هكذا غيّرَ عيد الأضحى اسمه عند غالبية الأسر المغربية، خصوصا الفقيرة منها والمُعْوِزَة، التي تُحَمِّلُ نفسها ما لا طاقة لها به لشراء أضحية العيد بحجم وثمن قد يكون في بعض الأحيان أغلى من أضحية بعض الأغنياء. هناك من يبيع أثاث منزله أو ملابسه كي يشتري أضحية العيد، وهناك من يقترض من البنوك وهناك من المُعوِزين من يطلب الناس، وكأن شراء أضحية العيد فريضة مؤكدة على الفقير والغني سواء، في حين أنها سُنة فقط، واجبة على القادر عليها دون تكلف، ومن عجز عنها طاله أجر المضحّين، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذبح كبشين وقال:"اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي". ويغيب عن الكثير في إحياء هذه السنة الإبراهيمية استحضار نية التقرب إلى الله عز وجل وشكر نعمته تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، فنذهب لشراء أضحية العيد وليس في نيتنا إلا إرضاء الأولاد والزوجة والتفاخر بحجم الأضحية وثمنها أمام الأهل والجيران. وفي شراء الفقراء والمساكين لأضحية العيد بتكلف، إسقاط للبعد الاجتماعي لمناسبة عيد الأضحى من تضامن وتكافل وإشاعة الرحمة بين الفقراء المساكين وبين الأغنياء القادرين، حيث يُستحب أن تقسم الأضحية ثلاثا، يأكل أهل البيت ثلثا، ويتصدقون بالثلث للفقراء والمساكين، ويهدون لأصدقائهم وعائلاتهم الثلث الآخر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"كلوا وادخروا وتصدقوا"، فلا تُكلف نفس إلا وسعها، فلما إذا هذا التكلف ولماذا يتم إسقاط مقاصد العيد في بعده الاجتماعي التضامني؟ يقول الله عز وجل:"فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون". لقد أصبحنا نرى اليوم أن بعض الناس تذهب إلى السوق الممتاز وتشتري الخروف بالكيلوغرام وكأنها تشتري لحما، ولا يهمها شروط ومواصفات الأضحية. ومن الناس أيضا من يتشارك في شراء عِجْل لأنه فتي ويوفر اللحم أكثر من الكبش، كما أنه يوفر المصاريف مقارنة مع ثمن الكبش، فيذبحوه باسمهم جميعا ويتقاسمونه فيما بينهم ثمنا ولحما، وهناك من يشتري جَدْيًا لأنه يريد أن يعالج به مرض السكر عنده، وكل واحد منهم يجد عذرا ومبررا، وكل منا يفهم الدين على مزاجه وهواه، فلم يعد عيد الأضحى بالنسبة للبعض إلا عيد اللحم. في حين أنه ليس المقصود من عيد الأضحى مجرد اللحم الذي يؤكل فقط، ولكن المقصود منه هو ما تتضمنه هذه الشعيرة من تعظيم لله جل جلاله وإظهار للشكر له والامتثالٍ لأمره وإتباع لسنة نبيه واستشعار تضحية النبي إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل استجابة لأمر ربه. يقول سبحانه وتعالى:" فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَ ى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَ ى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:102-107]. فشعيرة الأضحية هي من شعائر الله التي تنادي بتوحيد رب العالمين، فأخلص نيتك وأصلح طويتك، ولا تكن من الذين قدّموا هذه الأضاحي للمفاخرة بين الناس، أو لإفراح الأولاد والزوجة، وإلا كنت كاذبًا في دعواك، فما أشدّ بلواك، ومن هنا يجب أن تأخذ درسًا عظيمًا في الإخلاص لرب العالمين، إذ تذهب وتقطع جزءًا من مالك وتشتري به أضحية تقربها إلى الله، توسّع بها على عيالك، وتتقرب بالمحبة إلى جيرانك، وتسدّ بها جوع الفقراء من إخوانك. وفي هذه المناسبة العظيمة عند الله لا تنسوا إخوتنا اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب إلى مدينتا، أن تتصدقوا عليهم وتؤووهم حتى يكون العيد قد حقق مبتغاه في التقوى والتقرب إلا الله عز وجل، يقول جلا جلاله:"لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم". عيدكم مبارك سعيد