يوم بيوم لعبة الهولوكوست نور الدين مفتاح نشر في 2 نوفمبر 2023 الساعة 1 و 21 دقيقة إننا نتجه اليوم فعلا إلى حرب واسعة لا قدر الله. وإسرائيل المتعجرفة تعتقد أن أي وقف لإطلاق النار أو أي رد دفاعي متساو هو هزيمة مدوية ما دامت ك«أسطورة» في مخيالها لم يسبق لها في كل حروبها أن فقدت نفس العدد من الضحايا ولا انهزمت أمنيا وعسكريا كما جرى لها في «طوفان الأقصى». ولذلك فالرد يجب أن يكون تاريخيا و«لن تنساه الأجيال» كما قال نتنياهو. فما هو؟ لحد الآن، ورغم كل هذه المجزرة اليومية على الهواء مباشرة، ورغم أن ضحايا الفلسطينيين هم اليوم أضعاف أضعاف ضحايا إسرائيل، فإنهم لم يبدأوا بعد. إن دك غزة لن يكفيهم، ولذلك، ستدخل المنطقة ومعها العالم في مواجهة حضارية لا أحد سيتكهن بمصيرها المروع. نور الدين مفتاح [email protected]
تتوالى الأيام، وتستمر المجزرة في غزّة تحت تصفيق قادة الغرب، مع استثناءات لا أثر لها على الكارثة. وأكبر المتشددين في هذا الغرب بعد بايدن هي ألمانيا ثم فرنسا، بدعوى أن حماس حركت رماد الهولوكوست الذي ذهب ضحيته عشرات الآلاف من اليهود. ولكن الذي كتب هذا التاريخ الأليم هي أوروبا، هتلر وحكومة فيشي في فرنسا، فهل يكون دافعو ثمن تأنيب ضميركم هم أطفال غزّة الذين استشهد منهم لحد الآن أكثر من ألفي صبي وصبية ضمن أكثر من 6 آلاف مدني أعزل أحرقتهم طائرات القتل الصهيوني!
لقد هيأوا كل شيء ليتفرج العالم على واحدة من أكبر المجازر بألوان الدم الفاقعة. ادّعوا أن حماس قطعت في عملية 7 أكتوبر رؤوس أربعين طفلا، ونشروا هذا في كبريات صحفهم، بل وصل الأمر حدّ تصريح جو بادين بأنه رأى صور هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لبربرية كتائب القسام. ولما كان الاتهام جللا، فقد طالب العقلاء بالدليل، بالصور التي رآها رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولكن، وبعد أن أججوا الرأي العام، عادوا ليقولوا أن ليست هناك صور ولا قطع رؤوس ولا هم يحزنون.
وبعد الجريمة ضد الإنسانية التي قضى فيها أكثر من 500 فلسطيني بباحة مستشفى المعمداني، خرجوا ليقولوا إن الجهاد الإسلامي هو الذي قتل إخوانه، وبعد ساعات كان بايدن في تل أبيب يعبر عن تأثره لضحايا هذا الحادث لكن مع تبرئته لحكومة نتنياهو من أن يكون جيشه هو الذي ارتكب المجزرة.
واليوم، تراهم يكذبون يوميا في قنواتهم وجرائدهم، حتى أن أحد المعلقين في زعيمة التصفيق للمذبحة الإسرائيلية قناة CNEWS الفرنسية قال إنه في الحرب ليس هناك قانون، وأن الحديث عن القانون الإنساني مجرد كذبة! في هذه القناة اعتبروا أن الحل هو إبادة الفلسطينيين ولم لا حرب عالمية ثالثة (هكذا).
ورغم كل هذا الظلم الثقيل الذي يفجر الدمع من المآقي، وهذا الغضب البركاني، فإن العزاء نجده لدى بعض المنصفين، ولدى هذا التيار الإنساني العالمي الذي تحدى تكالب الغرب والصهيونية وخرج بالملايين في كل العواصم العالمية ليعلن أن الحيلة لم تنطل عليه، وأن القضية منذ البداية هي قضية مقاومة احتلال، وأن الوصول إلى درجة قطع الماء والكهرباء والوقود على شعب محاصر وتحت القصف هو أكبر من انتقام، بل هو همجية لا يمكن هضمها بمجرد ادعاء أن كتائب القسام هي التي بدأت بعملية إرهابية استهدفت المدنيين.
حتى عرب الاعتدال الذين كانوا يعولون عليهم ليسهلوا لهم عملية النكبة الثانية والذبح قبل التهجير لم يفعلوا ذلك، بل المفروض اليوم أن الدول التي طبعت مع إسرائيل يجب أن تتحلل من هذا التطبيع.
نحن في المغرب كنا قد طبعنا قبل اتفاقيات أبراهام وعلى عهد الحسن الثاني، ولكن الملك محمد السادس قطع حبل هذا التطبيع سنة 2000 مع أن ما تقترفه إسرائيل اليوم أقل مما اقترفته حين تم إغلاق مكتب اتصالهم بالرباط. وأما عن قضية الصحراء، فالمغرب وقواه الحية المعلومة هم الذين حرروا أرضهم وهم الضامنون لهذه الوحدة.
