، مثل الأمن والاقتصاد والدبلوماسية والثقافة.
وحول مآل العلاقات والاتفاق بين المغرب وإسرائيل، قال محمد طلحة أستاذ القانون العام، أن المغرب لم يتردد يوما في التنديد بالممارسات الإسرائيلية المستفزة، والسعي إلى مزيد من الاستيطان وقتل المواطنين الفلسطينيين العزل، مؤكدا أن الحرب بين اسرائيل وحماس، تمثل امتحانات مهما لمن لم يستوعب كيف يفكر المغربي الرسمي وتعاطيه مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وأوضح في حديثه ل"الأيام 24″ أنه منذ إعلان الاتفاق الثلاثي "الأمريكي المغربي الإسرائيلي"، اعتقد كثيرون أن المملكة المغربية قايضت القضية الفلسطينية بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو غير صحيح بالمرة، مشددا على أن الموقف المغربي واضح ثابت في هذه القضية، وهو تأييد حل الدولتين مع دعم الدولة الفلسطينة وعاصمتها القدس الشرقية".
وأشار إلى أن "الولاياتالمتحدةالأمريكية حاولت الضغط لدفع المملكة المغربية وبعض الدول العربية بالتنديد بما قامت به "حماس"، يوم السابع من أكتوبر، إلا أن المملكة المغربية رفضت قطعا ذلك، وهو ما يبين أن المغرب مستعد لإيقاف تنفيذ الاتفاق الثلاثي، إذا تطورت الأمور إلى تغيير للوضع الميداني، ومحاولة إسرائيل التوسع أكثر وتغيير الخريطة الحالية".
وتتقارب العديد من الأحداث بين ما جرى سنة 2000 وما يجري حاليا، فمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط ونظيره المغربي في تل أبيب كانا قد افتتحا سنة 1996 أي أنهما لم يستمرا سوى 4 سنوات، في حين المكتبان الحاليان كانا ثمرة الاتفاق الثلاثي المغربي الإسرائيلي الأميركي الموقع بالقصر الملكي بالرباط في دجنبر من سنة 2020، أي قبل حوالي 3 سنوات.
وبعد قرار الإغلاق آنذاك، أشار المغرب إلى أنه كان قد بادر لافتتاح المكتب "من أجل دعم عملية السلام واعتماد الحوار والتفاهم بدل لغة القوة والغطرسة للتوصل إلى السلام الشامل والعادل"، وجاء إغلاقه بعد مسيرات احتجاجية شعبية كبيرة شهدتها مدن المملكة للمطالبة بوقف التطبيع مع إسرائيل التي اتُهمت بارتكاب المجازر البشعة في حق الفلسطينيين.
وتتشابه لغة الخارجية المغربية في سنة 2000 بما جاء في بلاغ الوزارة نفسها، أمس، والتي قالت إن المملكة المغربية التي يرأس عاهلها الملك محمد السادس لجنة القدس، تجدد التعبير عن "قلقها البالغ استيائها العميق، في ظل استمرار الأعمال العسكرية المتصاعدة وتفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة".
وأورد البلاغ أنه بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من اندلاع المواجهات المسلحة، "لازال استهداف المدنيين مستمرا، مخلفا آلاف الضحايا من الأطفال والنساء، وعشرات الآلاف من الجرحى والمنكوبين والمفقودين وتواصل قصف دور العبادة والمستشفيات ومخيمات اللاجئين وآخرها مخيم جباليا، كما تزايد إطلاق الصواريخ والقذائف على المنشآت المدنية بشكل عشوائي، وأرغم أكثر من مليون شخص على النزوح، وحرمت الساكنة من الماء والكهرباء والوقود، مما ترتب عنه وضع إنساني كارثي".
وقالت الخارجية أن " المملكة المغربية تؤكد أن جميع هذه الأعمال التصعيدية الإسرائيلية تتنافى مع القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة، وتنذر بتمدد الصراع داخل الأراضي الفلسطينية واتساع رقعة العنف بشكل خطير ليشمل مناطق مجاورة، مهددا أمن واستقرار المنطقة بأسرها"، مضيفة "لا يسع المغرب إلا التعبير عن أسفه وخيبة أمله من تقاعس المجتمع الدولي وعدم تحمل مجلس الأمن لمسؤولياته، وعجز الدول المؤثرة، عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي".
وأورد البلاغ أنه "إذ تجدد المملكة المغربية، بقيادة الملك، موقفها الداعم للسلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها الوطنية، بقيادة الرئيس محمود عباس، فإنها تدعو إلى خفض التصعيد بما يؤدي إلى وقف لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لتيسير دخول المساعدات بشكل سريع ومستدام وبدون عوائق وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، مع وجوب إرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية ينعش حل الدولتين المتوافق عليه دوليا".