يوم بيوم العيد الحزين نور الدين مفتاح نشر في 1 يوليو 2023 الساعة 14 و 05 دقيقة كل شيء كان جاهزا لاتخاذ القرار الصائب، ولكننا أخطأنا الهدف مرّة أخرى. أتحدث عن العيد الذي يعظمه المغاربة اجتماعيا ويصفونه بالكبير، إنه كبير في هذا المغرب الأقصى كطقس اجتماعي وليس كشعيرة تذكرنا بالتضحية التي اختبر بها الله نبيه إبراهيم الخليل وهو يطلب منه أن يذبح ولده إسماعيل، فكانت هذه الآيات البهيات التي تنفذ إلى صدور المؤمنين الصادقين: «فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم» صدق الله العظيم. نور الدين مفتاح [email protected]
كل شيء كان جاهزا لاتخاذ القرار الصائب، ولكننا أخطأنا الهدف مرّة أخرى. أتحدث عن العيد الذي يعظمه المغاربة اجتماعيا ويصفونه بالكبير، إنه كبير في هذا المغرب الأقصى كطقس اجتماعي وليس كشعيرة تذكرنا بالتضحية التي اختبر بها الله نبيه إبراهيم الخليل وهو يطلب منه أن يذبح ولده إسماعيل، فكانت هذه الآيات البهيات التي تنفذ إلى صدور المؤمنين الصادقين: «فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم» صدق الله العظيم.
كل شيء كان يدعو لأن يتم إلغاء عيد هذه السنة، ودواعي ذلك معروفة وبديهية وسهلة التبرير، فعيد الأضحى ليس فرض عين، ولكنه كفاية، حيث يكفي أن ينحر أمير المؤمنين الكبشين الأقرنين والأملحين تأسيا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يكون قد ناب عن الشعب برمته. زد على ذلك أن الأغلبية الساحقة من المغاربة جد متضررة وتئن، وزد كذلك أننا نعيش هذه السنة جفافا لم نعرف مثل قساوته منذ 40 سنة، والقطيع هزيل وغير كاف، والتضخم يخيّم على الحياة العامة، والغلاء افترس القدرة الشرائية للناس، ويمكن ألا ننتهي من هذه التبريرات التي أصبح يرددها الشارع ويدعو، لأول مرة، أن ينزل الفرج بقرار الإلغاء حتى يرتاح الفقراء من هذا الإحراج العظيم.
وقد تقول الحكومة إن الناس أحرار، وهم غير مجبرين على التكليف على أنفسهم، وليس هناك قرار رسمي بإجبار الأسر على شراء الأضحية، إلا أن الواقع معروف، وعدم شراء الأضحية في الأحياء الشعبية يكون صنوا للعار، وهذه بلاد ما يزال فيها نصف سكان المملكة يعانون من الأمية، وما تزال فيها أحواز المدن ممنطقة بأحياء ضخمة مكتظة في بحر من الهشاشة. ولهذا، وبدل أن تكون هناك فرحة بالعيد هذه السنة على الخصوص، سنكون قد عشنا مأساة اجتماعية لن يمحو آثارها لا بولفاف ولا المبخر ولا المحمر!
إن المفدلكين الاقتصادويين يتحدثون عن آثار إلغاء عيد الأضحى الكارثية على اقتصاد العالم القروي، وخصوصا على الكسابة الذين يعتبر أغلبهم في عداد المفلسين، وإذا ما ألغي العيد فإنها ستكون نهايتهم! وهذه الحجج قد تكون وجيهة، ولكن التقدير الحكومي يجب أن يزن بميزان دقيق، فبدل أن نفكر في مشكلة جهة اقتصادية ونرجحها كان لابد أن نرجح كفة ما يناهز الخمسة وعشرين مليون نسمة من المغاربة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، حسب ما تبين من إحصائيات الحجر الصحي خلال الجائحة.
لقد اضطرت الحكومة لاستيراد العجول من البرازيل، واستعانت بإسبانيا لتوفير ما يكفي من الأكباش في أسواق العيد، وهذا يتطلب تكاليف وتدابير كان الأولى أن يتم التفكير في توجيهها كدعم للكسابة، وحمايتهم من آثار إلغاء العيد، وبالمقابل يتم تحرير ملايين المغاربة من هذه العقوبة الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة والقاسية. وليعلم السيد رئيس الحكومة والسيدة وزيرة الاقتصاد والمالية والسيد وزير الفلاحة أن المغرب سبق أن ألغى هذه الشعيرة في مناسبتين، سنة 1963 بسبب حرب الرمال التي نشبت بين بلادنا والجزائر وظلت تبعاتها تخيم على علاقاتنا إلى اليوم، وسنة 1981 بسبب الجفاف القاسي الذي ضرب البلاد.
