عندما صادقت الحكومة المغربية على مشروع القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة بتاريخ 8 يونيو، خطت بذلك خطوة في اتجاه اعتماد المقاربات الحديثة للسياسة الجنائية عموما والسياسة العقابية على وجه التحديد، لكونها تشكل هاجسا لمختلف العاملين في الميدانين الأمني والقضائي في ظل عدم تحقيق العقوبات التقليدية المعمول به الغايات المرجوة منها.
وإذا كان الناطق الرسمي قد وصف مصادقة المجلس الحكومي على مشروع القانون بالشجاع والجريء الذي يروم تخفيض عدد الساكنة السجنية والسماح بإعادة إدماج بعض المحكومين على خلفية ارتكاب جنح بسيطة داخل المجتمع، فإن إيجاد الصيغ الملائمة لتطبيقه على أرض الواقع تظل أكبر تحد للجهاز الحكومي في انتظار الإعلان عن النصوص التنظيمية لهذا القانون. لكن جرأة الجهاز التنفيذي لم تصل حد مراجعة السياسة الجنائية ككل في إطار فلسفة جديدة تراعي مجموعة من العوامل والتحولات والرهانات.
شهد مفهوم الجزاء في القوانين الوضعية الحديثة تطورا كبيرا، إذ لم يعد يقتصر دور العقوبة على مفهوم الجزاء بوصفه عقابا يستهدف الانتقام من المحكوم عليه، بل أصبحت العقوبة تلعب دورا أساسيا في الموازنة بين مصلحة المجتمع وحماية المحكوم عليه، فالتوجه الحديث للعلم الجنائي يغلب عليه الطابع الشخصي للعقوبة على الأغراض الأخرى بتقديمها كوسيلة للعلاج، فأصبحت القوانين الجنائية بالتالي توسع من هامش السلطة الممنوحة للقاضي الجنائي.
وتعرف المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي العقوبة البديلة بكونها مجموعة من الإجراءات التي يتخذها المجتمع لمعاقبة المخالفين لقوانينه بهدف إصلاحهم وتطبيق العقوبة عليهم دون تنفيذها داخل أماكن تجعلهم في عزلة عن المجتمع.
وإذا كانت الحكومة الحالية تسوق من خلال وزيرها في العدل لهذا المشروع باعتباره إنجازا فإن لمستها لا تتعدى بعض التعديلات الطفيفة التي أدخلتها عليه، إذ أن العقوبات كانت واردة ضمن مشروع القانون الجنائي الذي أعدته حكومة العدالة والتنمية قبل سنوات تجاوبا مع دعوة الملك الذي سبق له أن حث في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب سنة 2009، على تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح والأخذ بالعقوبات البديلة.
العقوبات البديلة تعد فرصة يمكن أن يقدمها القاضي في إطار سلطته التقديرية من خلال تفعيل هذه العقوبات (المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية)، في إطار مسطرة قضائية يجب اتباعها إلى حين استكمال كل مسارات التقاضي وفق فلسفة تهدف إلى الحفاظ على التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع.
ويأتي مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة والحد من آثارها السلبية وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، قصد المساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وترشيد النفقات المرهقة للميزانية العمومية.
وفي انتظار الإفصاح عن النصوص التنظيمية فإن العقوبات البديلة لن تطبق إلا على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها 5 سنوات، وتستثنى منها بالتالي كل القضايا المتعلقة بالإرهاب والاتجار الدولي في المخدرات والمؤثرات العقلية والاتجار في البشر والاغتصاب وأمن الدولة والاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ وتبديد الأموال العمومية وغسيل الأموال والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
الحبس موقوف التنفيذ
ومع دخول العقوبات حيز التنفيذ قد تظهر بعض المعيقات التي تتطلب إعادة النظر في مجموعة من النصوص القانونية لتفادي الارتباك الذي يمكن أن يحدث بسبب تداخلها وتشابكها، فالقاضي سيكون أمام ثلاثة أنواع من العقوبات: العقوبات الحبسية والعقوبات الحبسية موقوفة التنفيذ والعقوبات البديلة، مما يمكن أن يطرح بعض الإشكالات في المستقبل، حيث كان الأجدر أن تحذف العقوبات الموقوفة التنفيذ في هذه الحالة إذ سيكون الأمر سورياليا إذا اجتمعت عقوبة الحبس موقوفة التنفيذ مع العقوبة البديلة.
