كشف مجلس المنافسة في رأي له حول الزيادات الأخيرة التي عرفتها أسعار زيوت المائدة بالسوق الوطنية، الأسباب التي كانت وراء ذلك. وأوضح المجلس في رأيه، أن عوامل مرتبطة بالسوق الوطنية لزيوت المائدة وكذا عوامل المرتبطة بسوق الزيوت على الصعيد الدولي، كانت وراء الزيادات الأخيرة التي عرفتها أسعار زيوت المائدة في السوق الوطنية. وتقف وراءها من جهة، أوجه القصور الهيكلية التي تميز سلسلة القيمة المرتبطة بالحبوب الزيتية وإنتاج زيوت المائدة/ ومن جهة أخرى، عناصر ظرفية مقترنة بتقلبات أسعار المواد الأولية الزيتية بالسوق الدولية، وكذا للارتفاعات التي عرفتها تكاليف الطاقة ونقل السلع على المستوى الدولي، وأوصى المجلس بتقليل التبعية للخارج. عوامل متعددة من العوامل المرتبطة بالسوق الوطنية لزيوت المائدة، وقف المجلس عند الإنتاج الفلاحي من الحبوب الزيتية شبه المنعدم، حيث يعرف المغرب خصاصا بنيويا على مستوى إنتاج الحبوب الزيتية إذ أن حاجيات بلادنا من المواد الأولية الزيتية يتم استيرادها تقريبا بالكامل بنسبة 98.7 في المائة من السوق الدولية على شكل زيوت نباتية خام بالأساس، ولا تساهم الحبوب الزيتية المنتجة محليا إلا بنسبة 1.3 في المائة فقط. وتبلغ فاتورة استيراد الزيوت النباتية الخام سنويا 4 ملايير درهم، ويصل هذا المبلغ إلى 9 ملايير درهم إذا ما أضفنا له فاتورة استيراد الكسبة. وبالنظر للإمكانات التي يتوفر عليها المغرب فيما يخص المساحة التي يمكن استغلالها من أجل الرفع من مساحة الزيتيات والتي تقدر ب 600 ألف هكتار، وقعت وزارة الفلاحة والفيدرالية البيمهنية للحبوب الزيتية على عقد برنامج يهدف إلى تطوير هذه الزراعات. غير أنه، على الرغم من النتائج التي تم تحقيقها على مستوى المساحة المزروعة وكمية الحبوب الزيتية المنتجة، فإن الانجازات تظل أقل بكثير من الأهداف التي تم تسطيرها سابقا. تبعية خارجية يعتبر الاتحاد الأوربي أكبر مزود للمغرب من الزيوت النباتية الخام بنسبة 54 في المائة تليه الأرجنتين بنسبة تقارب 34 في المائة ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة تقارب 7 في المائة. ويعد المغرب من البلدان العشر الأوائل على مستوى استيراد الزيوت النباتية الخام. ويعزى ذلك لضعف الإنتاج الوطني من الحبوب الزيتية مما يضطر المغرب معه إلى استيراد كل حاجياته تقريبا من المواد الأولية الزيتية من السوق الدولية. إضافة إلى ذلك، فإن الدول أو المجموعات الأكثر استهلاكا للزيوت النباتية وهي الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية والصين والبرازيل، هي نفسها أكبر منتج لهذه المواد وغالبا ما يوجه إنتاجها من هذه المواد لتلبية طلبها الداخلي بالأساس. ويعتمد المغرب بشكل أساسي على واردات الزيوت النباتية الخام يجعله عرضة لتقلبات أسعار هذه المواد في السوق الدولية، خاصة وأن تكلفة المواد الأولية تمثل نسبة تناهز 70 إلى 80 في المائة من الكلفة النهائية للمنتوج، وهو ما من شأنه إضعاف هامش تحرك هذه الشركات على مستوى تحديد أسعار بيع زيوت المائدة في السوق الوطنية. اجتماع كل هذه العوامل يمكن بالتالي من تفسير عدم تغير بنية السوق (عدم دخول أي فاعل جديد) منذ سنة 2004 تاريخ دخول شركة صافولا إلى السوق الوطنية. جاذبية السوق ضعيفة لولوج سوق زيوت المائدة، يورد المجلس، أنه يتوجب استيفاء مجموعة من الشروط من بينها الحصول على رخصة المكتب الوطني للسامة الصحية للمنتجات الغذائية والتوفر على الإمكانيات المادية اللازمة