عديدة هي المحطات التاريخية التي التقت فيها جهود التحرير الوطني من ربقة الاستعمار الفرنسي في بلدان المغرب العربي، ولاسيما بين الجزائر وتونس، أو بين المغرب والجزائر. ولعلّ ذكرى (20 أغسطس/ آب 1955) تمثل إحدى أهمّ العلامات التاريخية الفارقة في النضال المشترك بين المغرب والجزائر ضدّ المستعمر الفرنسي، ودليلاً آخر على وحدة أبناء المغرب العربي. وإذ يختلف البَلَدانِ في تسمية هذه المحطة التاريخية (ثورة العرش والشعب في المغرب، ويوم المجاهد الوطني في الجزائر) فإنّ هذا التاريخ يظل رمزيّاً في تاريخ ثورة التحرير في المغرب العربي بصفة عامّة اعترافاً وتخليداً لبطولات وتضحيات المجاهدين من أبناء المغرب والجزائر. إنّ الدارس للعلاقات التي كانت سائدة بين الحركات الاستقلالية في أقطار المغرب العربي، يخلص إلى أنها عرفت إثر الحرب العالمية الثانية منحىً جديداً تميز بتكثيف الاتصالات والتشاور وعياً بأهمية المواجهة الموحدة للعدو المشترك. فكان تأسيس مكتب المغرب العربي في الأربعينات ثم لجنة تحرير المغرب العربي، والتي أسندت رئاستها إلى زعيم الثورة الريفية المغربية محمد بن عبدالكريم الخطابي. وقد عمل من خلال هذا المكتب على تنسيق خطط الكفاح بين أقطار شمال إفريقيا حيث أقرّت اللجنة مبدأ التمسك بالاستقلال التام لكافة أقطار المغرب، وحصول كل قطر على استقلاله لا يسقط عن القطرين الآخرين واجبه في مواصلة الكفاح لتحرير البقية، فضلا عن رفض فكرة السيادة المزدوجة والدخول في الاتحاد الفرنسي الذي كانت فرنسا تلوح به.
يؤرخ المغاربة لاندلاع الشرارة الأولى لثورة الملك والشعب الخالدة، بيوم (20 أغسطس 1953)، حينما امتدت أيادي الاستعمار الغاشم إلى جلالة المغفور له محمد الخامس، وأقدمت على نفيه والأسرة الملكية الشريفة إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر، متوهمة بذلك أنّ هذه المناورة ستفسح لها الطريق على مصراعيه لتنفيذ مخططاتها الساعية للهيمنة.
يوم السبت (العشرين من أغسطس من العام 1955) أي بعد مرور سنتين عن نفي جلالة الملك محمد الخامس، تجمّع في وادي زم سكان مناطق (السماعلة وبني سمير وبني خيران...) للتظاهر ضد المستعمر على رغم محاولات الفرنسيين منع حدوث ذلك. في المقابل أعطى المسئول الأعلى الفرنسي الأوامر لاستعمال الأسلحة وقتل كل متظاهر، فاستشهد العديد من السكان في مجزرة للقوات الفرنسيّة بحق المتظاهرين من أبناء وادي زم، هذه المدينة التي ضحت بأبنائها ودمائها من أجل عودة الملك واستقلال المغرب. وساهمت في الرفع من معنويات المقاومين في جميع مناطق المغرب بل وامتد تأثيرها الى خارج الوطن وخصوصا الشقيقة الجزائر.
في الجزائر كان المجال الجغرافي للهبّة العارمة هو ضواحي مدينة سكيكدة وأرياف مدينة قسنطينة، المهد البشري والروحي للمقاومة التاريخية وللثورة الوطنية الجزائرية. وتعد هجمات سكيكدة (20 أغسطس 1955) من بين المحطات المفصلية، بل لعلّها الحدث الأبرز الذي حقق إنجازات كبيرة للثورة الجزائرية، وكانت لها تأثيرات عميقة على مسار الثورة وتطوّرها وانعكست نتائجها على الصعيدين المغاربيّ والإقليميّ.
وقد خططت قيادة الثورة لشنّ هجومات واسعة في الشمال القسنطيني، دام التحضير لها حوالي ثلاثة أشهر في سرية تامة. وقد وجّه القائد زيغزد يوسف نداء إلى كلّ الجزائريين، أعضاء المجالس الفرنسية، يدعوهم فيه للانسحاب منها والالتحاق بمسيرة الثورة. وقد ردّت السلطات الفرنسية بوحشيّة لا نظير لها على الهجومات الجريئة لجيش التحرير الوطني، وارتكبت مجزرة كبيرة ذهب ضحيتها ما يقارب 12000جزائريّ. وقد شكلت هذه الأحداث نقلة نوعية في مسيرة الثورة التحريرية ليُعقَد في نفس اليوم من العام 1956 مؤتمر الصومام ويحدد المسار الثوري والمطلب التحرري للثورة الجزائرية.
إنّ ذكرى (20 أغسطس) تحمل دلالات تضامنية عميقة بين الشعبين المغربي والجزائري؛ فقد ساهمت في ظهور بوادر البحث عن الحلول السياسية بين الحكومة الفرنسية والمغربية، مما كان له الأثر في فك الحصار على العاهل المغربي محمد الخامس وأسرته بمدغشقر. لذا تبقى هذه الذكرى عربونا للأخوة والتضامن بين الشعبين المغربي والجزائري وتؤكد وحدة المصير في السراء والضراء.
إنّ الذاكرة التاريخية المشتركة للشعبين الجزائري والمغربي يمكن أن تؤسس لصحوة جديدة منطلقها التاريخ النضالي المشترك ومبادئها العبر النبيلة لنضال الأسلاف من أجل تجاوز حاضر الخلاف الذي لايزال يعصف بالعلاقات الأخوية بين البلدين بسبب قضية الصحراء المغربية أو الغربية بحسب موقف كل بلد منها. هذه الذاكرة المشتركة في حاجة إلى تغذيتها والمحافظة عليها والعمل على نقلها للأجيال كي تقوّي فيهم الروح الوطنية وروح المغرب العربي، الأمر الذي يتطلب تبادل الرصيد المعرفي المرتبط بالتاريخ النضالي المشترك بين بلدان المغرب العربي وإثرائه بالأبحاث.