الاجتهاد القضائي
يطرح قانون العقوبات البديلة مجموعة من الأسئلة المتعلقة بنوعيتها وطرق تطبيقها والصعوبات التي قد تعترضها ومدى ملاءمتها لخصوصيات المجتمع المغربي، وهي كلها أسئلة مشروعة لم يجب عنها المُشَرِّع في الوقت الراهن في انتظار صدور النصوص التنظيمية لاحقا.
ومن خلال ما توصلت إليه الأيام فإن الأمر سيكون موكولا لاجتهاد القضاة بالدرجة الأولى من اختيار العقوبات البديلة المناسبة وتكييفها مع خصوصية كل حالة، مثل نوع الخدمة العمومية من جنس العمل لتحقيق الهدف المتوخى من العقوبة أو توافقها مع مهنة المحكوم عليه أو حرفته، كما يمكن أن يكون مكملا لنشاطه المهني أو الحرفي المعتاد.
ومن المنتظر أن تتولى التنفيذ إدارة السجون بإشراف القضاة المكلفين بتنفيذ العقوبات علما بأن مجموعة من قضاة المملكة سبق لهم أن زاروا الدانمارك، في إطار الاتفاقيات المبرمة مع هذا البلد، للاطلاع على تجربة البلد بهذا الخصوص والخضوع لتدريب يجعلهم مؤهلين لتطبيقه محليا بعد اعتماده رسميا.
ولكي نضرب مثالا على أهمية العقوبات البديلة خصوصا السوار الإلكتروني، فإن هذه الآلية ستكون فعالة في محاربة شغب الملاعب، إذ سيمكن هذا الأخير من منع الشباب الجانحين والمشاغبين على حد سواء من الاقتراب من محيط الملاعب في زمان ومكان معينين.
وكأي قانون جديد فإن دخوله حيز التطبيق سيخضعه للتجربة والتمحيص على أساس إظهار الجوانب الإيجابية وكذا مكامن الخلل من أجل إصلاحها وتدارك ما أفرزته من هفوات، فضلا عن الحاجة إلى هامش زمني من أجل تعود المواطنين عليه تماما كما كان عليه الأمر بخصوص قوانين سابقة مثل فرض غرامة على عدم الالتزام بحزام السلامة قبل أن يصبح مع مرور الوقت من الحركات الروتينية التلقائية للسائقين والركاب.
أنواع العقوبات البديلة
ينص مشروع القانون على ثلاثة أنواع من العقوبات البديلة هي العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية وتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
وفي ما يتعلق بالجهات المخول لها تنفيذ هذا القانون فإن إدارة السجون هي التي ستقوم بتطبيق ومراقبة تنفيذ هذه العقوبات البديلة مع استمرار مراقبة القاضي الذي ينفذ العقوبة بالإضافة إلى النيابة العامة.
وحسب ما جاء في مشروع القانون، تختص الإدارة المكلفة بالسجون سواء على المستوى المحلي أو المركزي، أو من تفوض له بذلك، بتتبع تنفيذ العقوبات البديلة بعد أن تكون الجهات المختصة قد وضعت رهن إشارتها الوسائل اللازمة للقيام بذلك.
ويتعين أن يكون المحكوم عليه بالغا 15 سنة على الأقل وقت ارتكاب الجنحة في حين يمكن للعقوبات البديلة أن تكون عملا لأجل المنفعة العامة حيث حددتها المادة 6 في مدة تتراوح بين 40 و600 ساعة لفائدة مصالح الدولة ومؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والمؤسسات العمومية والخيرية ودور العبادة والجمعيات والمنظمات غير الحكومة العاملة لفائدة الصالح العام، مع ترك تحديد تفاصيلها للقاضي في إطار تفويض السلطة التقديرية له حسب كل حالة.
عقوبة بديلة أخرى تتجلى في المراقبة الإلكترونية باعتماد عدد من الوسائل المعتمدة في هذا المجال المعمول بها في مجموعة من الدول التي قطعت أشواطا في هذا الجانب، وتهدف إلى إلزام المحكوم عليه بالإقامة في مكان معين أو بعدم مغادرته في أوقات معينة، أو منعه من ارتياد أماكن معينة أو عدم ارتيادها في أوقات معينة، ويعتبر منع المشاغبين من ولوج الملاعب أو الاقتراب منها أبرز مثال في هذا الحال إذ يمكن أن يكون حلا ناجحا للحد من الأحداث الدامية التي يعيشها محيط الملاعب خلال أوقات المباريات.
نوع آخر من العقوبات يتجلى في فرض رقابة تفرض على المحكوم الحضور في مواعيد محددة للمؤسسات السجنية أو مقر الشرطة أو الدرك الملكي أو مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحاكم كما هو معمول به في عدد من الدول.
واعتبارا لكون الإجراءات المتضمنة في القانون لا تكتسي صبغة قانونية فإن الأسلم في هذه الحالة هو وسمها بصفة بدائل العقوبات، إذ يمنح القانون القاضي السلطة التقديرية بإخضاع المحكومين للعلاج النفسي أو ضد الإدمان في إطار فرض رقابة علاجية وتأهيلية يكون الغرض منها مساعدته على تجاوز أزمته الصحية والنفسية وتسهيل عودته واندماجه في المجتمع.
وفي السياق ذاته يفرض عليهم الخضوع لتأهيل مهني أو متابعة الدراسة مثلا، أو ممارسة نشاط مهني معين فضلا عن تعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة في إطار صون حقوق المتضرر منها.
مزايا العقوبات البديلة
يعد الحد من الجريمة وبسط الأمن والاستقرار داخل المجتمع الهدف الأسمى للتشريعات الجنائية، ومن هذا المنطلق يمكن بسط الفوائد والمزايا المرجوة من تطبيق العقوبات البديلة أو بدائل العقوبات على ثلاثة مستويات أساسية.
يكتسي المستوى الأول طابعا اجتماعيا يروم تفادي تجريد المحكوم عليه من هويته الاجتماعية، خصوصا فئة الجانحين الذي يمكن أن يساهم السجن في انتقالهم إلى مرحلة احتراف الجريمة بسبب احتكاكهم مع دائرة المجرمين وكذا تفادي الإضرار بأسرة المحكوم عليه، خاصة إذا كان معيلها الوحيد وتفادي الأضرار النفسية للمحكوم عليه بسبب الوصم الاجتماعي الذي يعدم هوية الفرد ويرفع نسبة حقده على المجتمع.
أما المستوى الثاني فهو عقابي وتأهيلي يكمن في الحد من أزمة السجون خصوصا في حالة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وكذا إتاحة الفرصة لإصلاح المذنب بعيدا عن أروقة السجون ومنحه الفرصة للتكفير عن خطاياه، فضلا عن الحد من نسبة العود للجريمة وتنمية الشعور بالمسؤولية والمساعدة على الاندماج في سبيل تحقيق سياسة عقابية متلائمة مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وعلى المستوى الاقتصادي، تبرز أهمية العقوبات البديلة في تخفيف الضغط على خزينة الدولة وكلفة تسيير السجون وأعبائها المادية، كما تشكل فرصة لتحقيق المنفعة العامة من خلال توفير اليد العاملة ومنح المذنب فرصة لاكتساب خبرات جديدة تساعده على الاندماج في سوق الشغل.