للاستثمار في أداة الإنتاج وفي شبكة التوزيع مع ضرورة وضع إستراتيجية تسويقية ناجحة لمنافسة الشركات التي تنشط في السوق. بالإضافة إلى ذلك، تتميز سوق زيوت المائدة على المستوى الوطني بضعف هوامش الربح على مستوى الإنتاج ووصول السوق مرحلة النضج واستقرار الطلب داخله. كما أن بنية العرض في هذه الأخيرة تتميز بكونها سوق أقلية تستحوذ الشركة الرائدة لوسيور كريسطال لوحدها على نصف حصة السوق الإجمالية، نظرا لقوتها التجارية كونها قادرة على اللجوء إلى إستراتيجية محفظة العلامات التجارية التي تتوفر عليها (تمتلك الشركة أنشطة متنوعة تتوزع حول منتجات التنظيف وزيوت الزيوت.. ) لتعزيز قوتها التنافسية. وكلها عوامل تجعل من سوق زيوت المائدة بالمغرب سوق أقل جاذبية. ويزيد من حدة هذه الوضعية ثلاث عوامل بنيوية تجعل من ولوج المستثمرين الجدد إلى السوق أمرا عسيرا، يتمثل الأول في درجة نضج هذه السوق التي تتسم بمتوسط نمو سنوي يناهز 1.5 في المائة خلال الخمس سنوات الأخيرة، في حين يرتبط العامل الثاني بوفورات الحجم التي تميز قطاع زيوت المائدة، أما الثالث فله علاقة بارتباط السوق المحلية بالواردات. تركيز كبير واحتكار شركات من ناحية أخرى، ظلت بنية سوق زيوت المائدة بالمغرب مستقرة ولم تعرف تغييرا كبيرا خلال الخمس سنوات الأخيرة، حيث أن حصص الشركات المنتجة لزيوت المائدة ظلت نسبيا مستقرة. إلا أنه، لوحظ انخفاض مستمر في فارق حصة السوق بين كل من شركة صافولا والشركات الرائدة لوسيور كريسطال ومعامل الزيوت بسوس بلحسن. وتبعا لذلك، فإن دينامية الابتكار والمنافسة داخل سوق زيوت المائدة على الصعيد الوطني تظل ضعيفة، إذ أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة، طرحت أربع علامات تجارية جديدة بمعدل أقل من علامة تجارية في السنة بينما سحبت أربع علامات تجارية من السوق ما يعني أن عدد العلامات التجارية المتواجدة في السوق ظلت مستقرة. منافسة لا تتطور أوضح المجلس في رأيه، أن نضج سوق زيوت المائدة واستقرار الطلب داخلها بالإضافة إلى وجود عوائق لولوج هذه الأخيرة كلها عوامل تحد من دخول فاعلين جدد بإمكانهم تغيير بنيتها. وفي هذا الإطار، تبين التجارب العالمية لهيئات المنافسة والدراسات التجريبية التي لها ارتباط بالموضوع، أن الوضعية الحالية للمنافسة في سوق زيوت المائدة قد تدفع الشركات المنتجة إلى التنسيق فيما بينها وهو ما من شأنه إعاقة السير التنافسي لهذه السوق. ومما يزيد من احتمال أن يحدث تنسيق بين الشركات التي تنشط في هذه السوق هو المستوى المرتفع للتركيز داخله والتطور المتوازي لحصص سوق الشركات المتنافسة خلال الخمس سنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شفافية السوق تمكن الفاعليين من معرفة سلوك منافسيهم خاصة على مستوى الأسعار التي يتم تطبيقها. توزيع تقليدي وأرباح مرتفعة يطرح التوزيع التقليدي الذي يهيمن على توزيع زيوت المائدة لفائدة المستهلك النهائي عدة إشكالات متعلقة بتحديد الأسعار، وعادة ما تطبق محلات البيع بالتقسيط أسعار بيع زيوت المائدة المعلنة من طرف الشركة الرائدة على باقي منتوجات زيوت المائدة الموزعة من قبل الشركات المنافسة. بالإضافة إلى ذلك، تقوم هذه المحلات بتطبيق الزيادات بطريقة آنية بينما تؤخر تطبيق التخفيضات لحين انقضاء احتياطها من زيوت المائدة التي تم توريدها قبل تغيير الأسعار. ومن نتائج هذه الوضعية، تحقيق محلات البيع التقليدية لهوامش ربح مريحة وحرمان المستهلك النهائي من الاستفادة من