استحوذ إعلان السعودية وإيران على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما على قدر مهم من رأي العام الدولي، على اعتبار العداء التاريخي والكبير بين البلدين. هذا الإعلان خلف في المقابل حالة ترقب في المغرب بشأن مدى إمكانية انعكاس ذلك على مستقبل العلاقات بين الرباطوطهران المقطوعة منذ سنوات، وهل تقلّم المصالحة السعودية الإيرانية أذرع الأخيرة في منطقة المغرب العربي، خاصة من بابا تسليحها لجبهة البوليساريو الانفصالية المهددة لأمن المغرب؟. سؤال يفتح الباب على مصراعيه أمام ما يعتمل العلاقات المغربية الإيرانية الغامضة أساسا، والمشدودة شدا إلى حبال التوتر والجفاء، خاصة في ظل موقف طهران من قضية الصحراء المغربية، ورغبتها في التوسع ببلدان العالم العربي والمغرب الكبير، مستغلة في ذلك قربها الدبلوماسي من الجزائر.
وتفاعلا مع الموضوع، يرى محمد طلحة، أستاذ القانون العام، أن الحديث عن مستقبل العلاقات المغربية الإيرانية وربطها بالمصالحة السعودة الإيرانية، هو أمر لا يستقيم سياسيا على اعتبار أن كل دول اليوم في ظل التحديات المطروحة تبحث علاقاتها ومصالحها، بناء على قراءة برغماتية للوضع الإقليمي والدولي.
وجوابا على سؤال هذا الاستئناف بالتزامن مع الموقف المغربي الرافض لتسليح إيران لميلشيات البوليساريو، قال شقير
وأشار المحلل السياسي في حديثه ل"الأيام24″ أن الرياض اختارت المصالحة نظرا للتهديدات المطروحة عليها خاصة في ملف اليمن وعلاقتها بالإدارة الأمريكية الحاليةمختلفان فمنطقة الشرق الأوسط والخليج لها مشاكلها وتحالفاتها، ومنطقة شمال إفريقيا لها سياقها وتحالفتها، وبالنسبة للسعودية فلديها تصور للوضع في منطقة الخليج، فمن مصلحة الدولتين (السعودية وإيران) تخفيف التوتر بينهما، خاصة أن هناك محور أمريكي إسرائيلي ضد إيران، على حد تعبير شقير.
واسترسل ذات المتحدث أنه و بالاضافة إلى هذا فلا يجب أن ننسى أن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية تما بمباركة الصين، وهذا معطى ومتغير آخر ظهر على إثر تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية، كما أن للصين مصالحها في المنطقة، ومن مصلحتها أن يكون هناك نوع من تخفيف التوتر او إستئناف العلاقة ين قوتين إقليميتين في المنطقة وقوتين بتروليتين والصين تحتاج إلى البترول. أما بالنسبة للمغرب وشمال إفريقيا، فهذا سياق آخر، يضيف ذات المتحدث، وهو السياق الذي يعرف تحالفا أمريكيا مغربيا اسرائيليا، لمواجهة المد الايراني في المنطقة، وما يعززه على الصعيد المحلي، هو أن ايران تسلح الجزائر بمجموعة من طائرات الدرون، والتي يمكن أن توظف من طرف ميليشيات البوليساريو لتهديد استقرار المغرب، وهذا ما يجعل ان استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، ليس له علاقة بشكل أوتوماتيكي ومباشر على المغرب خاصة في الظرفية الحالية على الأقل.
