زاد زيت المائدة من لهيب أسعار المواد الغذائية الحارقة لجيوب المغاربة وعرفت سنة 2021 تغيرا ملحوظا في سعر بيع هذه المادة الأساسية بل تغيرا غريبا لأن الأسعار تختلف من متجر إلى آخر ويتم تطبيقه بين الشركات بالتتابع وليس في نفس اليوم ويكون الفارق من درهمين إلى خمسة دراهم، وقد دفع هذا الوضع مجلس النواب إلى مراسلة مجلس المنافسة لطلب رأيه حول مدى احترام منتجي ومستوردي زيوت المائدة بالمغرب لقواعد المنافسة الحرة والمشروعة. مجلس المنافسة وبعد دراسة مفصلة أصدر رأيه في 114 صفحة توصل "الأيام24" بنسخة منه، يخلص إلى أن الزيادات الأخيرة التي عرفتها أسعار زيوت المائدة بالسوق الوطنية ترجع لاجتماع عاملين أساسيين إحداهما موضوعي متعلق ببنية هذه السوق والآخر مرتبط بتطور أسعار المواد الأولية في السوق الدولية.
معضلة السوق الوطنية
يؤكد المجلس أن الانتاج الفلاحي من الحبوب الزيتية شبه منعدم في المغرب، إذ أن حاجيات البلاد من المواد الأولية الزيتية يتم استيرادها تقريبا بالكامل بنسبة 98,7 % من السوق الدولية على شكل زيوت نباتية خام بالأساس، ولا تساهم الحبوب الزيتية المنتجة محليا إلا بنسبة 1,3 % فقط. هذا، وتبلغ فاتورة استيراد الزيوت النباتية الخام سنويا 4 ملايير درهم، ويصل هذا المبلغ إلى 9 ملايير درهم إذا ما أضفنا له فاتورة استيراد الكسبة.
ويرى أن هذه العوامل أدّت إلى ضعف تنافسية قطاع استخلاص الزيوت الخام الوطني، مما نتج عنه اقتصار صناعة زيوت المائدة لدى أغلب الفاعلين على تصفية الزيوت النباتية الخام المستوردة من الخارج وبالتالي عدم استغلال الطاقة الإنتاجية المتوفرة بحكم التوقف شبه كلي لهذا القطاع.
ويتزود المغرب بكل حاجياته من الزيوت النباتية الخام من ثلاث دول ومجموعات، حيث يعتبر الاتحاد الأوربي أكبر مزود للمغرب بنسبة 54 %، تليه الأرجنتين بنسبة تقارب% 34 ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة تقارب 7 %. ويعد المغرب من البلدان العشر الأوائل على مستوى استيراد الزيوت النباتية الخام، والمشكلة هي أن أكبر الدول المنتجة هي نفسها أكبر الدول المستهلكة وبالتالي فإن إنتاجها توجه بالأساس إلى الاستهلاك المحلي.
وفي الوقت الذي توجه انتقادات واتهامات الجشع إلى الشركات المنتجة فإن مجلس المنافسة يقول إنه خلص في دراسته المنجزة إلى أن هوامش ربح الشركات التي تنشط في سوق إنتاج زيوت المائدة معقولة وهي تتراوح بين 4 % و 5 %.
كما خلُص أيضا إلى أن اعتماد المغرب بشكل أساسي على واردات الزيوت النباتية الخام يجعله عرضة لتقلبات أسعار هذه المواد في السوق الدولية، خاصة وأن تكلفة المواد الأولية تمثل نسبة تناهز 70 % إلى 80 % منةالكلفة النهائية للمنتوج، وهو ما من شأنه إضعاف هامش تحرك هذه الشركات على مستوى تحديد أسعار بيع زيوت المائدة في السوق الوطنية.
وهذا السوق بحسب مجلس المنافسةيتميز بمستوى تركيز كبير واحتكار أقلية من الشركات داخله حيث تعرف بنية سوق زيوت المائدة بالمغرب مستوى تركيز كبير، إذ أن الشركة الرائدة لوسيور كريسطال تستحوذ ما بين 50% و 40% من حصة السوق الإجمالية، ووصفها ب"سوق الأقلية" وأنها لا تسمح بتطور المنافسة، وهيمنة قنوات التوزيع التقليدية تمكن المتدخلين فيها من تحقيق هوامش ربح مرتفعة.
السوق الدولية
سجل رأي مجلس المنافسة ارتفاعا كبيرا في أسعار الزيوت النباتية الخام في السوق الدولية مع بدء مرحلة تخفيف القيود الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد- 19، مثلا خلال شهر ماي 2021 ، بلغ سعر الطن من الزيوت الخام لحبوب الصوجا أكثر من 1600 دولار أمريكي بنسبة ارتفاع قاربت 196 % مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2020 حيث بلغ سعر طن من الزيوت الخام لحبوب الصوجا 557 دولار أمريكي خلال شهر ماي 2020.
