* زينب مركز لم يكد العالم يطمئن إلى بداية استعادة عافيته وهو يحاول الخروج من جائحة كورونا، حتى أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا، ووضع البسطاء والضعفاء من عامة الناس في أرجاء المعمور أيديهم على قلوبهم وتساءلوا بقلق: هل تدق طبول الحرب العالمية الثالثة؟ هذه حرب شنتها ثاني أكبر قوة عسكرية عالمية على أوكرانيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي في زمن الحرب الباردة والنظام العالمي ذي القطبية الثنائية حتى انهيار جدار برلين عام 1989، الذي آذن بميلاد النظام العالمي الجديد الذي هيمنت على قيادته الولاياتالمتحدةالأمريكية بدون أي منافس؟ في أي سياق تأتي الحرب الروسية الأوكرانية في ظل وضع كارثي للاقتصاد العالمي الذي لا زال يصارع آثار أكبر وباء كوني؟ وما أصل الصراع بين روسياوأوكرانيا؟ ولماذا لم يتدخل الغرب لحماية أوكرانيا التي خاضت حوارا من أجل الانضمام إلى الحلف الأطلسي، لتحذو حذو كرواتيا والجبل الأسود وبولونيا وغيرها من دول ما كان يُعرف بكتلة أوربا الشرقية؟ ما علاقة شخصية بوتين وتكوينه بطموح استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية بشنه الحرب على أوكرانيا؟ ما هي إسقاطات وتبعات هذه الحرب على النظام العالمي في ظل خوض دول في مجلس الأمن الدولي لها حق استعمال الفيتو في ضرب الشرعية الدولية وقوانين الأممالمتحدة؟ لكن ألم تقم بذلك أمريكا في أكثر من منطقة في العالم تحت ذرائع شتى، من العراق إلى أفغانستان فليبيا دون مراعاة لما يفرضه القانون الدولي؟ هل تدشن الحرب الروسية على أوكرانيا عودة الحرب الباردة بوجه جديد في ظل ما أصبح يعرف بالحروب الحديثة في قوتها وشكلها والتي لم تعد تجرى على المجالات التقليدية المعهودة: البحر والجو والبر، بل شملت المجال الفضائي والسيبراني؟ ما هي الآثار المحتملة لهذه الحرب على الاقتصاد الوطني الذي ما صدق أنه نجا من جائحة كورونا رغم الآثار الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها، وفي ظل سنة جفاف غير مسبوقة، لم يعرفها منذ أكثر من 40 عاما، خاصة وأن البلدين تربطهما بالمغرب اتفاقيات هامة، وهما مصدر حاجياته من القمح والغاز والبترول؟ وما هي الدروس والعبر التي يمكن أن تستخلصها النخب العسكرية المغربية من الحرب الروسية الأوكرانية التي تنتمي إلى الجيل الجديد لدعم الأمن القومي وحماية الوحدة الترابية والسيادة المغربية في ظل هيمنة منطق القوة وقانون الغاب في تسوية النزاعات والصراعات بالتدخل العسكري؟ أسئلة كثيرة طرحها الهجوم الروسي على أوكرانيا، وبعضها ستفرضه ظروف ومسار وتطورات هذه الحرب التي لن تكون مجرد نزهة رومانسية للدب الروسي في حديقة أوكرانيا. «الأيام» ستواكب هذه الصفحة المخيفة من تاريخ العالم وآثارها على بلادنا في انتظار أن تطوى في أقرب وقت.
الحرب و الأسعار
وصل سعر القمح إلى مستويات غير مسبوقة في جلسات التداول الأوروبي بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ بلغ 344 يورو للطن الواحد، كما ألهبت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل كبير المعادن والطاقة، حيث قفزت أسعار النفط فوق 105 دولارات للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، وهي مرشحة للارتفاع أكثر، وقفزت أسعار البلاديوم الذي يستخدم في صناعة المركبات والمحركات بالإضافة إلى المجوهرات، إلى أعلى مستوياتها، إذ تعتبر شركة Nornickel الروسية المورد العالمي للمعدن الكيميائي الحيوي البلاديوم بنسبة 40% من الإنتاج العالمي. مصدر وازن صرح ل«الأيام» أن الخطوة الملكية بدعم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لبرنامج الحد من تداعيات الجفاف ومساعدة الفلاحين وتدبير ندرة المياه، بمبلغ 3 ملايير درهم سيكلف الدولة غلافا ماليا إجماليا يقدر بعشرة ملايير درهم، عقب اجتماع محمد السادس مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد الصديقي، والذي ينصب على ثلاثة محاور رئيسية، الأول حماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه، والثاني يستهدف التأمين الفلاحي، أما الثالث فيهتم بتخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال الري، كانت أشبه بالخطوة الاستباقية لما نعيشه الآن ولو أنها وضعت في سياق سنة جافة غير مسبوقة، يضيف ذات المصدر، حيث دعمت الحكومة استيراد القمح اللين، بما يقارب 60 مليار درهم، بما يعزز المخزون الوطني من هذه المادة الحيوية بالإضافة إلى تحمل الحكومة عبء ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية للتخفيف من حدة الغلاء، لكن يبقى المشكل الجوهري، يؤكد المصدر ذاته، في الارتفاع الصاروخي لأسعار البترول والغاز وانعكاساتها الصعبة على الاقتصاد الوطني الذي سيعيش أزمة صعبة تستدعي التدخل العاجل والبحث عن أسواق بديلة وتوفير احتياط الأمن الغذائي والطاقي في ظل حرب يبدو أنها ستطول في الأمد المنظور على الأقل.
