أصبحت القارة الافريقية محط أنظار العالم، في ظل توالي الانقلابات، وتزايد الرفض الشعبي لفرنسا وتتصاعد المشاعر المناهضة لها كمستعمر قديم، وسط تنامي لأصوات تدعو إلى إنهاء الوجود العسكري الفرنسي بصفة نهائية والقطع مع الفرنك الافريقي، العملة الرئيسية لعديد من الدول هناك، والذي يطبع في البنك المركزي الفرنسي ويرتبط باليورو. وفقد فرنسا نفوذها بشكل شبه كامل في القارة الإفريقية، بعد من غرب أفريقيا ووسط أفريقيا جاء بعد فشلها في العمليات الأمنية، وتنامي الرغبة الشعبية في إنهاء الوجود الفرنسي".
في هذا الحوار تستضيف "الأيام 24″، سعيد سيتر، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية كلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول سطات، للحديث عن تراجع النفوذ الفرنسي بإفريقيا وأسبابه ومستقبل المنطقة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها، وعلى رأسها الانقلابات العسكرية التي وقعت مؤخرا في أكثر من بلد.
فرنسا تعيش أزمة غير مسبوقة في علاقتها بالدول الأفريقية، خصوصا مع مجيء الرئيس إمانويل ماكرون إلى سدة الحكم وبروز تناقضات خطيرة على مستوى السياسية الخارجية الفرنسية مما يتعارض مع الرغبة الملحة لشعوب القارة السمراء في العيش في رخاء وسلام بعيدا عن الوصاية والمعاملة الاستعلائية الفرنسية، ومحاولاتها المستمرة في الهيمنة على مصادر الثروة في هذه البلدان الافريقية.
تزامن هذا الشعور مع حدثين بارزين أثرا بشكل كبير على العالم، وخاصة الشعوب الأفريقية، وهما جائحة كورونا والحرب الروسية الاكرانية، الأمر الذي تسبب معاناة معيشية لهذه الشعوب، جراء التضخم وندرة المواد الأساسية، هذا الواقع أعاد النقاش حول مسألة الديمقراطية والفساد والسيطرة على الثروة، من قبل طبقة حاكمة لا تستند على شرعية شعبية في افريقيا، وبدعم من القوى الاستعمارية و على رأسها فرنسا في إطار تحالفهم الذي يهدف إلى تخطيط سياسة بعيدة المدى لضمان استمرارية الهيمنة على الخيرات وترواث البلدان الافريقية، في مقابل استمرارية بعض الرؤساء في مناصبهم أو توريثها لأبنائهم- حالة الغابون التي حكمتها عائلة بونغو لمدة 54 سنة.
هل للشعوب الإفريقية دور في هذه الانتفاضة ضد الوجود الفرنسي، أم أن الجيش هو من يلعب ورقة الرفض الشعبي؟
هذا الوضع شكل انتفاضة قوية تجاه السياسة الخارجية الفرنسية بإفريقيا، بزعامة الرئيس إمانويل ماكرون، مما خلق وعي مجتمعي أفريقي ينضوي تحت لواء تيار فكري سياسي ذو توجه اجتماعي منادي باقتصاد مستقل غير تبعي، من خلال الدفع بتقوية رابطة التضامن والتعاون والتكامل بين الشعوب الأفريقية.
وهو تيار Panafricanisme الوحدة أو الأمة الأفريقية، على غرار الأمة الأوروبية اأو الأمة الغربية، فالأجيال الحالية، وخصوصا الشابة منها في أفريقيا، لا تريد تكرار تجربة "فرانس_ افريك) أي أن تتعامل فرنسا مع مستعماراتها السابقة و كأنها لم تبلغ سن الرشد بعد (الوصاية) وأنها قاصرة وغير قادرة على تدبير شؤونها الداخلية من سياسة واقتصاد واجتماع…الخ، بهدف إعادة تكرار التخلف جيل بعد جيل (نظرية المركز والمحيط) ومصادرة كل ما يمكن مصادرته من خيرات وموارد أولية لمصلحتها.
ما هي أسباب هذه "الصحوة الافريقية" -إن صح التعبير- ضد مستعمر قديم؟
هذا التوجه جاء نتيجة غياب الديمقراطية الداخلية و فشل النظام التمثيلي الشكلي والهيمنة الفساد والسيطرة على المقدرات والخيرات الوطنية، من قبل طبقة حاكمة في افريقيا مدعمة من طرف القوى الامبريالية، وعلى رأسهم فرنسا، بغية استمرار هيمنتها على الثروة في البلدان الأفريقية، هذه المقاربة للشأن الافريقي كان سبب وضع فرنسا في زنزانة الغضب الشعبي الافريقي ونتيجة للانقلابات العسكرية في كل من تشاد/ مالي/ غينيا سنة 2021 وانقلاب بوركينافاسو 2022 و انقلاب النيجروالغابون 2023 يمكن أن تحدت انقلابات أخرى.
كيف تفسرون غنى القارة السمراء بالموارد الطبيعية في مقابل استفحال البطالة والفقر؟
إن افريقيا قارة غنية بالثروات الطبيعية من المعادن النفيسة والنفظ والغاز والحديد والفوسفاط …الخ، لكن في المقابل نجد الفقر والبطالة والتنمية المعاقة الهجرة والإرهاب وتجارة المخدرات مما يؤشر على وجود خلل بنيوي على مستور التوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية والمجالية وحماية حقوق الإنسان والديمقراطية.
وهذا راجع للتدخل في الشأن الداخلي للدول الأفريقية، وخصوصا فرنسا التي جاء في تصدير إعلانها لحقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789 مايلي" يؤمن ممثلو الشعب الفرنسي المنتخبون في جمعية وطنية أن الجهل بحقوق الإنسان او نسيانها او ازدراءها اسباب وحيدة وراء المصائب العامة و فساد الحكومات"، هذا درس يجب إعادة تدريسه لبعض النخب الفرنسية وعلى رأسهم الرئيس امانويل ماكرون الذي فشل في الحفاظ على بريق فرنسا الحقوقي وتزايد المد اليمني المتطرف والعنصرية اتجاه المهاجرين و خاصة الأفارقة .