قزّمت عملية 13 نونبر 2020 التي قام بها الجيش المغربي لتأمين معبر الكركرات، المساحة الشاسعة التي كانت تستغلها جبهة البوليساريو للتسلل داخل المنطقة العازلة فبعد حذف الكيلومترات القليلة من طريق الكركرات التي كانت وسط المنطقة العازلة وانتشار الجيش على مساحة 40 كلم مربع انتهى أمر الممر الوحيد للانفصاليين لاستفزاز المغرب وتركزت تحركاته شرق الجدار ما بين تندوف والمحبس، ثم أصبحت القبضة الأمنية أقوى شيئا فشيئا مع تحرك الجمهورية الموريتانية لضبط الحركة على حدودها والتي كانت منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي سهلة الاختراق من عناصر البوليساريو المسلحين. ولأن موريتانيا لا تريد التورط في مواجهة مسلحة أو توتر عسكري بسبب البوليساريو، قامت بعد أسابيع من عملية الكركرات بتأسيس منطقة أمنية حساسة في شمالها الذي يربطها بالمغرب والجزائر وأعلنت في بيان رسمي "مصادقة الحكومة على إحداثيات المعالم البرية التي تجسد حدود هذه المنطقة، التي تقع في الشمال الموريتاني والتي تعتبر خالية أو غير مأهولة، وقد تشكل أماكن للعبور بالنسبة للإرهابين ومهربي المخدرات وجماعات الجريمة المنظمة"، وسنة بعد ذلك ستقوم موريتانيا نهاية شهر نونبر الجاري بإشراف من وزير الدفاع الوطني، حننه ولد سيدي بتدشين مركز القيادة والرقابة والمعلومات في مدينة تقديرك بولاية تيرس الزمور وثلاثة رادارات مراقبة في مدينة ازويرات.
وأوضح الجيش الموريتاني أن "هذه المنشآت الحيوية، التي شيدت وفقا للمعايير والتقنيات اللازمة، ستساهم في رفع قدرات ودقة مراقبة الحركة الجوية والأرضية لضمان أعلى مستويات الأمن، كما ستشكل هذه المنشآت تعزيزا لقدرات سلاحنا الجوي في مجال مراقبة الحوزة الترابية للبلاد".
موريتانيا سبق وأن أغقلت المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية الحدودية مع الجزائر بعد أشهر من استفزازات قامت بها جبهة البوليساريو في 2016 وكادت تنتهي في 2017 بتدخل مغربي تبين فيما بعد أنه كان مؤجلا إلى وقت مناسب إلى أن تم ذلك في 13 نونبر 2020، وتحاول نواكشوط من خلال تعزيز تواجدها العسكري في شمالها الذي يعد الخط الدفاعي الأول لأمنها القومي المرتبط بشكل مباشر بتطورات الصحراء المغربية، وتريد أن تقول للمغرب والجزائر أنها دولة قادرة على تأمين حدودها وما عادت تلك الدولة الرخوة.
ويمكن القول إن تعزيز المراقبة عند الحدود وكل هذه التحركات الميدانية لجيش الجمهورية الموريتانية سيعقد عمليات تسلل جبهة البوليساريو التي تدخل إلى المنطقة العازلة عبر اختراق الحدود الموريتانية، فهذه المنقطة مرتبطة جغرافيا بموريتانيا ولا ترتبط بالجزائر إلا على مستوى المحبس والمناطقة المجاورة، فلما قامت البوليساريو بعرقلة حركة العبور في الكركرات كان عناصرها قد جاؤوا في رحلة طويلة من الجزائر عبر صحراء موريتانيا وهو ما يحمل نواكشوط المسؤولية الكاملة في تحرك عناصر انطلاقا من أراضيها لتهديد أمن دولة مجاورة.
لعل ما يؤكد هذا الطرح هو ما ورد في تقرير أنطونيو غوتيريش الذي يشمل الفترة من 1 شتنبر 2020 إلى 31 غشت إلى 2021، حيث تحدث عن تسجيل 83 في المئة مناوشات مسلحة من عناصر البوليساريو ضد الجيش المغربي ما بين المحبس وأوسرد، ما يعني أن موريتانيا لم تعد ملجأ ينطلق منه الانفصاليون وحوصروا بتندوف في دائرة صغيرة.