وتنظر السلطات المغربية بكثير من القلق من التقارير التي تتحدث عن قيام ايران بتسليم جبهة البوليساريو طائرات مسيرة حيث قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أكتوبر/تشرين الاول الماضي ان تسليح طهران للجبهة الانفصالية يشكل خطرا كبيرا على الامن والسلم في المنطقة. وقال حينها في مؤتمر بشان اليمن أن "الدول التي تُمكِّن طهران من هذا النوع من الأسلحة عليها أن تتحمل مسؤوليتها لما تشكله من خطورة على سلامة وأمن عدد من الدول". في المقابل تنظر إيران بقلق كبير من قرار المغرب تطبيع العلاقات مع اسرائيل في 2020 حيث تعتقد الحكومة الايرانية ان تعزيز التعاون بين الرابط وتل أبيب في مختلف المجالات بما فيها العسكرية يهدد نفوذها ومصالحها في شمال افريقيا لذلك قامت بتعزيز العلاقات مع الجزائر. ورغم ان مراقبين يرون ان الاتفاق السعودي الايراني ستكون له كثير من التداعيات على عدد من الملفات في منطقة الشرق الاوسط لكنهم يستبعدون في نفس الوقت احتمال عودة قريبة للعلاقات الايرانية المغربية مع اصرار طهران على دعم البوليساريو وفق تقارير استخباراتية.
قالت الحكومة المغربية أنها لم تناقش بعد استئناف العلاقات السعودية الإيرانية وتأثير ذلك على علاقات المملكة مع طهران حيث سيكون هذا الملف من أكثر الملفات حساسية أمام الرباط في المرحلة المقبلة. ولا تزال العلاقات مقطوعة بين المغرب وإيران منذ مايو/أيار سنة 2018 على خلفية تقارير استخباراتية تتحدث عن تقديم حزب الله اللبناني دعما ماليا ولوجستيا لجبهة البوليساريو الانفصالية بتنسيق من السفارة الإيرانية في الجزائر وهو ما اعتبرته الرباط تهديدًا لأمنها واستقرارها. وسبق للمغرب أن اتخذ قرارا مشابها عام 2009، ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضمّ مملكة البحرين إلى أراضيها، لتستمر تلك القطيعة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2016 عندما عيّنت الرباط سفيرًا لها في طهران. وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حلًا لذلك حكمًا ذاتيًا موسّعًا تحت سيادتها، بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر. وقال الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس، خلال مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماعها الأسبوعي، مساء الخميس "الحكومة لم تناقش الموضوع المتعلق بعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران"، وتأثير ذلك على بلاده.
قطيعة مستمرة ومساء الخميس، قال متحدث الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماعها الأسبوعي، إن الحكومة لم تناقش استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، وتأثير ذلك على علاقات الرباط مع طهران.
وكان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران في 2018، بعد اتهامات ل"حزب الله" اللبناني المدعوم إيرانيا بالانخراط في علاقة "عسكرية" مع جبهة البوليساريو عبر سفارة إيران في الجزائر، ما عدته الرباط تهديدا لأمنها.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
وقبل قطع المغرب علاقاته مع إيران، سبق له أن اتخذ قرارا مشابها عام 2009 ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضم مملكة البحرين إلى أراضيها، وهي القطيعة التي استمرت حتى 2016، بعدها عين المغرب سفيرا له في طهران.
وكانت كل من السعودية والإمارات والبحرين، قد أعلنت وقوفها مع المغرب في قطع علاقاته مع إيران عام 2009، معبرة عن وقوفها ضد "التدخلات الإيرانية في شؤون المغرب الداخلية".
ومطلع 2016، قطعت الدول الخليجية الثلاثة علاقاتها مع إيران واتهمتها آنذاك، بامتلاك مشروع توسعي في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، ما تنفيه طهران وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.
مرتكزات العلاقة أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) خالد ياموت، يرى أن "العلاقات المغربية الإيرانية يتحكم فيها عنصرين أساسيين، أولهما سلوك السياسة الخارجية الإيرانية في العلاقة بالسيادة المغربية".
ومنذ اندلاع "الثورة الإسلامية" في طهران عام 1979 لا يمكن وصف العلاقات المغربية الإيرانية بالجيدة، إذ لم تكن هناك علاقات اقتصادية أو ثقافية أو حتى سياسية "قوية" بين البلدين.
وأضاف ياموت: "العنصر الثاني هو مرتكز ديني قومي، مرتبط بالصراع التاريخي بين توجهات الثورة الإيرانية في تصدير التشيّع، ورد الفعل السني الذي كانت تقوده السعودية في الجزيرة العربية ويقوده المغرب إفريقيا".
