أدت جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي إلى مفاقمة الضغوط التي يتعرض لها الأشخاص المسؤولين عن رعاية أبنائهم ووالديهم المسنين.تتمنى جو أوستن، التي تعمل في القطاع المالي، أن يكون لديها مساعدة شخصية. إذ تستيقظ أوستن، التي شارفت على الخمسين، في الصباح الباكر لتوصيل زوجها إلى عمله في أحد المتاجر الكبرى بالسيارة حتى لا يصاب بفيروس كورونا في المواصلات العامة وينقل العدوى إلى ابنهما وصديقته الذين يعانيان من إعاقات.وعندما تعود إلى المنزل، تعمل عدة ساعات على الكمبيوتر، قبل أن تتصل بها أمها التي تجاوزت الثمانين وتعيش على بعد أميال منها لتستفسر عن مواعيد الأطباء أو عن احتياجات المنزل التي طلبتها ابنتها عبر الإنترنت. وتزورها أوستن كل يومين.وفي منتصف النهار، تأخذ ساعة راحة لإعادة زوجها إلى المنزل، وقد تساعد أيضا ابنها في ملء بعض الاستمارات أو تأدية مهام أخرى ذات الصلة ببرنامج التوظيف المدعوم لذوي الإعاقة. وبعد إنهاء جميع مهامها المدفوعة وغير مدفوعة الأجر، قد تختلس ساعة ليلا للاسترخاء أو مشاهدة التلفاز.وتقول: "أحاول التوفيق بين مهام عديدة. وهذا العمل الشاق ينهك قواي".وتعد أوستن واحدة من أبناء جيل "يتحمل عبئا مضاعفا"، ويقصد بذلك جيل الآباء والأمهات في منتصف العمر الذين يتحلمون مسؤوليات رعاية الأبناء والآباء المسنين في نفس الوقت، وهذا يشمل دعمهم ماليا وبدنيا وعاطفيا.وقد زادت أهمية تقديم الدعم للأجيال المتعددة أثناء تفشي وباء كوفيد-19، ولا سيما بعد انتقال عدد غير مسبوق من الأبناء الشباب للعيش في منزل العائلة واحتياج كبار السن لأشكال غير مسبوقة من الرعاية.وتضاعفت الضغوط التي يتعرض لها أبناء هذا الجيل، الذي يحاول التوفيق بين أعباء ومسؤوليات رعاية الأبناء والأبوين المسنين، إثر تفشي جائحة كورونا بسبب ندرة الموارد التي يحتاجونها بشدة. النهوض بمسؤوليات جيلين تختلف أعمار ومسؤوليات الأفراد الذين يقدمون الرعاية لأجيال متعددة من بلد لآخر. ففي الفلبين تتراوح أعمار الأمهات اللائي يقدمن الرعاية لذويهن من كبار السن عادة بين 30 و35 عاما، في حين في إنجلترا وويلز تتراوح أعمارهن بين 45 و54 عاما.وتقول أثينا فلاتشانتوني، أخصائية علم الشيخوخة بجامعة ساوثهامبتون، إن نحو ثلاثة في المئة من سكان المملكة المتحدة يقدمون الرعاية لأكثر من جيل، سواء في نفس المنزل أو في منازل أخرى، ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة بسبب تأخر الإنجاب وارتفاع متوسط الأعمار.ورأينا في الآونة الأخيرة أفرادا يتحملون أعباء ثلاثة أجيال. فبعض الناس الذين تجاوزوا الستين من العمر، يعتنون بأحفادهم، حتى يتمكن أبناؤهم من الذهاب للعمل، ويساعدون والديهم أيضا الذين تجاوزوا التسعين من العمر.وليس من المستغرب أن يكون هناك تفاوت في توزيع المهام والمسؤوليات بين الرجل والمرأة.وتقول فلاشانتوني: "من المعروف أن النساء بشكل عام يتحملن عادة النصيب الأكبر من أعباء الرعاية الشخصية لأفراد الأسرة من كبار السن، في حين أن الرجال يتولون المهام العملية مثل الدعم المالي وتنسيق الحدائق".