وحدث كل هذا مع ارتفاع متزامن لأسعار النقل الدولي والطاقة في السوق الدولية واللذان يشكلان عنصرين مهمين في تكلفة المواد الأولية الزيتية.
وحسب رأس مجلس المنافسة "بالنظر للأزمة الصحية الحالية المرتبطة بوباء كوفيد- 19 ، تظل وضعية سوق الزيوت على مستوى الدولي متقلبة وبالتالي، يصعب التنبؤ بآفاقها على المدى القريب والمتوسط أو التنبؤ بالمدة التي سيستغرقها المنحى التصاعدي لهذه المواد في الفترة الحالية".
واستخلصت الدراسة بالنظر للعوامل المرتبطة بالسوق الوطنية لزيوت المائدة وكذا بالعوامل المرتبطة بسوق الزيوت على الصعيد الدولي، يمكن استنتاج أن الزيادات الأخيرة التي عرفتها أسعار زيوت المائدة في السوق الوطنية راجعة من جهة، لأوجه القصور الهيكلية التي تميز سلسلة القيمة المرتبطة بالحبوب الزيتية وإنتاج زيوت المائدة ومن جهة أخرى، لعناصر ظرفية مقترنة بتقلبات أسعار المواد الأولية الزيتية بالسوق الدولية وكذا للارتفاعات التي عرفتها تكاليف الطاقة ونقل السلع على المستوى الدولي.
الاشتباه في تنسيق محتمل
يقول رأس مجلس المنافسة "إن نضج سوق زيوت المائدة واستقرار الطلب داخلها بالإضافة إلى وجود عوائق لولوج هذه الاخيرة كلها عوامل تحد من دخول فاعلين جدد بإمكانهم تغيير بنيتها". ثم يضيف أن "التجارب العالمية لهيئات المنافسة والدراسات التجريبية التي لها ارتباط بالموضوع، تبين أن الوضعية الحالية للمنافسة في سوق زيوت المائدة قد تدفع الشركات المنتجة إلى التنسيق فيما بينها وهو ما من شأنه إعاقة السير التنافسي لهذه السوق". ووفق المجلس فإن "ما يزيد من احتمال أن يحدث تنسيق بين الشركات التي تنشط في هذه السوق هو المستوى المرتفع للتركيز داخله والتطور المتوازي لحصص سوق الشركات المتنافسة خال الخمس سنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شفافية السوق تمكن الفاعليين من معرفة سلوك منافسيهم خاصة على مستوى الأسعار التي يتم تطبيقها".
هوامش ربح مرتفعة والتاجر الصغير في قفص الاتهام
وجد المجلس أن "هيمنة قنوات التوزيع التقليدية تمكن المتدخلين فيها من تحقيق هوامش ربح مرتفعة" وفي تفسير ذلك يقول إن التوزيع التقليدي الذي يهيمن على توزيع زيوت المائدة لفائدة المستهلك النهائي يطرح عدة إشكالات متعلقة بتحديد الأسعار، وعادة ما تطبق محلات البيع بالتقسيط أسعار بيع زيوت المائدة المعلنة من طرف الشركة الرائدة على باقي منتوجات زيوت المائدة الموزعة من قبل الشركات المنافسة.
وأضاف أن هذه "المحلات تقوم بتطبيق الزيادات بطريقة آنية بينما تؤخر تطبيق التخفيضات لحين انقضاء احتياطها من زيوت المائدة التي تم توريدها قبل تغيير الأسعار"، ومن نتائج هذه الوضعية، يضيف مجلس المنافسة، "تحقيق محات البيع التقليدية لهوامش ربح مريحة وحرمان المستهلك النهائي من الاستفادة من التخفيضات التي يعلنها منتجو زيوت المائدة. من ناحية أخرى، فإن هذه الوضعية لا تمكن المنتجين من التنافس فيما بينهم لعدم قدرة هؤلاء على التحكم في أسعار البيع المطبقة على المستهلك النهائي". كما يخلص رأي مجلس المنافسة إلى "عدم فعالية السياسة التجارية المتبعة من طرف الشركات المنتجة للزيوت على مستوى الأسعار النهائية المطبقة، بخلا ف ما عليه الحال بالنسبة للتوزيع العصري، حيث يمكن للمستهلك النهائي تمييز سياسة الأسعار المطبقة من طرف كل شركة منتجة، كونها تختلف من شركة لأخرى ويصل فارق سعر البيع خاصة بالنسبة لعبوة زيت من حجم خمسة لترات من درهمين إلى خمسة دراهم بين الشركات المتنافسة".