بعد أيام قليلة على وقوع فاجعة مصنع للنسيج بطنجة الذي خلّف سقوط 28 ضحية، لا تزال الإتهامات تتمايل من جهة إلى أخرى بين من يحمّل المسؤولية لصاحب المصنع وبين من يوجه أصابع اللوم إلى السلطات بالمنطقة وبين من يجمعهما معا في سلّة واحدة. وبالعودة إلى البدايات الأولى قبل تشييد المصنع فإن صاحبه كان حصل على رخصة البناء سنة 1996 منحتها له بلدية بني مكادة، لأن الحي محسوب ترابيا على هذه المنطقة وتخوّل الرخصة لصاحبها بناء منزل من طابق سفلي وطابقين علويين دون الترخيص لبناء المرآب. السبب في عدم الترخيص لبناء المرآب يعود بالأساس إلى أنّ تلك الرقعة مستقرة في مكان جغرافي كان عبارة عن وادي وهنا يطرح التساؤل عما إذا كان صاحب المصنع سلَك طرقا ملتوية طمعا في فتح المصنع. الجواب على السؤال المطروح يحيلنا على لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة التي منحت إضاءات في هذا الخصوص في إشارة إلى عدم حصول صاحب المصنع على ترخيص من أجل مزاولة نشاطه المهني. لجنة التعمير سطّرت على عبارة "عدم الحصول على ترخيص"، في حين وضعية المصنع وتبعا لغرفة الصناعة والتجارة بمدينة البوغاز، قانونية بسبب وجود رخصة مهنية، إضافة إلى التصريح بعدد العمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتأدية الضرائب المستحقة للجهة المكلفة باستخلاصها، ما يجعل الشك يقف منتصبا في بحث عن إجابات شافية حول من المسؤول؟ ومن يملك مفاتيح الحقيقة؟ ومن يتنصّل من المسؤولية؟. شقيق صاحب المصنع من جهته، شدّد على قانونية المصنع، معتمدا على لغة الوثائق، وهو يقف في وجه من يقول إنّ المصنع سري ويشغّل العمال بطريقة أشبه ما يكون بالسوق السوداء.. الترافع عن صاحب المصنع لم يكن من طرف شقيقه فقط، بل من قبل شقيقته كذلك التي خرجت عن صمتها وهي تتقاسم حسرتها حيال ما جرى. أبناء حي عائلة صاحب المصنع بحومة القواديس ببئر الشفا، لم يستسيغوا حصره في قفص الإتهامات، محاولين تبرئته بالقول إنه كان سببا في منح فرص شغل للعديد من الشباب، من بينهم أشخاص تربطهم به صلة قرابة ويعمل وفق القانون منذ خمس عشرة سنة خلت، وهو الأمر نفسه الذي فاه به أب أحد الضحايا في تأكيد منه على أنّ صاحب المصنع لا يتحمل المسؤولية مستحضرا الجانب الإنساني الذي تنطوي عليه هذه القضية. شاب يعمل بالمصنع، كان الحظ بجانبه يوم وقوع الفاجعة ولم يكن حاضرا وغاب لاستخلاص راتبه الشهري قبل مباشرة عمله، لأن العمل بالمصنع كان متوقفا في فترة سابقة بسبب الفيروس القاتل إلى أن وصله "الخبر الصدمة" بعد معرفته بفقدان 9 من رفاقه في درب العمل.. لماذا كانت الحصيلة ثقيلة؟ ولماذا استحال خروج الضحايا سالمين؟ ألم يكن منهم من يجيد فن العوم؟ كلها تساؤلات ظلت تتراقص في مخيلتنا، لنجد الجواب عند الشاب رضوان الذي قال إنّ المصنع الموجود في مرآب أرضي لا يتوفر على نوافذ وأنّ المياه المتدفقة حاصرت العمال وغمرتهم كليا بشكل يمكن تسميته بالتيار الجارف دون عودة. الإشاعة طفت بعد ترجيح كفّة الإتهامات من جهة إلى أخرى بالقول إنّ صاحب المصنع فرّ هاربا إلى مدينة الناظور بمساعدة من السلطات، في حين برزت أقاويل أخرى تقرّ إنّ المعني توفي بعدما توقف قلبه عن الخفقان جراء تأثره بالواقعة المفجعة.. روايات جانبت الصواب وتبقى الرواية الصحيحة أنّ صاحب المصنع يرقد بإحدى المصحات الخاصة تحت مراقبة أمنية في انتظار تماثله للشفاء من أجل التحقيق معه في المنسوب إليه جملة وتفصيلا.