ومع ذلك، فإن تحمل أعباء ومسؤوليات تقديم الرعاية لأجيال متعددة ينطوي على جانب إيجابي. فالأجداد الأصحاء، على سبيل المثال، يساعدون الآباء والأمهات على العمل.وتقول فلاتشانتوني: "زادت أهمية دور الأجداد خلال العقد الأخير، في حياة الآباء والأمهات. فالآباء والأمهات كبار السن يساعدون أبناءهم، وخاصة الشابات، على البقاء في سوق العمل وتقلد مناصب قيادية".وتقول أوستن إنها سعيدة بحياتها كما هي، رغم كثرة الأعباء الملقاة على عاتقها، فالعائلة مستقرة ماديا ولديهم منزل فسيح. وتقول: "أحيانا تتملكني رغبة في الاختلاء بنفسي في غرفة مظلمة لبضعة ساعات، لكن في النهاية عليك أن تتعايش وتتأقلم مع الضغوط حتى تكتسب القدرة على التحمل والصمود".غير أن هذه الجوانب الإيجابية لا تتحقق إذا تفاقمت الضغوط النفسية لتفوق قدرتك على التأقلم والتعايش معها. تأثير جائحة كوفيد-19 حظي دعم أفراد العائلة بأهمية غير مسبوقة العام الماضي إثر جائحة كوفيد-19 التي رفعت معدلات البطالة وكادت تستنفد الموارد الحكومية. ووجد البعض صعوبة بالغة في توفير الوقت والمال لتقديم الرعاية اللازمة لوالديهم المسنين وأطفالهم.وتقول كاثرين ويلسون، رئيسة التوظيف بمؤسسة "كيرارز" (مقدمي الرعاية) الخيرية بالمملكة المتحدة: "إن بعض مقدمي الرعاية لأفراد أسرهم الذين استطلعنا أراءهم شعروا أنهم مجبرون على تخفيض ساعات العمل أو تقديم استقالتهم لأنه لم يعد بإمكانهم الحصول على الدعم الرسمي وغير الرسمي". ويقصد بالدعم الرسمي خدمات رعاية المسنين أو دور الحضانة، أما الدعم غير الرسمي فهو أشكال المساعدة التي يقدمها الأصدقاء وأفراد الأسرة أو أفراد المجتمع.وتقول أوستن إن احتساء القهوة مع زملاء العمل في ساعة الاستراحة بالشركة كان واحدا من صور الدعم النفسي والعاطفي الذي كانت تحصل عليه قبل الوباء في الأيام الصعبة.وقد أصبحت رعاية المسنين والأبناء في الولاياتالمتحدة أعلى كلفة في ظل الجائحة. فبحسب شركة "نيويورك لايف" للتأمين على الحياة، ارتفعت تكاليف تقديم الرعاية أثناء الجائحة، إذ وصل الآن متوسط تكلفة تقديم الرعاية لأحد أفراد الأسرة من المسنين إلى نحو ألف دولار شهريا، وذلك بسبب زيادة الإنفاق على متطلباتهم اليومية.وذكر تقرير لمنظمة "بيو" للأبحاث في يوليو/تموز 2020 أن 52 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يعيشون في منازل والديهم، وهذه النسبة غير مسبوقة منذ الكساد الكبير. وأشار بحث أجرته فلاتشانتوني عن تغير ترتيبات السكن في ظل الوباء في المملكة المتحدة إلى أن الكثير من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عاما انتقلوا للعيش مع أحد الأقارب الأكبر سنا. وثمة أدلة على أن السبب في الانتقال له علاقة بارتفاع الضغوط النفسية. مقدمو الرعاية في المستقبل أثيرت تساؤلات حول مدى تأثير تداعيات الجائحة الاقتصادية على قدرة جيل الشباب الحالي على تحقيق أهدافه المهمة في الحياة ومن ثم الاستقلال عن الأسرة فيما بعد.وتقول فلاتشانتوني: "الموارد التي يجمعها المرء على مدار حياته سيحتاجها بشدة في الكبر. ولا أقصد بالموارد المال فحسب، بل أعني أيضا شريك أو شريكة الحياة والأبناء والاستثمار في المعاش والمنزل".