العقاب البديل في الفقه الإسلامي
يعتبر فقهاء الشريعة الإسلامية أن مفهوم العقوبات البديلة واضح الحكم في الفقه الإسلامي فهو ليس بمصطلح جديد ولا بديل أو عوض، لذلك تأخذ بدائل العقوبة حكم التعزير تحقيقا للمقاصد الفقهية. فالتعزير مصطلح واسع يندرج تحته الكثير من حيث مفهوم العقوبة ويرجع الى تقدير الحاكم من خلال سلطته دون أن يكون أساسه نصا شرعيا يحدد ماهية وطبيعة العقوبة فيه.
ويخلص بذلك الفقهاء على أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة متكاملة سباقة في التشريع وتحقيق المصالح وفقا لضوابط محددة وليست مطلقة، ولو في غياب نص شرعي يحدد مقدار أو نوع العقوبة في التعزير كونها من مسؤولية أولي الأمر يقدرها من خلال ما يراه تحقيقا للمصلحة ودرءا للمفسدة.
وضعية النظم الإصلاحية عربيا
ورغم ما حققته الدول العربية بما فيها المغرب في مجال الإدماج وإدراج العقوبات البديلة في السياسات الجنائية إلا أنها تبقى متواضعة وغير مواكبة لتطور النهج العقابي والإصلاحي الدولي، وذلك يرجع بالأساس إلى غلبة الطابع الأمني في أغلب القوانين المعمول بها في هذه الدول وكذا عدم تطبيق المفاهيم الحقوقية في التعامل مع السجناء، فضلا عن عدم إرساء المقاربة الإصلاحية ومحدودية التدابير الرامية إلى أنسنة ظروف الاحتجاز وإعادة تأهيل المحتجزين.
ومن الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تؤدي هذه الوضعية مباشرة إلى ارتفاع نسبة حالات العود وبالتالي تعاظم مشكلة الاكتظاظ التي تعانيها أغلب السجون بالدول العربية لذلك تكتسي الدعوة إلى اتخاذ خطوة في هذا الجانب طابعا استعجاليا بداية من العمل على إرساء ثقافة العقوبات البديلة حتى يتقبلها المجتمع والسجين معا.
فيتو وزاري على الغرامة المالية
إذا كان قانون العقوبات البديلة قد أخذ حيزا واسعا من النقاش العمومي في الآونة الأخيرة وخصوصا بعض مقتضياته، فقد يكون من باب التذكير أن الموضوع ليس جديدا ولا من بنات أفكار وزير العدل الحالي عبداللطيف وهبي. فالقوانين كانت متضمنة في ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي أشرف عليه المصطفى الرميد حينما كان وزيرا للعدل بمشاركة 40 شخصية، وزكاه الملك في خطاب العرش سنة 2013، ويضم مجموعة من التوصيات بهذا الخصوص، والأكثر من ذلك أن مشروع القانون الجنائي 10.16 الذي سحبه عبداللطيف وهبي يتضمن هذه العقوبات البديلة بتفاصيلها الحالية بما فيها الغرامة المالية قبل أن يجري عليه الأخير بعض التعديلات ويعيد تقديمه من جديد.
من التعديلات التي أجراها وهبي يمكن أن نذكر على سبيل المثال، رفع مدة العقوبة السالبة للحرية المعنية بالعقوبات البديلة من سنتين إلى خمس سنوات، ويتعلق الأمر بالعمل لأجل المنفعة العامة وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية والغرامة اليومية. واحتفظ وهبي بجميع العقوبات البديلة المتضمنة في القانون الجنائي المعد سنة 2015 لكن عقوبة الغرامة المالية التي أثارت جدلا مجتمعيا لقيت اعتراضا من قبل بعض الوزراء أبرزهم وزير الداخلية فتدخل حينها أخنوش لتشكيل لجنة تولى رئاستها بنفسه، فأدخلت بعض التعديلات أهمها سحب الغرامة المالية والإبقاء على العقوبات البديلة الثلاث ويتعلق الأمر بالسوار الإلكتروني والعمل لأجل المنفعة العامة وتقييد بعض الحقوق.
ومن الطبيعي أن يشهد القانون بعض التعديلات اعتبارا لكون المدة الزمنية الفاصلة بين 2015 واليوم تشكل هامشا من أجل الاجتهاد والتطوير ومراعاة التحولات في جميع المجالات، أخذا بعين الاعتبار تجارب مجموعة من الدول الأخرى التي تطبق العقوبات البديلة منذ سنوات.
معيقات التأهيل وإعادة الإدماج في المؤسسات السجنية
شهد عدد نزلاء المؤسسات السجنية انخفاضا ما بين سنتي 2019 و2020، حسب إحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون، بسبب الظرفية المتمثلة في جائحة كورونا وما صاحبها من تجميد لأنشطة المحاكم وتدابير العفو الاستثنائية وإن كان ذلك لم يحد من ارتفاع نسبة السجناء بين 2018 و2022 بنسبة 16% حيث انتقل العدد من أزيد من 83 ألفا إلى ما يفوق 97 ألفا.
ويبلغ عدد السجناء المحكمين بمدة تقل عن سنتين أزيد من 40 في المائة حسب المعطيات الرسمية التي كشفتها وزارة العدل، إذ أن العقوبات الصادرة بسنتين وأقل شكلت نسبة 44.97% حسب الإحصائيات المسجلة سنة 2020، وهو ما يؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة العقابية في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد تكلفة الإيواء.
ومن المعطيات الدالة في تقرير المندوبية العامة لإدارة السجون لسنة 2022 أن نسبة المعتقلين الاحتياطيين تبلغ 41% من نسبة المسجونين فيما بلغت نسبة الوافدين الاحتياطيين على سجون المملكة في السنة ذاتها 95% مقابل 5% فقط للوافدين في حالة سراح من أجل تنفيذ الأحكام أو مقررات بشأن الإكراه البدني. وتأتي العقوبات قصيرة المدة، أي سنتين فأقل، على رأس قائمة العقوبات المحكوم بها على المعتقلين المدانين وذلك بنسبة تقارب 50%.
تجديد البنيات التحتية كان من الأولويات التي سهرت عليها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من خلال من إحداث 20 مؤسسة جديدة وإغلاق 19 مؤسسة قديمة. في مبادرة مكنت، وفق المعطيات الرسمية، من تحسين الطاقة الإجمالية للإيواء لتبلغ أزيد من 169 ألف متر مربع سنة 2020 مقابل 120 متر مربع سنة 2013 أي بزيادة 40% وبذلك انتقلت المساحة المخصصة لكل سجين من 167 م2 إلى 200 م2 والمتوقع أن ينعكس ذلك إيجابا على المعايير الأخرى من تهوية وإنارة ومرافق.
أهمية المعطيات الواردة في الفقرتين السالفتين تكمن في كونهما يكشفان عن معضلتين تعتبران المعيق الأساسي لتأهيل السجناء وإعادة إدماجهم ويتعلق الأمر بالنسبة العالية للاعتقال الاحتياطي والاكتظاظ داخل السجون.
لذلك كان من الطبيعي أن يوصي مركز دراسات حقوق الإنسان والديموقراطية في تقريره عن وضعية السجون في المغرب الصادر سنة 2021 بضرورة «تجنب هذا النوع من العقوبات القصيرة والقصيرة جدا قدر الإمكان، فبمجرد أن تتجاوز عقوبة السجن بضعة أسابيع يصبح من الوارد جدا فقدان الشغل والسكن والخدمات الاجتماعية وتعريض الأسر ومحيطها لأوضاع صعبة أو التفكك، فالعقوبات القصيرة تربك العلاقة مع المجتمع ولا تسمح ببدء أي عمل مع السجين أثناء مدة اعتقاله. علاوة على ذلك فإنها تحتم في الغالب مغادرة السجين للسجن بدون تحضير ولا مواكبة، وهو توجه وفق المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لا يشجع على إعادة تأهيل المعتقلين تحسبا لإعادة إدماجهم في المجتمع».