بعد أيام من زيارة جوزيف بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، إلى المغرب، تعود ععلاقة الرباط مع بروكسل خطوتين إلى الوراء بسبب عدم تناغم المؤسسات الأوروبية فيما بينها، وآخر تجلياتها تصويت البرلمان الأوروبي على قرار إدانة المغرب في ملف حقوق الإنسان بأغلبية، حيث صوّت لفائدة القرار 356 عضوا في البرلمان الأوروبي من أصل مجموع البرلمانيين البالغ عددهم 430 عضوا، بينما رفضه 32 برلمانيا وغاب عن جلسة التصويت 42 برلمانيا. تصويت داخل البرلمان الأوروبي، يأتي بعد تردد أحاديث حول مقاومة المغرب لأقلية داخل الاتحاد تسعى بدفع من جماعات ضغط وفاعلين سياسين محسوبين على تيارات يسارية، للاضرار بعلاقات المملكة مع الاتحاد الأوروبي وهي علاقات تم تعزيزها خلال السنوات الماضية في مختلف المجالات وهو ما أثار غضب وقلق جهات إقليمية معادية للرباط على غرار الجزائر.
ضغط من خلف الستار
وعلّق محمد طلحة أستاذ القانون العام بأن مؤسسة البرلمان الأوربي، لطالما كانت محط تجاذب وخدمة أجندات بعينها سواء لدى الفاعل الأوروبي نفسه أو خارجه، معتبرا أن التصويت على قرار إدانة المغرب في ملف حقوق الإنسان، هي لعبة مكشوفة تبتغي الضغط وتوظيف ورقة في علاقة المؤسسة بالمغرب، ومحاولة رسم صورة ديمقلاراطية على نفسها، في حين أنها تبحث بكافة الوسائل ممارسة الضغط على دولة ذات سيادة وتسيئ لنظامها القضائي عن قصد وتتدخل في إجراءاتها وتُملي عليها توجهاتها.
وأضاف في حديثه ل"الأيام 24″ أن القرار هو محاولة سياسية للتشويش على الشراكة الناجحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي لوحظ فيها تطورا وتعمل كقاطرة للتنمية على مستوى الجوار الجنوبي لأوروبا، لكن في الآن ذاته كشف عيبا لدى مؤسسة الاتحاد الفاقدة لتوجه محدد إذ بات جهازها التنفيذي في واد و البرلمان الأوروبي في واد آخر.
وأشار إلى أن المغرب يرفض الحملة التي تستهدفه من لوبيات بعضها مدفوع من الجزائر تهدف للإضرار بمصالح المملكة في أوروبا عبر الترويج لمعطيات مغلوطة وذلك بعد ان ساءتها نجاحات الرباط إقليميا ودوليا خاصة منها في ما يتعلق بتعزيز شراكاتها الاقتصادية والتجارية والسياسية مع الأوروبيين ومع شركاء غربيين تتقدمهم الولاياتالمتحدة.
وعبّر المغرب صراحة وعلينا على لسان الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس، الاسبوع الماضي، عن عدم رضا المملكة من الحملات التي تشنها أقليات سياسية داخل مؤسسة البرلمان الأوروبي للإضرار بصورة المغرب، واصفا إياها بأنها "أقلية" وذلك على خلفية انتقادات تعرض لها منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اثر زيارته للمغرب يومي 5 و6 يناير الجاري في محاولة مبيتة من قبل بعض اللوبيات الغاضبة من حجم الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لإقحام الرباط في قضية تتعلق بدفع أموال في البرلمان الأوروبي للتأثير على السياسات الأوروبية. العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي قوية وقديمة، وتتميز بالثقة، وفق الحكومة، مؤكدة أن المملكة "حريصة على تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، ولكن للأسف هناك أقلية منزعجة منها وتحاول استهداف المغرب إما إعلاميا أو عبر بعض المؤسسات"، مشيرة إلى أن المغرب يتعامل على أساس أن "هذه الجهات أقلية، فيما توجد مجالات أخرى واسعة في الاتحاد الأوروبي للتعاون والشراكة". وكان وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة قد دعا خلال مؤتمر صحفي مع بوريل في الرباط بداية الشهر الجاري إلى حماية الشراكة التي تربط بلاده مع الاتحاد الأوروبي من "هجوم ومضايقات قضائية وإعلامية مستمرة داخل مؤسسات أوروبية خاصة البرلمان الأوروبي"، مؤكدا وقتها أن الرباط تتعرض "لمضايقات قضائية وإعلامية مستمرة، وهجومات داخل مؤسسات أوروبية، خاصة البرلمان الأوروبي، عبر أسئلة تستهدف المغرب لتصفية الحسابات والضرر بالشراكة المتميزة التي تربطه بالاتحاد الأوروبي". وجاءت زيارة بوريل حينها بعد طي المغرب صفحة الخلاف معه، فيما كانت الرباط قد ألغت في شتنبر الماضي، اجتماعا ثنائيا كان مقررا في العاصمة المغربية مع المسؤول الأوروبي احتجاجا على تصريحات أدلى بها على قناة إسبانية تخص ملف الصحراء المغربية.
علاقات لم تغادر مربع الماضي
تجمع المغربَ والاتحادَ الأوروبي علاقات عريقة وعميقة ومتنوعة تطورت على مرِّ السنين، بدأت بإبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية في السبعينات من القرن الماضي، شملت التبادل التجاري وتصدير المنتجات الفلاحية المغربية لأوروبا، وانطلقت هذه العلاقات بتوقيع اتفاق تجاري بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوروبية في سنة 1969، واتسع نطاقها بإبرام اتفاق تعاون في سنة 1976، ثم تعزَّزت أكثر بعد اعتماد اتفاق شراكة في سنة 1996، وبمخطط عمل الجوار في سنة 2005، وبمنح المغرب صفة الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2008. وقد شهد شهر أكتوبر من سنة 2008، منح الاتحاد الأوروبي، على هامش الدورة السابعة لمجلس الشراكة المغربي-الأوروبي، المغرب صفة "الوضع المتقدم"؛ حيث أعطاه شراكة حديثة تعطيه حق المساهمة في العديد من مجالات التعاون الأوروبي، ولكنها ليست بالعضوية الكاملة.
وحصل المغرب على صفة "الوضع المتقدم الذي يُعطَى بموجبه حقَّ ولوج كل مجالات الفعل الأوروبي باستثناء الانضمام الكامل لبناه وهياكله، لاسيما التشريعية والتنظيمية. ويأتي هذا الوضع ليتجاوز اتفاقية التعاون والشراكة التي أَطَّرَت، ولسنين طويلة، العلاقات بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، في انتقال تاريخي إلى علاقة شراكة لا تصل إلى العضوية الكاملة في المؤسسات الأوروبية، باعتبار أن المغرب ليس بلدًا أوروبيًّا لكنه في وضع استثنائي لم يُمنح من ذي قبل لأي بلد غير أوروبي، بل لم يحصل عليه حتى بعض الدول الأوروبية كتركيا التي لم يتسنَّ لها تحصيل بعض امتيازات الوضع المتقدم الممنوح للمغرب.