ومن المعروف أن جمع هذه الموارد كان عسيرا قبل الجائحة، بسبب عدم الاستقرار الوظيفي وارتفاع تكاليف السكن وأنظمة المعاشات الأقل سخاء وارتفاع متوسط العمر المتوقع. وكان للوباء تأثير شديد على معدلات البطالة والتعليم والاستدانة وحتى المواعدة.وقد يحتاج الشباب الآن لوقت أطول لتحقيق أهدافهم الكبرى المرتبطة بالاستقلال عن الوالدين. وبعبارة أخرى، قد يضطر الكثير من الآباء والأمهات لدعم أبنائهم البالغين لوقت أطول وبطرق عديدة تفوق تصور المجتمعات.ويقول كيم باركر، مدير أبحاث الاتجاهات الاجتماعية بمركز بيو للأبحاث: "أبناء جيل الألفية تضرروا بشدة من الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وعانوا الأمرين لتحقيق الاستقرار المالي. والآن هناك جيل جديد من الشباب بلغوا سنا تسمح لهم بالاستقلال عن العائلة أثناء الجائحة، لكنهم عادوا للعيش مع والديهم".وزاد عدد أبناء جيل الألفية الذين يقدمون الرعاية لأبنائهم ووالديهم المسنين، لكن الموارد المتاحة لديهم أقل بالمقارنة بالأجيال السابقة. واتجه الكثيرون للاكتفاء بطفل واحد، وهذا يعني أن هؤلاء الأبناء لن يكون لديهم أخوات لمساعدتهم في رعاية والديهم في الكبر. تخفيف الضغوط وفي ظل غياب الدعم الحكومي، تقع أعباء رعاية المسنين والأطفال على عاتق النساء في الغالب.وتضرب فلاتشانتوني مثالا بالصين، وتقول إن الدولة لا تزال تحمّل الأسرة العبء الأكبر في رعاية كبار السن والأطفال أو الرضع. فعلى الرغم من أن الحكومة تشجع المرأة على العمل فإن الدعم الحكومي لرعاية الطفل لا يزال غير كاف، وكثيرا ما يحل الأجداد والجدات محل الخدمات الحكومية. وهذا ينطبق بالتأكيد على الكثير من الدول الأخرى.ولا شك أن تدخل الحكومات بالدعم المالي لرعاية الأطفال والمسنين ومنح إجازات أمومة وأبوة مدفوعة الأجر يخفف الضغوط عن كاهل الأم والأب. وربما يستحسن منح إجازات مدفوعة الأجر للأجداد لرعاية الطفل تقديرا لدورهم في الاعتناء بأحفادهم.وقد يساعد أيضا أصحاب العمل مقدمي الرعاية بوضع نظم عمل أكثر مرونة. وتقول أوستن إن جدول العمل المرن يتيح لها تأدية المهام والمسؤوليات اليومية العديدة. وتعمل أوستن تسعة أيام على مدى أسبوعين. وتقول إن التحدث مع الزملاء والمديرين عن مسؤوليات الرعاية أحيانا يجعلهم أكثر تفهما واستعدادا للمساعدة.وقد ساهم الوباء في نشر حلول العمل المرن والعمل عن بعد. وإذا استمر هذا الاتجاه بعد الوباء، قد يسهل على مقدمي الرعاية البقاء في سوق العمل.وتطالب مؤسسة "كيرارز" بالمملكة المتحدة بتوفير علاوات لمقدمي الرعاية الذين يوفرون على الدولة مبالغ ضخمة، بالإضافة إلى منحهم إجازات مدفوعة الأجر. وفي الولاياتالمتحدة، يؤثر غياب التأمين الصحي على مقدمي الرعاية وأبنائهم ووالديهم المسنين صحيا وماليا.واقترحت دراسة في جنوب أفريقيا، توفير وحدات متنقلة لرعاية الطفل، لإتاحة الفرصة للنساء اللائي يعملن بشكل مستقل، في الأسواق على سبيل المثال، لترك أطفالهن.لكن المشكلة أن زيادة الإنفاق الآن على البنية التحتية للرعاية الاجتماعية قد يكون عسيرا على الحكومات بسبب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء.يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife