Getty Images في ضوء قرار تتخذه المحكمة العليا الباكستانية غداً الثلاثاء، يتحدد مصير رئيس وزراء البلاد عمران خان الذي يواجه محاولة للإطاحة به من منصبه. وكان قادة في المعارضة قد قرروا إجراء تصويت لحجب الثقة عن خان أمس الأحد، لكن الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ألغى هذا التصويت، قبل أن يحلّ البرلمان، في خطوة أثارت غضب المعارضة لتتقدم بدورها بالتماس إلى المحكمة العليا في البلاد للفصل في دستورية تلك الخطوة. وقال خان إن تصويت حجب الثقة كان جزءاً من مؤامرة تقودها الولاياتالمتحدة للإطاحة به من السلطة، وهو ما تنفيه واشنطن. وأثارت تلك الخطوات جدلاً في باكستان، حيث تساءل كثيرون: كيف وصلت الأمور إلى تلك النقطة؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ كيف وصلت الأمور إلى تلك النقطة؟ انتُخب عمران خان في يوليو/تموز 2018 على أساس وعود قطعها على نفسه بمكافحة الفساد وإصلاح الاقتصاد. ولا يزال خان يحظى بشعبية بين قطاعات كبيرة من الباكستانيين، رغم تراجع هذه الشعبية من جراء ارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم. هذا فضلا عن تضخم الدين الخارجي. ويعتبَر خان على نطاق واسع مدعوماً من الجيش في الوصول إلى السلطة، لكن هذه الصلة بينه وبين الجيش قد انقطعت، بحسب مراقبين. وقد اغتنم خصومه السياسيون هذه الفرصة وطالبوا بإجراء تصويت لحجب الثقة بعد إقناع عدد من شركائه في الائتلاف الحاكم بالانضمام إلى جبهتهم على نحو يجعلهم أغلبية عند التصويت. ويربط مراقبون بين ما يواجهه خان من أزمة سياسية وبين تدهور العلاقات بينه وبين الجيش. ويشير هؤلاء المراقبون إلى رفض خان التصديق على تعيين الرئيس الجديد لأحد أجهزة المخابرات الباكستانية في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي. وكان حجب الثقة عن خان أمراً متوقعاً حال إجراء تصويت أمس الأحد، وهي الخطوة التي وُصفت بأنها "عملية لتغيير نظام بقيادة حكومة أجنبية". لكن ما حدث أن تحالفاً برلمانياً مقرباً من رئيس الوزراء تقدّم معلنًا عدم دستورية التصويت. بعد ذلك بوقت قصير أعلن الرئيس الباكستاني عارف علوي -الذي ينتمي إلى حزب خان الحاكم- حلّ البرلمان في خطوة تمهّد لانتخابات مبكرة. Getty Images عمران خان يتفادى تصويتا بحجب الثقة وفي خطاب تلفزيوني وسلسلة من التغريدات على مدار الليل، دافع خان عن القرار. وقال إن انتقاده للسياسة الأمريكية، وغير ذلك من القرارات على صعيد السياسة الخارجية، أثمر عن محاولة بقيادة أمريكية للإطاحة به من السلطة. ونفت واشنطن اتهامات خان التي أثارت سخرية المعارضة السياسية في بلاده. وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية لوكالة رويترز للأنباء: "لا صحة لهذه المزاعم، نحترم وندعم العملية الدستورية وحكم القانون في باكستان". لكن كثيرين من مؤيدي خان يصدقون ما يقول، بحسب مراسل بي بي سي سيكوندر كرماني. إحباط تصويت بحجب الثقة في الثالث من أبريل/نيسان الجاري تقدم نواب المعارضة إلى الجمعية الوطنية بمشروع لحجب الثقة عن خان للإطاحة به من السلطة، على أمل الحصول على أغلبية الأصوات. لكنْ في مسار دراماتيكي للأحداث، سارع رئيس البرلمان قاسم سوري إلى إلغاء عملية التصويت، قائلاً إن ثمة "اتصالاً واضحاً" مع دولة أجنبية لإحداث تغيير في الحكومة الباكستانية. وفي الأيام التي سبقت طرْح مشروع تصويت حجب الثقة في البرلمان، كان خان قد اتهم المعارضة بالتواطؤ مع قوى أجنبية، قائلا إنه كان هدفا لمؤامرة بقيادة أمريكية تستهدف الإطاحة به وذلك انتقاما منه لرفضه مساندة واشنطن في مواجهة موسكو وبكين - وهو ما نفته الخارجية الأمريكية. وفي معرض تبريره خطوة إلغاء التصويت، قال رئيس البرلمان إن تلك الخطوة تمثل انتهاكا للمادة الخامسة من دستور البلاد. من جهتها، ردت المعارضة باتهام رئيس الوزراء "بالخيانة" بعد إلغاء التصويت، كما تعهدت بتقديم التماس للمحكمة العليا للفصل في مدى دستورية خطوة إلغاء التصويت. ما السيناريو المتوقع للأحداث؟ قد يجري قرار المحكمة العليا في أحد مسارين. فإذا رأت المحكمة أن قرار إلغاء تصويت حجب الثقة لم يكن دستورياُ، فقد تأمر بإجراء التصويت مجدداً. وإذا ما أجري التصويت على حجب الثقة، فقد يسفر عن خروج عمران خان من السلطة كرئيس للوزراء. لكن إذا رأت المحكمة أن قرار إلغاء التصويت كان دستورياً، عندئذ لن يمكنها التدخل في أمور برلمانية، بما يعني انتصاراً هشاً لخان الذي سيتعين عليه عندئذ تشكيل حكومة مؤقتة تؤمّن بدورها إجراء انتخابات في غضون 90 يوماً. مرشح "تغيير" AFP وكان يُنظر إلى خان باعتباره مرشح "تغيير" جاءت وعوده ببناء طبقة سياسية جديدة نظيفة الأيدي مواكبة لتطلعات الناخبين الذين كانوا قد يئسوا من السياسيين القدامى. لكنه في الوقت ذاته كان يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره المرشح المفضّل لدى الجيش - ورغم نفي ذلك من كلا الجانبين- يرى مراقبون أن الجيش كان يتدخل لصالح خان في مواجهة خصومه السياسيين. أما الآن، فإن مشكلة خان الكبرى بحسب مراقبين هي أنه فقد دعم الجنرالات المسيطرين في باكستان منذ استقلالها عام 1947. وكان القادة المدنيون الذين يحاولون حلّ مشكلات باكستانية متجذرة يجدون أنفسهم في صدام مع الجيش. ولم يتسنّ لأي من رؤساء وزراء باكستان إكمال مدته ذات الخمس سنوات. وإلى جانب خسارة دعم الجيش، وجد خان نفسه بلا أصدقاء سياسيين. ويواجه خان تهمة إقصاء خصومه السياسيين الذين واجه كثيرون منهم عقوبات بالسجن في تُهم تتعلق بالفساد. وقد اتحد خصوم خان للإطاحة به من السلطة. وعلى صعيد دول الجوار، لم تتحسن في ظل حكم خان العلاقات بين باكستان والهند التي يشوبها التوتر. على أن خان يمكنه الإشارة إلى عدد من النجاحات التي تحققت في عهده، ومن ذلك تصنيف باكستان كأفضل دولة في جنوب آسيا على صعيد التصدي لكوفيد، فضلا عن إحراز تقدم في محاربة الفقر في البلاد. وربما تعدّ إنجازات خان على صعيد خدمات الرعاية الصحية أهم إنجازاته التي قد تساعده في الانتخابات المزمعة في نهاية عام 2023 إنْ لم تُجرى قبل ذلك. نظام الحكم في باكستان * الحزب الحاكم حزب حركة الإنصاف الباكستانية بزعامة عمران خان الذي تولى منصبه رئيساً للوزراء عام 2018 بعد فوز الحزب في انتخابات عامة سنة 2013. ويعدّ حزب حركة الإنصاف الباكستانية أحد ثلاثة أحزاب رئيسية كبرى في البلاد. * المعارضة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز)، وحزب الشعب الباكستاني - وقد ظل هذان الحزبان مسيطرين على الساحة السياسية في البلاد على مدى عقود حتى استطاع عمران خان تشكيل ائتلاف سياسي في مواجهتهما. * مدة حكم رئيس الوزراء يخدم رئيس الوزراء في باكستان مدة خمس سنوات. لكن أيا ممن شغلوا هذا المنصب -سواء بالانتخاب أو التعيين- لم يكمل مدته حتى نهايتها. من هو عمران خان؟ Getty Images تخرج خان من جامعة أكسفورد. وبدأت شهرته كلاعب كريكت دولي في سبعينيات القرن الماضي، وقد قاد فريق بلاده للفوز بكأس العالم في هذه اللعبة عام 1992. وأسس خان حركة إنصاف الباكستانية عام 1996. وفتح أول مستشفى لعلاج السرطان في باكستان، فجمع بذلك بين الأعمال الخيرية والسياسة. وتزوج خان في سن الثالثة والأربعين من البريطانية جميما غولدسميث، وكان ذلك في عام 1995 لكنهما انفصلا عام 2004 بعد إنجاب ولدين. وتزوج خان للمرة الثانية عام 2015 ولم يُكتب لهذه الزيجة الاستمرار لأكثر من عشرة أشهر قبل أن يتزوج للمرة الثالثة عام 2018.