إننا نتجه اليوم فعلا إلى حرب واسعة لا قدر الله. وإسرائيل المتعجرفة تعتقد أن أي وقف لإطلاق النار أو أي رد دفاعي متساو هو هزيمة مدوية ما دامت ك«أسطورة» في مخيالها لم يسبق لها في كل حروبها أن فقدت نفس العدد من الضحايا ولا انهزمت أمنيا وعسكريا كما جرى لها في «طوفان الأقصى». ولذلك فالرد يجب أن يكون تاريخيا و«لن تنساه الأجيال» كما قال نتنياهو. فما هو؟ لحد الآن، ورغم كل هذه المجزرة اليومية على الهواء مباشرة، ورغم أن ضحايا الفلسطينيين هم اليوم أضعاف أضعاف ضحايا إسرائيل، فإنهم لم يبدأوا بعد. إن دك غزة لن يكفيهم، ولذلك، ستدخل المنطقة ومعها العالم في مواجهة حضارية لا أحد سيتكهن بمصيرها المروع.
والغريب أنه في الوقت الذي يتقاطر فيه زعماء الدول الغربية على تل أبيب، وتحرك فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية أسطولين كاملين بالشرق الأوسط، يحذرون فيه أصحاب القضية من التعامل مع إيران التي لا حق لها في امتلاك سلاح نووي، في الوقت الذي زودوا فيه إسرائيل بالسلاح النووي. مازالت سياسة فرق تسد حاضرة، يؤلبون الدول العربية ضد الخطر الفارسي الشيعي، والواقع أنهم أنفسهم الذين يقوون إيران. فالذي قوى إيران هو التدخل الأمريكي في العراق، واليوم ها هي إسرائيل بمغامراتها ستزيد من تقوية النفوذ الإقليمي لطهران، وستخسر في حرب غير محسوبة العواقب، لأن الأمر سيصبح قضية وجود وليس قضية حدود.
لقد كان الإعلامي الساخر باسم يوسف رائعا في دحضه للدعاية الغربية حول ما يجري في فلسطينالمحتلة، ووصلت حلقته مع المقدم البريطاني الشهير بيرس مورغان 18 مليون مشاهدة خلال أيام. فكسر وهم أن الأمر يتعلق بالقضاء على حماس، وافترض أن حماس انتهت وأننا نعيش في عالم بلا حماس، فماذا عن ضحايا الضفة الغربية من قتلى وجرحى؟ وماذا عن التهجير واقتحام المسجد الأقصى! والواقع أن حليف نتنياهو إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي المتطرف هو الذي كان مكلفا بخطة «الاستبدال العظيم» التي تبناها هتلر اتجاه اليهود، وشرعوا في تطبيقها على الفلسطينيين.
تقول ميشيل سيبوني، وهي يهودية فرنسية من أصل مغربي، وعضو الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام عن هذه الخطة: «العالم الغربي أعطى إسرائيل شيكا على بياض في لحظة حاسمة كان هدف الحكومة فيها هو أقل عدد من الفلسطينيين في أكبر مساحة من الأراضي التي ضمت من البحر إلى نهر الأردن. بمعنى إفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين وإعدادها للاستعمار».
هذه هي الحقيقة التي يقولها يهود وليس مسلمون أو مسيحيون، وهذا هو ما يجري اليوم انطلاقا من غزة، وكان قد بدأ من الضفة الغربية، وما «طوفان الأقصى» إلا ذريعة للتسريع. وبالتالي فليس كل اليهود صهاينة، رحم الله شمعون ليفي وأطال الله في عمر سيون أسيدون. وفي هذه القيامة، خرجت حركة «ناطوري كارطا» التي يعيش آلاف من أنصارها داخل إسرائيل نفسها، والمعروفة برفضها للصهيونية، ببيان يجب أن تخجل منه بعض الحكومات العربية. فقد قالت: «تسببت دولة إسرائيل وإيديولوجيتها الصهيونية في إراقة الدماء العربية واليهودية بلا هوادة. إن اندلاع الحرب هو مظهر آخر من مظاهر البذور الملطخة بالدماء التي تواصل الصهيونية زرعها يوميا. اليهود المناقضون للصهيونية يُحملون الحركة الصهيونية مرة أخرى المسؤولية عن الأحداث المأساوية الأخيرة التي طالت العرب واليهود.
على مدار 75 عاما، قامت دولة إسرائيل بقمع الشعب الفلسطيني وإرهابه، وقتلت الرجال والنساء والأطفال بلا رحمة، وسرقوا أراضيهم واستولوا على منازلهم... إن الحل الوحيد هو الاعتراف بالسبب الجذري والعمل على التفكيك السلمي والكامل لدولة إسرائيل، وإعادة الأرض إلى سكانها الأصليين وتمكينهم من جميع حقوقهم. عندها فقط يمكننا أن نتوقع استعادة السلام التاريخي الذي كان موجودا قبل الصهيونية».