التخفيضات التي يعلنها منتجو زيوت المائدة. من ناحية أخرى، فإن هذه الوضعية لا تمكن المنتجين من التنافس فيما بينهم لعدم قدرة هؤلاء على التحكم في أسعار البيع المطبقة على المستهلك النهائي. وبالتالي، عدم فعالية السياسة التجارية المتبعة من طرف الشركات المنتجة للزيوت على مستوى الأسعار النهائية (consommateurs aux finaux prix) المطبقة، بخلاف ما عليه الحال بالنسبة للتوزيع العصري، حيث يمكن للمستهلك النهائي تمييز سياسة الأسعار المطبقة من طرف كل شركة منتجة، كونها تختلف من شركة لأخرى ويصل فارق سعر البيع خاصة بالنسبة لعبوة زيت من حجم خمسة لترات من درهمين إلى خمسة دراهم بين الشركات المتنافسة. تقلبات السوق الدولي عرفت أسعار المواد الأولية الزيتية في السوق الدولية ارتفاعا كبيرا بداية الأسدس الثاني لسنة 2020 وهي الفترة التي تزامنت مع التخفيف من إجراءات الإغلاق التي صاحبت انتشار فيروس كوفيد-19 . هذا، وارتفع مؤشر منظمة الأغدية والزراعة لأسعار الغداء بنسبة تقارب 29 في المائة في دجنبر 2020 مقارنة بنفس الفترة خلال سنة 2019. مع انخفاض العرض في سوق الزيوت النباتية الخام مقارنة بفترة 2018/2019 وانتعاش الطلب على هذه المواد من قبل الدول المستوردة خلال السدس الثاني لسنة 2020 بسبب تخفيف إجراءات الإغلاق وقيام بعض الدول بتعزيز احتياطاتها الاستراتيجية من هذه الزيوت وارتفاع مضاربات المستثمرين في سوق المواد الأولية الغذائية، كلها عوامل ساهمت في الارتفاعات القياسية التي عرفتها أسعار هذه المواد في السوق الدولية. هذا، وخال شهر ماي 2021، بلغ سعر الطن من الزيوت الخام لحبوب الصوجا أكثر من 1600 دولار أمريكي بنسبة ارتفاع قاربت 196 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2020 حيث بلغ سعر طن من الزيوت الخام لحبوب الصوجا 557 دولار أمريكي خال شهر ماي 2020، وهو ارتفاع متزامن مع ارتفاع أسعار النقل الدولي والطاقة في السوق الدولية واللذان يشكلان عنصرين مهمين في تكلفة المواد الأولية الزيتية. تطور الأسعار أظهرت المعطيات المرتبطة بتطور سعر بيع زيوت المائدة مقارنة بتطور تكلفة شراء الزيوت النباتية الخام، وفق مجلس المنافسة، أن هذين الأخيرين تطورا بنفس المنحى وبمعدلات تغير جد متقاربة بين 2016 و2020 . هذا، ويلاحظ أن مستوى ارتفاع أسعار زيوت المائدة كان أقل حدة من مستوى ارتفاع تكاليف استيراد الزيوت الخام، حيث ارتفع الأول بنسبة 39.5 في المائة بينما ارتفع الثاني بنسبة 18.6 في المائة خلال الفترة بين نهاية سنة 2020 ومارس 2021 ، وهي الفترة التي شهدت فيها أسعار هذه المواد ارتفاعات متتالية في السوق الوطنية. ما يعني أن المستهلك النهائي لم يتحمل إلا جزءا من عبء الزيادات الكبيرة المسجلة في أسعار المواد الأولية في السوق الدولية والتي أثرت بشكل كبير على تكلفة الإنتاج لدى كل الشركات المنتجة لهذه الزيوت. هذا، وبالنظر لكون تكلفة المواد الأولية تمثل 72 في المائة من كلفة زيت المائدة لدى المنتجين، فإن تحليل المعطيات المتعلقة بمعامل الارتباط بين تطور تكاليف المادة الأولية الزيتية وتطور أسعار بيع زيوت المائدة يظهر أن هذا الأخير جد مرتفع حيث بلغ 86,0 خلال الفترة 2016 – 2020 ووصل 90,0 في سنة 2020 . وتجدر الإشارة كذلك، أن قيمة معامل الارتباط تختلف من شركة منتجة لأخرى. ويتبين مما سبق، أن هناك ارتباط وثيق بين سعر بيع زيت المائدة المطبق من طرف المنتجين في السوق الوطنية وتطور أسعار المواد الأولية الزيتية في السوق الدولية.