بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد قائمة الرخص الاستثنائية للقضاة وقائمة الأمراض التي تخول لهم الحق في رخص المرض المتوسطة والطويلة الأمد    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    حقوق الضحايا ترفض التشهير وتطالب بحفظ كرامة ضحايا الاعتداءات الجنسية بالمغرب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتراف فرنسا واسبانيا بمغربية الصحراء ليس خيارا بل واجب أخلاقي وتاريخي
نشر في تليكسبريس يوم 18 - 02 - 2021

إذا كان من شعب جدير بان تُقدم له فرنسا واسبانيا الاعتذار، فهو الشعب المغربي، الذي رزح رَدَحًا من الزمان تحت وطأة ونير الاستعمار وذاق طعم ظلمه ولا يزال يعاني من ويلاته.
وبعيدا عن مصادرة حق الشعوب، وضمنها الجار الجزائري، في المطالبة بضرورة اعتذار البلدان المستعمِرة عن الجرائم الدامية التي ارتكبتها، فإن للشعب المغربي دَيْنٌ في عنق كل من فرنسا واسبانيا آن أوان سداده وذلك لأسباب متعددة سنأتي على ذكر بعضها فيما يلي:
لئن كان المغرب ليس من صنع فرنسا ولا إسبانيا، فإن هذين البلدين مسؤولان إلى حد بعيد عن ما آل إليه وضع البلاد وما نتج عن استعماريْهما لها من توترات ومشاكل مع الجيران، خاصة فيما يتعلق بحدودها مع الجزائر وملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
إن علاقة كل من فرنسا واسبانيا بمستعمراتها السابقة، لا تتعلق بالماضي فقط، بل تمتد إلى الحاضر والمستقبل. وإذا كان من المؤكد، كما سلف ذكره، أن فرنسا واسبانيا لم تصنعا شمال أفريقيا لكنها ساهمت في صوغها وتشكيلها، إذ أن التوتر الذي يسود في المنطقة اليوم، هو إلى حد ما من فعلهما بشكل مباشر أو غير مباشر.
لولا السياسة الاستعمارية لكل من فرنسا واسبانيا، لما وجد المغرب اليوم نفسه أمام نزاع مفتعل حول صحرائه، ولما ضيّع زمنا ثمينا في الدفاع عن حقوق تاريخية مشروعة، لم تتحمل الدولتان الاستعماريتان مسؤوليتيهما لتبديد كل غموض حولها وحسم مسألة الحدود بين المغرب والجزائر وإعطاء كل ذي حق حقه خلال جلائهما من المنطقة.
أمام الزحف الإمبريالي، في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عانى المغرب من اختراق وغزو أوربي، انتهى باقتسام الأطماع الفرنسية والإسبانية فيما بينهما الكعكة من خلال تقطيع التراب المغربي إلى أكثر من ثلاثة أجزاء: جزء لفرنسا في الوسط وجزآن لإسبانيا في شماله وجنوبه بالإضافة إلى منطقة دولية في طنجة فضلا عن بلاد شنقيط التي آلت إلى فرنسا.
أقدمت فرنسا، وفي إطار ما سُمي بإستراتيجية "بقعة الزيت"، على تغيير خارطة المغرب الأصلية من خلال اقتطاع مناطق كاملة من ترابه لفائدة مستعمرتها في الجزائر، لأنها كانت تعتبر هذه الأخيرة مقاطعة فرنسية، وقامت بارتكاب أول هجوم عدواني على التراب الوطني حين استولى الجنرال "لامورسيير" على قرية لالة مغنية في ابريل 1844م. وتوالت بعد ذلك عمليات قضم التراب المغربي حيث سعى الضباط الفرنسيون في الجزائر إلى إعادة رسم الخريطة الجغرافية بالمنطقة، مستغلين بذلك ضعف الدولة المغربية وتكالب الأطماع الاستعمارية الأوربية عليها، بعد هزيمة معركة إسلي يوم 14 غشت 1844، والتي خاضها المغرب نصرة للأمير عبد القادر ودفاعا عن المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي والتي ترتب عنها توقيع المغرب على معاهدة "للا مغنية"، في 18 مارس 1845، تحت ضغط كبير تمثل في قصف شديد لسواحل المغرب ترتب عنه دمار وضحايا بالآلاف.
كان من بين شروط معاهدة "للا مغنية"، ترسيم الحدود بين "مقاطعة" الجزائر الفرنسية والمغرب، ولم يتم توثيق الحدود إلا بين "قلعة عجرود" المغربية و"ثنية الساسي" الجزائرية، على طول 140 كلم، وظلت المناطق الجنوبية خارج التحديد بدعوى أنها مناطق خالية، ولكن المستعمر الفرنسي تعمد ذلك ليتمكن من التوغل في الأراضي المغربية انطلاقا من مقاطعته الجزائرية.
لم تكن تندوف وبشار والقنادسة وأتوات وحاسي بيضا عبر التاريخ أراضي جزائرية، وإنما تم اقتطاعها وإلحاقها بالتراب الجزائري من قبل المستعمر الفرنسي. وهكذا، لم يتأخر الاستعمار الفرنسي في احتلال تندوف، التي ظلت تابعة للمغرب تحت الحماية الفرنسية إلى سنة 1952، واقتطاع أقاليم مغربية شاسعة، في الساورة وكلومب بشار، وواحات توات وتيديكلت والقنادسة، كأجزاء من الصحراء المغربية الشرقية.
وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، حصل المغرب على استقلاله من فرنسا وإسبانيا؛ لكن جنوبه ظل يرزح تحت الاستعمار الإسباني إلى غاية 1975، حيث انسحبت إسبانيا من المناطق الجنوبية، واسترجع المغرب ميدانيا صحراءه التي كانت قد سلبت منه في نهاية القرن التاسع عشر.
واصل المغرب دعم الثورة الجزائرية، ماديا ومعنويا، بشهادة المسؤولين الجزائريين وضمنهم أحمد بن بلة، ولما أدركت فرنسا ذلك عرضت على المغفور له الملك محمد الخامس تسوية مشكلة الحدود مقابل وقف الدعم للثوار الجزائريين، لكن الملك رفض لأنه وعد الإخوة الجزائريين بحل هذه القضية بين البلدين عندما تحصل الجزائر على استقلالها. لكن الحكام الجزائريين انقلبوا على المغرب ونقضوا العهد، في خضم استيلاء بن بلة ومجموعة وجدة على الحكم بالجزائر، وتصفية الثوار الحقيقيين والعناصر المجاهدة الذين حاربوا المستعمر بالفعل، معتمدين على جيش من خدام فرنسا، التي وقعت معهم بنودا سرية ملحقة باتفاقية إيفيان، والتي بموجبها سٌمح لفرنسا بالاستمرار في استغلال مناطق بالصحراء الشرقية المغربية لإجراء تجاربها النووية والكيماوية.
وتضمنت اتفاقيات إيفيان -التي وقعت بين الجزائر وفرنسا بعد مفاوضات بين 1960 و1962- بنودا سرية تُتيح لفرنسا إمكانية الاستمرار في استغلال المواقع النووية لفترات تتراوح بين خمس سنوات (بمنطقة رقان) وعشرين سنة (قاعدة الصواريخ في كولومب بشار). وواصلت فرنسا إجراء تجاربها وبحوثها النووية إلى منتصف 1966.
ويرى المتخصصون في الشأن الجزائري، انه إذا كان من الممكن تفهم أن أول حكومة جزائرية مستقلة كانت لا تزال في وضعية ضعف، سنة 1962، للاستسلام لإضافة هذا البند السري الخاص بالتجارب النووية الفرنسية، فماذا نقول عن تجديد هذا البند السري نفسه، في عام 1967، ثم في عام 1972، في ظل نظام الرئيس هواري بومدين، الرجل القوي المتحكم في مقاليد الحكم في الجزائر والجيش من 1965 إلى 1979، و"الثوري" و"المناهض للإمبريالية"؟
وعلى الرغم من إدانة الرئيس الجزائري الأول أحمد بن بلة، في 20 مارس 1963، للانفجار النووي في إين إكر، فإن هواري بومدين، الذي أطاح ببن بلة وسجنه، جدد في 27 مايو 1967 الاتفاق الإطاري بشأن "ب2-ناموس"، وهو الاسم الرمزي للموقع السري للتجارب النووية.