حسب بيانات رسمية، فقد بلغ الحجم الإجمالي للمبادلات التجارية للمغرب مع أوكرانيا سنة 2020 حوالي 4.68 مليار درهم، أي بنسبة 0.7 بالمائة من المبادلات التجارية، حيث تحتل أوكرانيا المرتبة 23 من ضمن الدول التي تجمعها مبادلات مع المغرب، ووصل حجم الواردات من هذه الدولة التي تتعرض لهجوم روسي كاسح 4.1 مليار درهم، أي بنسبة 1 بالمائة سنة 2020. فيما بلغ حجم الصادرات 534 مليون درهم، أي بنسبة 0.2 بالمائة، حيث تتركز صادرات المغرب إلى هذا البلد في الأسمدة الطبيعية والكيميائية والسيارات والسمك. بينما تعتبر الحبوب أهم واردات المغرب من أوكرانيا، وتمثل 12 في المائة من وارداته الإجمالية وهو ما يعني وجود تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني بسبب هذه المادة الحيوية.
العالقون المغاربة
ظلت أوكرانيا قبلة دراسية مهمة للطلبة المغاربة، الذين أصبحوا خلال عقدين من الزمان يدرسون بجامعاتها تخصصات الطب والهندسة المعمارية، بسبب سهولة الولوج إلى هذه الشُّعب بالإضافة إلى انخفاض تكاليف المعيشة في أوكرانيا مقارنة بدول أوروبية مجاورة. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا أوصت سفارة المملكة المغربية في كييف المواطنين المغاربة هناك بمغادرة البلاد حرصاً على سلامتهم، وذلك عبر الرحلات الجوية التجارية المتوفرة، وفي الآن ذاته دعت السفارة المغربية في كييف المواطنين المغاربة الراغبين في السفر إلى أوكرانيا إلى تأجيل سفرهم في الوقت الراهن. ووضعت رهن إشارة رعاياها أرقاماً هاتفية للتواصل والإجابة على استفساراتهم». لكن هناك طلبة وجدوا صعوبات في الرحيل قبل الاجتياح الروسي، الذي قلب حياة الطلاب المغاربة بأوكرانيا، إما بسبب اطمئنانهم الزائد وثقتهم بالخطاب الرسمي الأوكراني الذي كان يستبعد الحرب، أو خوفهم من التوقف القسري لمسارهم الدراسي واحتمال تعرضهم للطرد بعد أن أدى قسم كبير منهم ثمن الدراسة في المعاهد والجامعات الأوكرانية، ورحل بعضهم إلى غرب البلاد ظنا منهم أن الحرب ستكون على الحدود فقط مع روسيا، وعانى العديد منهم من غلاء تذاكر الطيران وقلة الرحلات. وقد تشكلت خلية في وزارة الخارجية بتعليمات عليا، حسب مصادر مطلعة، لإيجاد حل سريع للمغاربة العالقين بأوكرانيا، حيث حرصت السلطات المغربية على تحديد سعر ثابت للرحلات، لمواجهة أي غلاء مُحتمل أو أسعار مبالغ فيها من طرف شركات الطيران، بعد ارتفاع الطلب على رحلات العودة إلى المغرب. وانطلقت، أول أمس الثلاثاء عمليات إجلاء المغاربة المُقيمين بأوكرانيا، عبر رحلات جوية مباشرة نحو مختلف مدن المملكة، وأقلت العربية للطيران، الناقل الإماراتي، 99 طالباً مغربياً من كييف، نحو مطار بن بطوطة بمدينة طنجة، شمال المملكة. كما نقلت طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية 174 مواطناً، أغلبهم من الطلبة نحو مطار محمد الخامس بمدينة الدارالبيضاء. ويُنتظر أن تتواصل الرحلات، لإجلاء من تبقى من المغاربة الراغبين في مغادرة الأراضي الأوكرانية، بل استجابت المملكة لطلب تقدمت به الحكومة الموريتانية، وخصصت مقاعد في رحلات إجلاء الطلبة المغاربة المقيمين بأوكرانيا، لزملائهم من الطلبة الموريتانيين، وذلك بعدما اشتدت حدّة التوتر بالبلد بسبب الاجتياح الروسي.