أليس غريبا أن تكون هذه الشعيرة الدينية قد ألغيت بسبب الجفاف فقط سنة 1981 ولا تلغى اليوم وقد تعانق الجفاف القاسي مع الغلاء والتضخم وآثار جائحة كورونا والحرب الروسية والأوكرانية؟ شيء ما بالفعل ليس على ما يرام.
والقضية الأعوص في هذه الآفة المرتبطة بعيد كان يجب أن يكون مبعثا للبهجة، هو أن لا أحد يتواصل بشكل جدي ومقنع وواضح مع المغاربة، اللهم إلا ما كان من لغة الخشب لدى بعض الوزراء غير المقنعين لأنفسهم قبل أن يكونوا مقنعين للمغاربة. هل فسرت الحكومة للمغاربة لماذا تقرر الاحتفال بالعيد في هذه الظروف والأغلبية من المواطنين كانوا متلهفين لقرار إلغائه؟ من نبس ببنت شفة حول هذا الموضوع بكل وضوح؟ وبصراحة، في رحبة الأغنام أو خارجها، تبقى مصيبة هذا الجهاز التنفيذي هي التواصل مع المغاربة بلغة يفهمونها. هناك أغلبية برلمانية مهيمنة تغذي غرور المستوزرين الجدد، ولكن هذه الأغلبية تبدو واحدة من أضعف الأغلبيات في التاريخ القريب، وإذا تفحصنا النخب، في غالبيتها، التي تسير الشأن العام المحلي والجهوي سنجدها غارقة في البحث عن المنافع والهمزات، اللهم من رحم ربك.
الليبرالية طيبة، وهي اختبار مجتمعي محترم، بل إن الرأسمال محترم كمستثمر وخالق لمناصب الشغل، ولكن الذي يجري عندنا اليوم أننا نجد أنفسنا أمام نوع من «اللهطة» ومن الرأسمال المتوحش ومن طبقة من الأغنياء الجدد ومن المستثمرين في قطاعات الربح السريع. ومن العجائب أن يتفرج الناس اليوم على وزير أصبح مستثمرا في رمشة عين واقترض الملايير من أبناك مملوكة للدولة في مشروع تحوم حوله شبهة استغلال النفوذ.
مثل هؤلاء الذين اتخذوا السياسة مطية إما للاغتناء أو للحفاظ على مصالحهم الريعية، لا يمكن أن تهمهم أمي فاطنة أو السعدية الأرملة التي ستضطر لبيع بعض أثاث بيتها، أو أن تقترض وتمرّغ كرامتها في الأرض حتى تتجنب العار في حيها الآيل للسقوط، وتشتري أضحية عيد كان من الممكن أن تهتم الحكومة بآثاره المدمرة في هذه الظروف الخطيرة التي يعيشها الشعب المغربي المسكين.
وتوجد بين هؤلاء الذين يجلسون على قمة الهرم الطبقي وبين من يوجدون في السفح طبقة وسطى تتآكل، وهذه الطبقة في صنفها (ألف) مع الطبقة العليا لا تهتم بالعيد ولا تقيم هذه الشعيرة التي يعتبرها الكثيرون من مزدوجي الجنسية شعيرة «بربرية» سامحهم الله. فلذلك ستجد أن جل الفنادق في المدن السياحية الكبرى مملوءة عن آخرها في أيام العيد، كما ستجد شواطئ جنوب الأندلس من ماربيا إلى مالقا مكتظة بالمغاربة. وهكذا يكون القدر بهذه القتامة: من يملك لا يقيم شعيرة عيد الأضحى، ومن لا يملك يموت من أجل إقامتها كفرض اجتماعي ثقيل!
المهم في الأمر أن العيد مجرد نقطة دالة على طريقة تدبير في مغرب متحول. هناك أزمة خانقة لا تظهر على السطح، وهناك فرص تهدر ولا ترى، وهناك خطاب ارتياحي يبعث على الدهشة، فأن تقول الحكومة إنها تملك الملايير من الدراهم الكافية لتدبير شؤون المغاربة بلا مشاكل، فهذا غريب. إن البلاد استطاعت أن تقاوم في لجاج العواصف، ولكن هذا يتطلب الاعتراف بأننا لا نملك من الموارد ما سيمكننا من محاربة الأزمة الهيكلية للمغاربة، فأن لا يستطيع شعب أن يحتفل بعيده الكبير وهو مبتسم، يعتبر وصمة عار على جبين الحكومة المبتسمة ببلاهة. ورغم كل شيء، عيد مبارك سعيد وعمر مديد.