نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    التضخم: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك بنسبة 0,9 في المائة خلال سنة 2024 (مندوبية)    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    في ليلة كروية لا تُنسى.. برشلونة ينتزع فوزا دراميا من بنفيكا    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحراء الشرقية : النخلة التي تحجب واحات المجابهة بين المغرب و الجزائر
نشر في الوجدية يوم 01 - 01 - 2009

...................................................................
حتى نفهم جانبا آخر من الصراع المغربي الجزائري، ينبغي أن نقف ولو لحظة قصيرة أمام خارطة الجزائر المستقلة سنة 1962، لنرى كيف أن بطنها منتفخ بشكل غير طبيعي وممتلئ بأراضي وقبائل وشعوب الجيران التي اقتطعت وانتزعت بالقوة من طرف الاستعمار الفرنسي المتواجد في منطقة شمال إفريقيا منذ 1830، فهذه الأراضي و هذه القبائل هي عبارة عن ألغام موقوتة خلفها المعمر الفرنسي كي تنفجر تباعا متى شاء ووقت ما أراد سواء في شرق أو غرب أو جنوب الصحراء الكبرى ، فالحدود المغربية الجزائرية عرفت في الماضي عدة مراحل في ترسيمها وتحديدها، فالجزائر حتى تضمن تماسكها الداخلي، حاولت مرارا وتكرارا افتعال مشاكل أخرى جانبية وثانوية للتغطية على المشكل الأساس و المركزي و اعني بذلك الصحراء الشرقية المنطقة الممتدة من ولاية بشار إلى تيميمون، فالحكام الجزائريون كانوا يخافون أن يسترجع المغرب صحرائه الغربية وبعد ذلك يتفرغ لصحرائه الشرقية، التي هي الأخرى تعتبر دائما امتدادا تاريخيا و طبيعيا للمملكة المغربية،
ففرنسا التي استعمرت الجزائر مند 1830 أنشأت نظام الحماية على المملكة المغربية سنة 1912 مباشرة بعد انتصارها على المغاربة في حرب إيسلي سنة 1844 فنتائج الحرب كانت كارثية على وحدة المغرب و مناسبة لفرنسا المنتصرة لاتخاذ إجراءات عسكرية لتغيير معالم الحدود المغربية بدعوى محاربة التهريب و القضاء على التمرد المنطلق من الأراضي المغربية ولفائدة مقاطعة الجزائر الفرنسية و هكذا اقتطعت من المغرب مدن وقرى بأكملها كتلمسان و ?ورارة و سيدي كلت و كلوم بشار و تندوف إضافة إلى منطقة توات التابعة آنذاك للمغرب والتي هي تعتبر في جميع المخطوطات التاريخية و الانثروبولوجية إلا امتدادا جغرافيا و سياسيا و قبليا لمنطقة تافيلالت المغربية وقد تناولها العديد من المؤرخين العرب كالإدريسي وحسن الوزان Léon l'Africain ، وابن خلدون و الزياني، كما تكلمت عنها الصحافية الفرنسية التي عاشت في موريتانيا ما بين 1919 إلى 1962 أوديت بيكودو Odette du Puigaudeau، حيث اعتبرت المنطقة ولايات مغربية، بدليل أن السكان كانوا يؤدون الضرائب باسم السلطان وان صلاة الجمعة والأحكام القضائية تنطق باسمه ويصومون مع المغاربة،
وللعلم ففي كل الدول، الضريبة تدفع إلى السلطة الحاكمة للإقليم الموجود تحت سيادتها الشرعية والقانونية ،فالفرنسيون في الجزائر لم يحددوا بصفة نهائية الحدود الممتدة بين فجيج الى عين صالح، أي حدود الصحراء الشرقية،كما كان الشأن في اتفاقية للامغنية التي رسمت حدود البلدين من السعيدية الى فجيج، تاركين وضع هذه الحدود المغربية الجزائرية غامضا وذلك لنية في نفس يعقوب، ففي رسالة صادرة بتاريخ 6 يناير1886 عن الوزير الفرنسي للخارجية دوكليرك DUKLERC إلى زميله وزير الداخلية أرمان فاليير ARMAND FALLIERES حيث تعرض فيها إلى الحدود بين الجزائر الفرنسية والمغرب المستقل آنذاك أي مسمى بالإمبراطورية الشريفة، قائلا :" إن الحكومة الفرنسية من مصلحتها الاعتماد على النظرية المعروفة التي تتمثل في أن أفضل الحدود هي الحدود الغير المحددة مع جيران الجزائر الفرنسية (النزاع الليبي الجزائري التونسي حول المياه الجوفية للصحراء لازال قائما و لازالت اللجنة الثلاثية متعثرة في إيجاد حل متفق عليه بين البلدان الثلاث)".
إن هذه النظرية منحت لفرنسا الاستعمارية امتيازا مزدوجا ، الأول يتمثل في اجتناب مشاكل السيادة مع الجيران، و الثاني مهد لها إقامة قواعد محتملة للتوسع الفرنسي في اتجاه المغرب و ليبيا وتونس و دول الساحل، فالمعطيات الجغرافية لمنطقة توات مثلا تؤكد أنها محددة في الشمال من طرف تديمايت وموازية لوادي الصاورة، فهي منطقة تتكون من العديد من الواحات و القصور(قرى صغيرة)، أهمها واحة اتوات وواحة تيدي كلت ، وواحة ?ورارة وواحة عين صالح وواحة اليزي و قصر تيميمون وواحة المطارفة ، وواحة انتيمي ،وواحة بندا، وواحة عين الغار. إنها منطقة ممتدة على مسافة تقدر ب 250 كلم طولا، حيث تخترقها العديد من الوديان القادمة من المغرب كوادي غيير ووادي زوزفان. فهذه الواحات تتوفر على مياه جوفية كبيرة تغذي منطقة الصاورة بأكملها ، لهذا السبب فكر سكان اتوات و الصاورة و منذ القدم في طرق عملية تقليدية لاستغلالها، مما مكنهم من البقاء و التحضر و زرع أراضي قاحلة، و كما جاء في التاريخ فان القبائل المغربية الأصل عاشت من خلال الزراعة و تربية المواشي.
هذا الرخاء و الاستقرار توفر بسبب غنى الصحراء الشرقية بالمياه الجوفية و المعادن المختلفة كالفحم الحجري في القنادسة و الصفاية و في كسيكسو و الغزاريف، أما المنغنيز والرصاص فهما موجودان في جبل ?طارة، والحديد فنجده في غار الجبيلات .
إن هذه الواحات تكون في الوقت الحاضر منطقة الصاورة و عاصمتها بشار و تمتد إلى ولاية تندوف، فالأرشيفان العثماني و الفرنسي، المنشوران مؤخرا في اسطنبول ( 52 مليون وثيقة التي يمكن ترتيبها الواحدة بعد الأخرى على مسافة 16 كلم) يؤكدان أن السيطرة التركية لم تصل بتاتا إلى هاته الواحات بالرغم من محاولات العثمانيين العسكرية المتكررة التي قام بها البايات و الدايات و الأغاوات المتمركزين في مدن شمال الجزائر. كل الصحراء الشرقية الجزائرية كانت تحت الحماية والسيادة المغربية، فالمخزن المغربي (الإدارة المغربية) حسب الوثائق العثمانية، كان حاضرا وبقوة في المنطقة منذ الإمبراطورية الادريسية، أما سكانها فهم في أغلبيتهم منحدرون من قبائل معقيل و بني هلال والزناتيين و التوارق، واولاد أشبل، وهذه الأخيرة هي فرع من قبيلة أولاد ادليم القبيلة الصحراوية المغربية. لقد نجحت هذه القبائل في الفلاحة و التجارة و في تربية المواشي فكانت قوافلهم تتبضع في تلمسان ووهران و فاس و مراكش و تومبوكتو . أما منتجاتهم الأساسية فكانت الثمور و القمح و الصوف و الغنم و الزرابي و الجلود ، فعندما دخلت فرنسا إلى الجزائر، أرسل المغرب وحدات عسكرية لقطع الطريق أمام المعمرين الفرنسيين الزاحفين على الواحات المكونة للصحراء الشرقية، التابعة حاليا للجزائر نظرا لاختلال ميزان القوى و خيانة البعض.
أما إذا عدنا إلى الأسس و الروابط التاريخية بين الإمبراطوريات المغربية المختلفة و القنادسة و اتوات و الصاورة، فإننا نعثر على العديد من العلاقات بين هذه المنطقة و المغرب و ذلك منذ ملوك البربر ، فالوثائق القديمة تتحدث عن واحة اتوات كمركز تابع لموريتانيا (مصطلح قديم يعني المغرب و جمهورية موريتانيا الإسلامية )، و لم تكن لها بتاتا أي علاقة مع نوميديا (الجزائر).
فلقد قام الشريف الإدريسي مولاي سليمان في منتصف القرن الثاني عشر الهجري بإنشاء العديد من القصور، أهمها قصر أولاد أوشن، حيث دفن فيه و أصبح ضريحه يزار إلى الآن، أما المرابطون و الموحدون فقد نشروا فيها عقيدتهم و ثقافتهم و اقتصادهم وحتى سلوكهم المغربي، حتى أصبحت جهة اتوات نقطة ارتكاز و انطلاق لهاته الإمبراطوريات نحو السودان و إفريقيا السوداء، أما المرينيون فقد أتوا بنظام إداري و اقتصادي نظم المنطقة و دعم روابطها بمدن فاس ومراكش كمراكز موجودة في المغرب، أما احمد المنصور السعدي، ملك الإمبراطورية السعدية، فقد عين سنة 1590 الحاج جدور باشا على تومبوكتو و قواد على اتوات و لقنادسة .
أما الإمبراطورية العلوية الشريفة، فقد استمرت ولايتها على المنطقة إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي سنة 1830. و في هذا السياق، لا ننسى دور الزوايا في الصحراء الشرقية الذي كان هو الآخر أساسيا و جوهريا، فشرفاء وزان كان لهم ممثلون محليون لجمع الهدية في المنطقة و ذلك لحساب الزاوية القادرية بفاس، كما أسست بالصحراء الشرقية زاوية البكرية نسبة لمؤسسها المغربي محمد البكري (1618) كما أقامت الزاوية الشادلية مراكز مهمة لها في تندوف وبني ونيف و الكرارزة، فالزوايا المغربية لعبت دورا دينيا و سياسيا مهما و استراتيجيا في الصحراء الشرقية سواء في نشر تعاليم الإسلام في إفريقيا السوداء أو في الدفاع عن المنطقة ضد الدخلاء و الصليبيين.
فكانت مدن و مدارس تارودانت و مراكش و فاس في المغرب هي قبلة التلاميذ القادمين من الصحراء الشرقية و حتى من إفريقيا السوداء، ولاستحضار التاريخ الدبلوماسي للصحراء الشرقية، يؤكد المؤرخون أن مرحلة حكم العثمانيين للجزائر لم تهتم بالصحراء بصفة عامة، نظرا لانشغالهم بالحروب المتعددة في البحر الأبيض المتوسط، تاركة للإمبراطورية العلوية الشريفة تدبير شؤون الصحراء الكبرى سواء الشرقية أو الغربية، والتي كانت تحت نفوذها و سيادتها السياسية، وهذا ما تبث في الوثائق المفرج عنها مؤخرا في اسطنبول بتركيا و التي لم تستغل من طرف الدبلوماسية المغربية كأدلة واضحة عن روابط البيعة بين السلطان و القبائل في الصحراء الشرقية و الصحراء الغربية (الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية بلاهاي)، أما بعد واقعة إيسلي غشت 1844، فيمكن الإشارة إلى أن الجنرال الفرنسي دولمورسيار في الحرب الأولى الفرنسية المغربية Général de la Mourcière رفع شعار" لا سلم على حدودنا الغربية قبل القضاء على المغرب ككيان و كدولة مستقلة " ، فهذه الحرب المشار إليها أنتجت كل عناصر الأزمة الحالية المغربية الجزائرية، فلقد أظهرت المواجهات آنذاك اختلالا كبيرا في ميزان القوى بين المغرب الذي كان موزعا بين قبائل السيبة و قبائل المخزن وفرنسا، حتى سميت تلك الحرب بالغوغاء، حرب مكنت فرنسا بقطع كل طرق التواصل بين الدولة المغربية - التي أصبحت هدفا لأطماع ألمانيا و فرنسا و اسبانيا و البرتغال- وأقاليمها في الصحراء الشرقية، وضع نتج عنه ضعف في العاصمة وفوضى عارمة في القبائل البعيدة، مشجعة من طرف الاستعمار الفرنسي بسبب غياب رموز الدولة المغربية (القواد و الباشاوات و الإدارة المخزنية)، و بما أن الشر لا يأتي وحده، فالمنطقة عرفت جفافا متواصلا لمدة طويلة طيلة سنوات متوالية مصحوبة بمرض الطاعون.
كل هذه الأسباب المختلفة جعلت العديد من سكان الصحراء الشرقية، يلجؤون بالآلاف إلى المدن المغربية على الساحل الأطلسي أو مراكش، او يموتون بسبب المرض أو التهجير القسري إلى مستعمرات أخرى فرنسية ككلدونيا الجديدة و كويان بأمريكا اللاتينية، فالفرنسيون المنتصرون في واقعة إيسلي 1844 سطروا حدود المغرب ومقاطعة الجزائر الفرنسية بشكل أحادي، يناسب مصالحهم الاستعمارية التي كانت تقوم على ابدية الجزائر الفرنسية تاركين المنطقة الممتدة بين فجيج إلى عين صالح بدون ترسيم. إن ضعف الجيش المغربي وتفككه جعلا فرنسا تمتد وتتوسع نحو الشرق والجنوب الشرقي للصحراء، تمدد لم يكن بالسهل عسكريا على فرنسا، فلقد قامت حروب كبيرة مع القبائل في مدينة عين صالح، التي كان يتزعمها القايد الحاج المقري، الذي استشهد هو و أولاده في هذه المواجهات الدموية. فسقطت الصاورة تم اتوات وبعدها تيميمون، أما مدينة تندوف فقد سقطت في يد الاستعمار الفرنسي سنة 1925، حيث وجدها الجيش الفرنسي شبه فارغة من سكانها، الذين هربوا إلى المغرب الذي تم بسط الحماية عليه هو الآخر منذ سنة 1912.
فمطالب المغرب للصحراء الشرقية بدأت سنة 1953 وبصفة متكررة، فهي لم تأت من فراغ ولا بنية الهيمنة و إضعاف الجزائر المستقلة ، فكانت المنطقة تشهد مظاهرات شعبية في كل من تندوف ولعبادلة و تيميمون و عين صالح وبني ونيف و بشار و ذلك برفع الأعلام المغربية وصور السلطان محمد الخامس، منادين بالعودة والانضمام إلى المغرب البلد الأم، في المرحلة الممتدة من 1956 تاريخ استقلال جزء من المغرب إلى 1962 تاريخ استقلال الجزائر، سكت المغرب عن مطالبه على صحرائه الشرقية، حتى لا يربك ويشوش على الكفاح المسلح للإخوة في الجزائر، موقف تضامني دفع بالعديد من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى المطالبة بالسلطان محمد الخامس رحمه الله كملك واحد لمنطقة المغرب العربي بأكملها (تصريح المرحوم فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية).
وهكذا تقرر تأجيل المطالبة بالصحراء الشرقية إلى ما بعد استقلال الجزائر، كما رفض محمد الخامس أي مباحثات في الموضوع مع الرئيس الفرنسي ديغول الذي كان يفاوض سرا و علنا الحكومة المؤقتة الجزائرية حول التنازلات المتبادلة بين الطرفين قبل إعلان الاستقلال، إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فمباشرة بعد استقلالها سنة 1962، قامت الدولة الجزائرية بضم الصحراء الشرقية التي انتزعت من المغرب، خارقة بذلك عهودها والتزاماتها المتضمنة في اتفاقية 6 يوليوز 1961، هذا التنكر للماضي تبعه طمس كل الرموز التي تؤكد على مغربية المنطقة من طرف الجيش الجزائري، كما قتل العديد من السكان المطالبين بمغربيتهم في المواجهات بسبب رفضهم لاستفتاء تقرير مصير الشعب الجزائري المنظم من طرف فرنسا، فالعديد من زعماء ر?يبات الشرق هربوا إلى المغرب، أما وضع تندوف حاليا، فهي خليط من قبائل الر?يبات وقبائل الشعنبة وقبائل تجنكنت والجزائريين الذين استقدموا من الشمال للاستيطان بكثافة في الواحات الفلاحية الغنية بالمياه الجوفية، كما قامت الجزائر بتهجير عائلات بأكملها من الصحراء الشرقية إلى شمال الجزائر وخاصة تلك المعروفة بمغربيتها وزعامتها القبلية، كما أدخلت الشباب قسرا في صفوف الجيش الوطني الشعبي الجزائري ( يشكلون أغلبية جيش النينجا المؤسس من طرف الجنرال العماري)، وتعيينهم في وحدات بعيدة عن مناطقهم، قاطعين بذلك كل علاقة مع أصولهم وعائلاتهم القاطنة بوادي نون.
أما تفاصيل تطور الخلاف بين المغرب والجزائر في موضوع الصحراء الشرقية، فلقد حل جزئيا في لقاء إفران سنة 1972 بين المرحومين الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين، اتفاق أبقى على الألغام مطمورة من تندوف إلى عين صالح، و بهذه المناسبة، استبشر الناس في المغرب العربي خيرا بهذا اللقاء الذي اشترط فيه المغرب أن يصادق نواب الأمة على جميع بنوده، التي ترسم الحدود بصفة نهائية بين البلدين، إضافة إلى الشراكة الاقتصادية لاستغلال المناجم الموجودة بينهما، الشيء الذي لم يحدث إلى الآن، و السبب يرجع إلى كون الجزائر فتحت جبهة أخرى ضد المغرب تتجسد في الصحراء المغربية قصد إلهائه في موضوع آخر، والواقع أن شمال إفريقيا يعرف نزاعات متداخلة و مترابطة : نزاع الصحراء الشرقية الذي انتهى جزئيا بحرب الرمال 1963 (خدعة جر إليها الجيش المغربي لخدمة أهداف أخرى) ولا زال ساكنا في العقول و الأفئدة و الملف بقي مفتوحا إلى الآن، نزاع الصحراء المغربية الذي انطلق في سنة 1975 تاريخ استرجاع المغرب للإقليم، النزاع الليبي الجزائري حول ترسيم الحدود، الخلاف التونسي الجزائري حول نفس الموضوع، و تمرد التوارق في مالي و النيجر و تشاد و دارفور، كلها نزاعات مترابطة و متشابهة .
في هذا السياق، لا ننسى نضالات سكان الصحراء الشرقية على المستوى الدولي، فلقد طرحوا مشكلتهم أمام السلطات المغربية قبل استقلال الجزائر وبعدها، كما تقدموا بطلب العودة إلى أصولهم المغربية إلى محكمة العدل الدولية التي رفضت المطلب من ناحية الشكل (الدول وحدها هي التي تطلب رأيا استشاريا من المحكمة وليس الجماعات والقبائل)، كما راسلوا الأمم المتحدة عدة مرات دون جواب، ويظهر أن الكل أراد طمس القضية التي لا زالت تتحرك في رمال ساخنة، فالنخلة لا يمكنها حجب الخلاف حول الصحراء الشرقية التي هي قلب الصراع المغربي الجزائري.
أنا لا أريد من وراء هذه النظرة التاريخية لنزاع الصحراء الشرقية نبش قبور الماضي، أو تفجير الألغام التي خلفها الاستعمار، و لا در الملح في الجروح المفتوحة بين البلدين، و لكن قصدي ونيتي وبكل نزاهة علمية، هو إظهار الحقيقة حول تنازل المغرب مبدئيا عن نصف ترابه الوطني للجزائر بدون مقابل، المقابل الذي تقدمت به الجزائر في هذا الشأن، هو فتح جبهة الصحراء المغربية و تكوين جمهورية صحراوية وهمية تطبيقا لنظرية و إستراتيجية الالتفاف الاستعمارية (la théorie et la stratégie du contournement). فالنزاع نزاعين و الحل واحد و الشعب واحد و المنطقة واحدة، فالمغرب فضل التنازل عن اتوات و الصاورة و القنادسة عوض حرب ضروس تدوم سنين، تأتي على الأخضر و اليابس في المنطقة، و لنا في حرب الثماني سنوات بين العراق و إيران خير مثال على ذلك.
إن نزاع الصحراء المغربية له علاقات مباشرة و عضوية مع نزاع الصحراء الشرقية الجزائرية. و هذه الأخيرة، ليست غريبة عن تمرد التوارق في الصحراء الكبرى المسماة بدول الساحل : موريتانيا، النيجر، التشاد و مالي، وليست بعيدة عن التمرد في دارفور بالسودان، و بعبارة أخرى فالمنطقة الممتدة من الأطلسي إلى البحر الأحمر، المسماة بالصحراء الكبرى هي منطقة يطبعها التمرد و الانفصال و الفقر و المجاعة و التهميش، ستضاف إليها نزاعات قادمة يكون محورها الأساسي استغلال المياه الجوفية للصحراء بين شعوب و قبائل متعددة. مستقبل هش ومخيف وغامض، لا شك انه قد يفيد الإرهاب في إقامة قواعد ثابتة له في شمال إفريقيا و يعيد كذلك الاستعمار الجديد للمنطقة. ويقطع الطريق أمام كل الدخلاء، اعتقد أن الحل يكمن في تقوية نظام الجهات و آليات الحكم الذاتي الحقيقي، و نشر الديمقراطية التشاركية التي تضمن اقتسام الثروة و السلطة بين جميع مكونات الصحراء الكبرى. فالشعوب المغاربية مطالبة و باستعجال إعلان الحرب الشاملة ضد الدكتاتورية، و الفساد و العنف و الفقر و الأمية و سوء التغذية وإقامة مغرب الجهات و و و...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.