حاورها: رضوان مبشور من المؤكد أن من سيقرأ حوار السيدة أمينة بنخضرا، مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، سيلاحظ أنها تتعمد بشكل صارم ضبط المفاهيم و تنتقي كلماتها بعناية فائقة، كونها لا تريد أن تبيع الوهم للمغاربة، عكس ما يفعله السياسيون، فهي لم تقل باندفاع الفاعل السياسي أن المغرب سيصبح قريبا دولة بترولية و أن المغرب نائم على ملايير الأمتار المكعبة من الغاز و البترول و أننا قريبا سنرتدي العمامات الخليجية و سنبني ناطحات السحاب بفعل عائدات البترول و الغاز الذي سنصدره للعالم، لكنها في مقابل ذلك لم تغلق الباب أمام إمكانية وجود اكتشافات مهمة محتملة خاصة في مناطق “الأوفشور”، و تقول أن هذه المناطق ليست مكتشفة بما فيه الكفاية. السيدة أمينة بنخضرا قليلة الخرجات الاعلامية، تقول في هذا الحوار أن المغرب سبق له أن اكتشف الغاز بمنطقة “مسقالة” بحوض الصويرة، و بفضل غازه يتم تزويد معامل المكتب الشريف للفوسفاط، و في نفس المنطقة تم اكتشاف بئرين بسيدي المختار، كما تم اكتشاف كميات متواضعة والتي تزود الصناعات المحلية الموجودة بالمنطقة، كما تم اكتشاف بئرين للغاز بمنطقة تندرارا، كما أن مجموعة من الآبار في عرض السواحل الأطلسية أظهرت مؤشرات أن فيها عاز ونفط. ****** سبق للسيد وزير الطاقة والمعادن أن قال في كلمته الأخيرة في البرلمان، أن هناك 13 شركة تقوم بعمليات التنقيب عن البترول في المغرب. أنتم في المكتب الوطني للهيدروكربورات تشرفون بشكل مباشر على هذا الملف، ومن المؤكد أنكم تتوفرون على معطيات رسمية وأكثر دقة، هل هناك مؤشرات إيجابية حول اكتشافات مهمة محتملة ؟ تجدر الإشارة أن المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن يقوم بمجموعة من الأشغال الاستكشافية قصد التنقيب عن النفط بكل الأحواض الرسوبية المغربية البرية منها والبحرية بهدف تنمية هذه الموارد وذلك في إطار مخططاته الاستراتيجية. وتتم هذه الأشغال إما في إطار البرامج الخاصة بالمكتب وبموارده الذاتية أو عبر اتفاقيات الشراكة التي تربطه مع شركات وطنية ودولية. وكنتيجة لهذه المجهودات تم اكتشاف الغاز والمكثفات بمنطقة “مسقالة” بحوض الصويرة مطلع الثمانينات من القرن الماضي والتي تزود معامل المكتب الشريف للفوسفاط. وفي نفس المنطقة تم اكتشاف مؤشرات للغاز ببئرين بسيدي المختار سيتم تقييمهما مستقبلا. أما في منطقة الغرب فقد تم اكتشاف الغاز بكميات متواضعة والتي تزود الصناعات المحلية الموجودة بالمنطقة. وبمنطقة تندرارة، بالجهة الشرقية للمملكة، قام المكتب وشركاؤه سوند انرجي وشلومبرجيSound Energy/Schlumberger خلال الفترة الممتدة بين سنة 2016-2018 بحفر مجموعة من الآبار، في رخصة البحث تندرارة الكبير، أظهر اثنان منها وجود حقل للغاز. وتبعا لذلك تم إعطاء رخصة امتياز لهذين الشركتين من أجل بدء عملية تطوير الحقل المكتشف بعد إنجاز الدراسات المتعلقة بالجدوى الاقتصادية والتمويل قصد الإنتاج. وفي مناطق أخرى من البلاد، وخاصة في عرض السواحل الأطلسية (طنجة، العرائش، أڭادير، طرفاية، بوجدور……( فإن بعض الآبار التي أنجزت مؤخرا أظهرت مؤشرات للغاز والنفط و التي تبقى غير اقتصادية. إلا أنها وبالرغم من ذلك فإنها تدل على تواجد أنظمة بترولية نشيطة، مما يحتم متابعة الأشغال الاستكشافية في تلك المناطق بحفر المزيد من الآبار. كم من رخصة تم منحها إلى حد الآن لشركات التنقيب الأجنبية ؟ ترتكز استراتيجية المكتب بصفة عامة على تغطية المراحل الأولى فقط من عملية التنقيب عن الهيدروكاربورات، ثم القيام بعملية الترويج قصد جلب مستثمرين أجانب لتطوير وتنمية هذه الموارد. وكنتيجة لهذه الاستراتيجية و نظرا للظرفية العالمية الصعبة توجد حاليا 14 شركة تنقيب عن البترول والغاز بالمناطق البرية والبحرية للمملكة حيث تغطي 34 رخصة في اليابسة و34 رخصة بالبحر و7 رخص استغلال. بلغة الأرقام، أين وصلت عملية التنقيب عن البترول بالضبط ؟ يجب الإشارة الى أن عملية التنقيب عن الهيدروكاربورات تتسم بالمجازفة والرسملة، كما يجب التذكير أن هذا القطاع عرف انكماشا مهما على الصعيد الدولي خلال السنوات الأخيرة وذلك نتيجة انخفاض سعر البترول. ورغم هذه الظرفية الصعبة واصل المكتب وشركائه عملية التنقيب في جميع الاحواض المغربية. وبلغة الأرقام كما قلتم أخذا بعين الاعتبار المدة الممتدة من 2016 إلى الآن قام المكتب بإمكاناته الذاتية بإنجاز عدة أشغال همت على الخصوص تسجيل واستقراء 1300 كلم من الاهتزازات الثنائية الأبعاد بكل من المسيد بالأقاليم الجنوبية وكذا بعدة مناطق شمال المملكة. وكذا استقراء وتأويل المعطيات الاهتزازية الثنائية والثلاثية الأبعاد بباقي جهات المملكة والتي كانت موضوع عدة حملات ترويجية لدى الشركات العالمية وبالموازاة مع هذا قام المكتب وشركائه خلال نفس الفترة بإنجاز 5900 كلم من المسح الاهتزازي الثنائي الأبعاد وكذا 25100 كلم مربع من المقاطع الاهتزازية الثلاثية الأبعاد والتي تم استقراؤها وتأويلها فيما بعد. وبناء على نتائج هذه المعطيات قام شركاء المكتب بحفر عدة آبار استكشافية ببعض الأحواض الرسوبية والتي أبانت إما عن وجود كميات من الغاز بالمناطق السالفة الذكر أو وجود مؤشرات إيجابية بمناطق أخرى. وعلى العموم لابد من الإشارة أن المغرب يبقى بلدا غير مستكشف بما فيه الكفاية حيث أن معدل الحفر يقدر ب 0.04 بئر لكل 100 كلم مربع مقارنة مع نفس المعدل على الصعيد العالمي والذي يصل إلى 10 آبار لكل 100 كلم مربع. وتبين هذه الأرقام أهمية رفع مستوى الاستثمارات الذي يطلبها هذا القطاع وكذا الدور المحوري للمكتب في مجال ترويج مؤهلات الاحواض الوطنية على المستوى العالمي. ما هي حقيقة ما يتداول عن توفر إمكانية كبيرة للعثور عن البترول في مناطق “الأوفشور” ؟ يجب توضيح شيء مهم وأساسي بالنسبة للمناطق البحرية للمغرب على الواجهتين الأطلسية والمتوسطية والتي تغطي مساحة تفوق 360.000 كلم مربع حيث أنه ومنذ بدء عملية التنقيب عن البترول منتصف القرن الماضي إلى حدود الآن بهذه المناطق لم يتم حفر إلا 44 بئرا استكشافيا اثنان منهم في البحر الأبيض المتوسط. هذا معناه أن “الأوفشور” ليس مستكشفا بما فيه الكفاية. كما نؤكد على أهمية عمليات الحفر التي تبقى الوسيلة الوحيدة للتأكد من وجود البترول من عدمه. لهذا يقوم المكتب بمجهودات كبيرة قصد جلب المزيد من الشركات الأجنبية للاستثمار في هذا المجال بغية حفر المزيد من الآبار الاستكشافية والتنموية. من جهة أخرى ومقارنة بعمليات التنقيب في اليابسة، فإن التنقيب “بالأوفشور” تتطلب استثمارات مهمة إذ تكلف عملية حفر بئر واحد أكثر من 100 مليون دولار أي مليار درهم، مع التذكير بتواجد نسبة عالية من المخاطرة بصفة بنيوية وخاصة في المراحل الأولى من الأبحاث. رغم كل هذا فإن عمليات التنقيب خصوصا بالمحيط الأطلسي أبانت عن مؤشرات إيجابية ببعض المناطق. مثل البترول الثقيل بعرض طرفاية، ثم الغاز بكل من منطقة العرائش شمالا وبوجدور جنوبا، وكذا مؤشرات عن تواجد البترول بعرض سيدي إفني. لكن تبقى هذه الاكتشافات دون جدوى اقتصادية. وتتطلب المزيد من الدراسات والاستثمارات من أجل تقييم أدق لمؤهلاتها. ما حجم الاستثمارات التي أنجزت في ميدان التنقيب عن البترول في المغرب والمبرمجة مستقبلا؟ لقد وصل حجم الاستثمارات منذ سنة 2000 إلى حدود 2019 ما مجموعه 700,27 مليار درهم 96% منها ممول من طرف الشركات الأجنبية بإمكانياتهم الذاتية. ومن المنتظر أن يبلغ حجم الاستثمارات خلال السنوات القليلة المقبلة 97,3 مليار درهم معظمها ممول من طرف الشركات الأجنبية. ما موقف مكتبكم من إعلانات وبلاغات الشركات الأجنبية حول اكتشاف احتياطات ضخمة جدا من الغاز والنفط في المغرب، خاصة وأن هذه البلاغات تبعتها في أكثر من مرة توضيحات من طرف المسؤولين عن القطاع تتحدث عنها بحذر شديد؟ يعتبر هذا السؤال مهما جدا لأنه سيمكننا من توضيح أمرين اثنين: أولا، يجب التذكير أن جل الشركات ملزمة بإبلاغ مساهميها بسير عمليات التنقيب في المناطق التي يشتغلون فيها وكذا النتائج المحصل عليها وذلك في إطار متطلبات التدبير المتعارف عليها عالميا. ثانيا، هذه مناسبة لرفع اللبس حيال المصطلحات المستعملة من طرف بعض المنابر الاعلامية فيما يخص الاحتياط النفطي أو البترولي. ذلك أن جل الشركات تتحدث كثيرا عن وجود موارد وليس احتياطي قابل للاستغلال. وحتى إن استعملت هذه الكلمة فإنها تبقى بصيغة الاحتمال. لهذا وجب الانتباه إلى ضرورة الاستعمال الصحيح للمصطلحات المتعلقة بقطاع يتسم بالمجازفة. هل يمكن أن نصل يوما لأن يكون المغرب دولة مصدرة للغاز أو النفط ؟ بالرغم من طبيعة هذا المجال الذي يتصف بالمجازفة والتحفيز، فإن المكتب سيواصل مجهوداته قصد رفع الاستثمارات والشراكة بهدف تحسين معرفة مؤهلات أحواضنا الرسوبية. ومن أجل هذا، فان المكتب يحرص على تتبع المستجدات التكنولوجية عبر برامج يقظة تقنية وكذلك على ضمان مستوى عال من الترويج على الصعيد الدولي. من أجل كل المعطيات السالفة الذكر، فإننا سنبقى متفائلين بشأن مستقبل هذا القطاع.