محمد بوستة من أكثر الشخصيات المغربية التي اشتغلت إلى جوار الملك الراحل الحسن الثاني، فقد تقلد منصبي العدل والخارجية. ما يجعله خبيرا في ما يتعلق بمشكل الحدود بين المغرب والجزائر، حيث كانا شاهدا على مجموعة من محطات محاولات ترسيم الحدود بين الجارين، والتي وصل فيها النقاش أحيانا إلى حدّ حمل السلاح. إليكم مقتطفا من مذكرات الراحل امحمد بوستة «الوطن أولا» للصحافي محمد الضو السراج
(…) من يرغب في معرفة المزيد عن هذا التاريخ ما عليه إلا الاطلاع على ملف حدود الصحراء الشرقية بين المغرب والجزائر، والمشاكل المترتبة عنه، والتي مازلنا نعيشها حتى الآن. أثناء حرب التحرير الجزائرية، فتح المغرب أرضه وقدم المال والعتاد للجزائر ومد يده للإخوان الجزائريين من أجل التعاون لتحرير مناطق كانت دائما تحت النفوذ المغربي، ولم تشملها الخريطة التي وضعها الفرنسيون بعد استقلال المغرب. وكان للحكومة المغربية تحفظ بشأنها خلال المفاوضات مع فرنسا، إذ طالب المغرب بتحرير جميع أراضيه، سواء تلك التي بقيت تحت نفوذ السلطة الفرنسية بالصحراء الشرقية أو تلك التي كانت تحت النفوذ الإسباني، فمنطقة تندوف مثلا كانت تابعة للنفوذ المغربي حتى 1951، وكانت شؤونها تدار من طرف القيادة العسكرية بأكادير، وبالمناسبة فزوج أختي كان يشتغل في تعاونية فلاحية بتندوف، تحت إشراف القيادة العسكرية بأكادير في تلك السنة، وتتكون الصحراء الشرقية التي احتلتها فرنسا من مناطق مغربية هي الساورة وتوات وتيديكلت. (…) في الخمسينات اقترحت الحكومة الفرنسية برئاسة شارل دوغول على المغرب المشاركة في منظمة الصحراء لاستغلال الثروات المعدنية (Oscrs) وقد رفض المغرب ذلك تضامنا مع الجزائريين بحجة أن فرنسا من خلال هذه المنظمة إنما كانت تهدف إلى التفريق بين المغرب والجزائر. وكذلك كان الشأن حينما عرضت فرنسا على المغرب في الفترة نفسها التفاوض بشأن إعادة رسم الحدود بين البلدين، وقد طلب مني شخصيا بصفتي مسؤولا بوزارة الخارجية، أكثر من عشر مرات أن أحدث الحكومة المغربية على الدخول في مفاوضات مع فرنسا وكان المغرب سيسترجع بمقتضى هذه المفاوضات في حالة إجرائها جزءا من المناطق التي يطالب بها في الصحراء الشرقية. محطة تاريخية أخرى في ملف التفاوض على الحدود بين المغرب والجزائر، لابد من الإشارة إليها نظرا لأهميتها، وهي تلك التي كانت بمبادرة من الحسن الثاني تحت إشرافه سنة 1961، إذ عقدنا اجتماعا بدار السلام بالرباط لمدة يومين، حضره من الجانب الجزائري فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة وكان معه وفد يضم عدة أشخاص، فتم الاتفاق بيننا على أن الحدود التي وضعها الاستعمار الفرنسي ليست حدودا حقيقية وأن هناك مناطق يجب أن تسترجع لصالح المغرب، لم يتم تحديدها اسميا، مثل تديكلت والساورة، وكان الجميع متفقا ضمنيا على مغربيتها. وأعلن الوفد الجزائري عن استعداده للتسوية النهائية لهذا الملف، مباشرة بعد الحصول على الاستقلال. أتذكر كل هذا وأنا أحس بكثير من مرارة الخيبة والظلم الذي لحقنا من إخواننا الجزائريين بشأن هذا الملف، وأربطه بالمعاكسات والمساومات في ملف الصحراء الغربية، ومساندتهم لشرذمة من انفصاليي البوليساريو. إن إخواننا الجزائريين لم يفوا بوعدهم حتى الآن، ومازال هذا الملف مفتوحا كجرح أبى أن يندمل، ولم تنتج عنه سوى الكوارث والويلات، ومن بينها حرب الرمال في أكتوبر 1963. وقد تم عقد اتفاقية صلح بين المغرب والجزائر بعد هذه الحرب بوساطة من الدول الإفريقية، ومن بينها مصر، وعقد لقاء للمصالحة بالعاصمة باماكو بدولة مالي حضره الحسن الثاني، وتقرر على إثره تشكيل لجنة للبث النهائي في مشكل الحدود. مع الأسف الشديد فإن هذه القضية كانت وماتزال تخيم بسوادها الرهيب على العلاقات المغربية الجزائرية، وخلقت حالة من التنافر والعداء لا يمكن احتواؤها والتغلب عليها إلا بكلمة حق تعترف فيها الجزائر للمغرب بحقوقه التاريخية والقانونية في المنطقة.