منذ اندلاع النزاع المفتعل حول الصحراء، ظل المغرب يجني ثمار شرعية موقفه التاريخية النابعة من علاقات البيعة بين ساكنة الأقاليم الجنوبية وسلاطين الدولة العلوية. موقف عززته حالة الحسم الميداني التي حققها على المستويين الأمني والعسكري، عبر تأمينه لكافة ترابه الإقليمي، وهو ما تكرس من خلال المنجز السياسي والتنموي الذي حققه عبر إدماج ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة في مختلف المستويات المؤسساتية والخدمية، فضلا عن إشراكها في العملية السياسية وتعزيز واقع حقوق الإنسان. بخلاف خصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية الذين راهنوا على توظيف قضية الصحراء ضمن أجندات الحرب الباردة، كما راهنوا على تبني الطروحات الإيديولوجية الراديكالية والمتطرفة، وعلى توظيف الملفات الأمنية وتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة. فراكموا بعض الدعم من لدن أطراف في دول المعسكر الشرقي، لكن سرعان ما عدلت الكثير من الدول عن الانخراط في المعسكر الإنفصالي بسبب تغير أنظمتها أو تبنيها لمواقف براغماتية إزاء قضية الصحراء المغربية.
في هذا الصدد، قال محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إن "المنجز السياسي، التنموي والعسكري، هو الذي فرض على مختلف المتدخلين الدوليين التعاطي مع واقع السيادة المغربية المحسومة في الصحراء، خاصة مع بروز الأدوار الهامة التي بات يضطلع بها المغرب في محيطه الإقليمي وجواره الأوروبي فضلا عن عمقه الإفريقي منذ قطع مع سياسة الكرسي الشاغر وعاد بقوة لحضن المنظمة القارية الإفريقية، عقب تلك الزيارات التاريخية التي خاضها عاهل البلاد محمد السادس إلى مجموعة من عواصم القارة الإفريقية في منتصف العقد الماضي، والتي أسست لشراكات استراتيجية مع عديد الدول، شملت تقديم منح مالية، والتأسيس لمشاريع كبرى من حجم مصانع الأسمدة ومشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري، إلى جانب زيادة استثمارات المملكة في القارة الإفريقية في قطاعات هامة وحساسة من قبيل الإتصالات، البناء، البنوك، التأمينات وخدمات الطيران".
وأضاف عبد الفتاح في حديث ل"الأيام24″أن "المملكة تعكف اليوم على التأسيس لشراكة استراتيجية تجمع البلدان الإفريقية الأطلسية، كما تنفتح المملكة على دول كانت محسوبة على المعسكر الداعم للإنفصال خاصة في شرق القارة الإفريقية وجنوبها"، مشيرا أن هذا الأمر "انعكس على مواقف تلك الدول، فباتت تغير مواقفها التقليدية المعادية للمغرب وتتبنى مواقف براغماتية، حيث كان آخر هذه الدول أنغولا التي عبرت عن موقف متوازن إزاء قضية الصحراء".
وأوضح المتحدث أن هذا السياق "عزز أهمية الأقاليم الجنوبية ضمن توجه المملكة للإنفتاح على عمقها القاري، بالنظر للأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها تلك الأقاليم، والمقدرات الهامة التي تتمع بها، كونها تنفتح على الحدود مع موريتانيا والقرب من جزر الخالدات الإسبانية، والساحل الأطلسي الغني بالثروات السمكية والمعدنية، وهو ما عززته المشاريع الضخمة المضمنة في النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة، الذي أعطى انطلاقته عاهل البلاد محمد السادس سنة 2015، والذي تضمن مشاريع كبرى من حجم الطريق السريع تيزنيتالداخلة، محطات تحلية المياه، ميناء الداخلة الأطلسي، فضلا عن مشاريع استصلاح الأراضي الفلاحية وتثمين المنتجات البحرية".
وأشار رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن الواقع الحالي "كرس حالة الحسم الميداني التي يحققها المغرب في أقاليمه الجنوبية، الذي ظهر جليا من خلال عملية تأمين معبر الكركرات التاريخية في 13 نوفمبر 2020، حيث انكشف زيف الدعاية الحربية لخصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية، في سياق ترهل الجبهة الداخلية للمشروع الانفصالي، وتدهور الأوضاع الأمنية في مخيمات تيندوف، فضلا عن افتضاح رعاية البوليساريو لعصابات الجريمة المنظمة وارتباطها بالجماعات المتطرفة المنتشرة في بلدان الساحل".
ولفت عبد الفتاح أن "المغرب يتعاطى إيجابا مع الشرعية الدولية ممثلة في قرارات مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، التي باتت تتبنى مقاربة عقلانية واقعية تشيد بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي وتصفها بالجدية والمصداقية وبذات الأولوية، كما يتم تجاوز كافة الطروحات الراديكالية الإنفصالية التي باتت متجاوزة في السياق الدولي. كما تحافظ المملكة على خطاب دبلوماسي رزين إزاء جارتها الشرقية الجزائر، رغم المواقف المتعنتة للأخيرة إزاء المغرب".
"ومع توتر الأوضاع في جنوب شرق الجزائر، وانتشار بؤر التوتر في بلدان الساحل"، أوضح المتحدث مردفا بالقول: "تبرز المملكة المغربية كدولة تتمتع بمناخ الأمن والإستقرار قياسا لجوار إقليمي متأزم، ما يؤهل الرباط للعب الأدوار الهامة في الساحة الإقليمية والدولية، الأمر الذي يدفع بمختلف المتدخلين الدوليين إلى خطب ود المغرب والتعاطي الإيجابي مع واقع السيادة المغربية على الصحراء، في حين تتخلى دول كانت تنخرط في المشروع الإنفصالي عن مواقفها التقليدية المناوئة للمغرب، وتتبنى مواقف براغماتية مؤيدة للشرعية الدولية".
وشدد عبد الفتاح على أهمية "المقاربة الدبلوماسية الملكية المضمنة في خطابات عاهل البلاد، التي تضع قضية الصحراء في صلب العقيدة الدبلوماسية للمملكة وفي محور سياستها الخارجية، كما تفرض على كافة شركاء المغرب التجاريين والإقتصاديين إبداء مواقف صريحة داعمة لسيادته على الصحراء، والتي كان لها دور حاسم في خروج عديد القوى الدولية الوازنة من مواقفها المترددة وإبدائها لمواقف سياسية مؤيدة للمملكة".
واعتبر عبد الفتاح أن "عامل الزمن في صالح المغرب، حيث كرس حالة الحسم التي يحققها المغرب في الصحراء، ما فرض على المجتمع الدولي التعاطي الإيجابي مع واقع السيادة المغربية على الصحراء، فبات ملف النزاع يتأطر من منظور الشرعية الدولية ضمن مبدأ إحترام سيادة الدول والحفاظ على وحدتها الترابية".
وتابع: "كما بات ينظر إليه كنزاع إقليمي بين المغرب والجزائر التي تخاطب كطرف رئيسي من لدن مجلس الأمن، في حين تم تجاوز دور المشروع الإنفصالي ضمن لعبة الحرب بالوكالة التي تشن ضد المغرب".