وتابع: "اليوم يبدو أن الواقع الدولي الحالي لم يعد يسمح بالتصنيف المتعلق بما هو ديني قومي، ويظل المحدد هو كيف يتم التعامل مع القضية السيادية للمغرب".
واعتبر أن "التحول السعودي قفز على العنصر الأساسي المرتبط بالعنصر الديني القومي، ويبقى أمام المغرب إيجاد مقاربة للتعامل مع المرتكز الثاني المتعلق بالعنصر السيادي أي قضية الصحراء".
موقف غامض وفيما يتعلق بقضية الصحراء، يرى ياموت، أن "المغرب سيضطر إلى تدشين مسار جديد في العلاقات الدبلوماسية مع إيران، على أساس التعامل السيادي بخصوص القضية".
وتوقع أن "إيران لن تبدي موقفا حادا أو تعترف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، لكن سيكون هناك نوع من تليين الموقف، بينما سيستمر الغموض" في موقفها.
وأوضح أن "الموقف الإيراني من قضية الصحراء ليس بالموقف الحاد وإنما غامض، ولا يعتمد على الولاء التام للبوليساريو ولا للجزائر، كما أنه لا يمنح الامتياز التام للمغرب، بالاعتراف بسيادة المملكة على إقليم الصحراء".
وأشار إلى أن "الذي يحدث أن هناك سياق آخر يتعلق بتحالفات غير تقليدية في العلاقات الدولية"، داعيا المغرب إلى "ابتكار طريقة جديدة ليساير هذا النوع من التحولات".
وشرح ذلك بأن "السعودية فهمت أنه لتبقى لها القيادة في العالم العربي المستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، عليها أن تغير من استراتيجيتها على مستوى التحالفات، بالتوجه إلى الصين والهند وروسيا".
وبالنسبة للرباط، يرى الخبير المغربي: "فقد حولت تحالفاتها التقليدية من فرنسا إلى المحور الأنجلوسكسوني (في إشارة إلى أمريكا وبريطانيا)، بالإضافة إلى إسرائيل".
وأكد أن "هذه التحولات (السعودية والمغربية)، حتى وإن ظهرت في المشهد أنها متباعدة، لكن في الواقع لها نسق واحد، يتعلق بالتحولات الكبيرة في المشهد الدولي".
شروط العودة في المقابل، قال رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نبيل الأندلوسي: "في الأفق المنظور، من الصعب الحديث عن إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباطوطهران، لاعتبارات كثيرة".
أهم تلك الاعتبارات، التي ذكرها الأندلسي، تتعلق ب"استمرار التدخل الإيراني في الصراع المغربي الجزائري، عبر دعم وتسليح وتدريب عناصر من جبهة البوليساريو".
وشدد الباحث المغربي على أن "استمرار التدخل الإيراني في الصراع، العائق أمام أي مبادرة في اتجاه عودة العلاقات بين المغرب وإيران، إذا لم تغير طهران من سياستها في المنطقة".
أما ثاني الاعتبارات، فهو "توقيع المغرب للاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية"، مؤكدا أنه "يعمق من التباعد الحاصل بين الرباطوطهران، ويغذي التوتر الحاصل بينهما".
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن المغرب وإسرائيل استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000، ليوقعا في 22 من الشهر ذاته، "إعلانا مشتركا" بمشاركة واشنطن، في العاصمة الرباط.
وعن شروط عودة العلاقات، أوضح الأندلوسي: "أن ينتزع المغرب من إيران موقفا واضحا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، والالتزام بإيقاف أي دعم لجبهة البوليساريو، والابتعاد عن الصراع المغربي الجزائري".
وخلص إلى أنه "بالنظر إلى عودة العلاقات بين السعودية وإيران رغم حجم التناقض بينهما، يجعل من إمكانية عودة العلاقات بينهما ممكنة، إذا تغيرت نظرة البلدين للمصالح الاستراتيجية التي يمكن جنيها".