وبحسب ما كشفت عنه صحيفة "نوفيل أوبسرفاتور" في أكتوبر 1997، بعد تحقيق مطول أجراه الصحافي فانسون جوفرت، تم توقيع هذه الاتفاقية الجديدة، بشكل سري، من قبل السفير الفرنسي في الجزائر بيير دي لوس، والقائد الجزائري شابو، "باسم الرئيس بومدين".
بعد هذا الاتفاق، اختبر الجنود الفرنسيون في قاعدتهم الجزائرية السرية للغاية مجموعة متنوعة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، من قنابل يدوية حتى الصواريخ، وكذا الألغام والقذائف وجميع أنواع القنابل القائمة على الذخائر الكيميائية. وكانت أغلب المواد التي استخدمتها فرنسا في تجاربها النووية من البلوتونيوم شديد الإشعاع، بالإضافة إلى مادة اليورانيوم التي يستمر إشعاعها إلى أكثر من 24 ألف سنة!
وعلى عكس ما أكدته دائما باريس والجزائر من أن القواعد العسكرية الفرنسية في الجزائر أغلقت بشكل نهائي في عام 1968، فإن المراكز العسكرية الفرنسية الأربعة للتجارب النووية والفضائية (في رقان، إين إكر كولومب بشار وحماقي) لم تغلق حتى عام 1978.
هذه الحقائق تكشف أن نظام العسكر في الجزائر، لا تهمه صحة السكان خاصة في تلك المناطق التي كانت جزءا من الصحراء المغربية الشرقية، ويرى بعض المؤرخين أن مباركة مؤسسة الجيش الجزائري لتجارب فرنسا النووية في هذه المناطق وتلك القريبة منها، كانت تهدف إلى معاقبة ساكنة المنطقة التي عبرت عن رغبتها في الالتحاق بالمغرب، وطنها الأصلي، وذلك خلال استفتاء أجرته فرنسا لتقرير مصير الشعب الجزائري والاستقلال عن فرنسا، والذي جرى في فاتح يوليوز عام 1962.
والغريب في الأمر هو أن المجلة الشهرية "الجيش"، لسان حال الجيش الوطني الشعبي الجزائري، نشرت في عددها الأخير، فبراير 2021، ملفا تحت عنوان "التفجيرات الفرنسية النووية والكيميائية: جرائم لا تنسى"، متناسية أن الفرنسيين أجروا تجاربهم الكيميائية والبكتريولوجية والنووية، في الجزائر المستقلة، تحت إشراف الجيش الجزائري حتى عام 1978.
وإذا كان لا بد من تحديد المسؤوليات اليوم في هذا الملف، فيتعين أيضا الإشارة إلى مسؤولية الجيش الجزائري وكبار المسؤولين الذين خدموا في عهد هواري بومدين، ولا يزال العديد منهم على قيد الحياة، وما دامت هذه الجرائم لا تتقادم فيجب محاسبة نظام العسكر الذي لا يزال يجثم على صدور الجزائريين منذ استقلال البلاد، والذي تسبب في اندلاع حرب الرمال سنة 1963 بسبب استفزازاته ومواصلته لسياسة الاستعمار وتشبثه بالحدود التي رسمها هذا الأخير على حساب الحقوق التاريخية للمغرب في صحرائه الشرقية، وهذه هي أصل عقدة الجنرالات وأحد الأسباب الرئيسة لدعمهم ودفاعهم عن مرتزقة البوليساريو وإيوائهم فوق أراضي اقتطعها المستعمر الفرنسي من المغرب..
إن من واجب الدولتين الفرنسية والإسبانية الأخلاقي والتاريخي، تقديم اعتذار رسمي للشعب المغربي عن الجرائم المرتكبة في حقه، وأول ما يجب فعله هو الاعتراف بالأضرار البليغة الناتجة عن هذه الجرائم التي ارتكبها الاستعمار وجبرها عبر الاعتراف بمغربية الصحراء واقتفاء أثر الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه، وهذا أقل شيء يمكن أن تقوم به فرنسا واسبانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.