سيناريوهات كثيرة أخذت تتناسل تباعا على ضوء البراكين النيرانية التي كانت عملية "طوفان الأقصى" شرارتها الأولى، وما استتبعها من "قصف حانق" للقوات الإسرائيلية، ودك لكل ما يشتم فيه رائحة "حركة حماس" ووصيفتها القسام؛ مصير القضية الفلسطينية ومآل مقاومتها المسلحة، والفصائل الفلسطينية عموماً، وخريطة الشرق أوسطية الجديدة... وبالنظر إلى الضربة الموجعة غير المسبوقة التي ألحقتها حماس بالقوات الإسرائيلية وسكان مستوطناتها، والتي راح ضحيتها المئات، بمن فيهم أطفال ومدنيون عزل، عدى المحتجزين من الرهائن ومن جنسيات مختلفة... أخذت الحكومة الإسرائيلية الطارئة على عاتقها مسؤولية الانتقام عنوانها "لا لغزة.. نعم لشرق أوسط جديد خال من المقاومة المسلحة"، وقد هيأت لهذا المسار تكوين "حكومة حرب" على رأس برنامجها "محو غزة/حماس" من الخريطة، وقد لاحظ العالم أجمع لا مبالاتها بكل القوانين والأعراف الدولية؛ فراحت، في قصفها الجهنمي، لا تميز بين مدنيين ومسلحين ولا بين الأخضر واليابس، ولا بين الأطفال والشيوخ، بل سمحت لها عقيدتها الانتقامية ضرب سيارات الإسعاف واقتلاع السبل أمامها، فضلاً عن قطع المياه والكهرباء والمواد الإغاثية من دخول قطاع غزة! شروط سكان المستوطنات غير خاف على أحد من المراقبين أن سكان المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في الحزام الأخضر من قطاع غزة، هم من تلقوا الضربة الموجعة الأولى على أيدي حماس والقسام، وهم الذين كانوا يشكلون العدد الأكبر من الرهائن الذين تحتفظ بهم الفصائل الفلسطينية، وبالنظر إلى فداحة الضحايا داخلها، أجمع سكانها، أو بالأحرى الناجون منهم، رغم التطمينات الأمنية المقدمة لهم، على عدم العودة إلى هذه المستوطنات إلا بشروط، على رأسها "ضمان تطهير غزة من رائحة المقاومة الفلسطينية". وبات على حكومة "الحرب" التي يتزعمها نتانياهو، ورضوخا منها للضغوطات الشعبية والانتقادات التي ما فتئت تعبر عن مواقفها بعدم الزج بأبناء إسرائيل في أتون حرب مجهولة المصير، ليس فحسب بأن تعيد السكينة والهدوء إلى قلوب هؤلاء المستوطنين اليهود، ولكن بمحو شبح حركة حماس من ذاكرتهم، وتطهير القطاع من مقاتلي الفصائل الفلسطينية، وهذا في حد ذاته أصبح يشكل عبئا ثقيلا على الحكومة، غير محسوم النتائج، بالرغم من وسائل الترويع والترهيب والتهجير والتجويع التي تسلكها القوات الإسرائيلية مع ساكنة غزة. دعم لا محدود في اتجاه تغيير الخريطة قبل أن تستفيق إسرائيل من هول الصدمة التي أصابتها غداة عملية "طوفان الأقصى"، وجدت العالم الحر كله بالكاد يقف إلى جانبها بكل وسائل الدعم واللوجستيك الممكنة، بدءا بحاملات الطائرات وانتهاء بالإمدادات العسكرية المتنوعة، فوجدتها حكومة "الحرب" فرصة سانحة لإعادة إحياء فكرة "تهجير فلسطين"، إما إلى صحراء سيناء، أو في اتجاه الأردن، أو تحويل القطاع إلى مجموعة كانتونات (Cantons) تابعة للضفة. فاجتياح القوات الإسرائيلية قطاع غزة يعني مزيدا من المجازر في صفوف الطرفين معا، وقد يتحول بالقوات الإسرائيلية إلى مستنقع دموي من الصعب جداً عليها تلافيه. ويبقى سؤال المراقبين مطروحا، في حالة ما إذا تجاوزت القوات البرية الإسرائيلية صمودها داخل القطاع، فهل ستتجه إلى جبهة جنوبلبنان في محاولة للتخلص من قواعد حزب الله هناك؟ وهل من السهل كسب مغامرتها أمام مقاتلي حزب الله الذين يمتلكون خبرة لا تضاهى في حرب العصابات واستعمال الأنفاق لمسافات داخل إسرائيل؟! قضية الرهائن أمام أرقام الضحايا المهولة في صفوف المدنيين والمسلحين الإسرائيليين حتى الآن "أكثر من 2000 قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى"، لم تعد إسرائيل تعير تلك الأهمية الخاصة لملف "الرهائن والقتلى المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية"، ولسان حالها يقول: أنا مستعد لاجتياح القطاع حتى ولو كلفني الدوس بجراراتي على أرواح الرهائن والقتلى؛ فالتخلص من الكابوس إلى غير رجعة أفضل لها من إجراء مفاوضات بشأن الرهائن وعدوها ما زال يحتفظ بمواقعه. ونخلص إلى القول بأن القضية الفلسطينية الآن باتت برمتها رهينة بمصير قطاع غزة، أو بالأحرى فصائل المقاومة الفلسطينية.