Getty Images مرت نحو خمسة أسابيع من الاحتجاجات الغاضبة على فساد النظام المذهبي في لبنان، التي تطالب برحيل النخبة السياسية التي حكمت البلد لعقود. كيف ينظر رجال الأعمال في لبنان وخارجه إلى ما يجري اليوم؟ تلعب الجاليات اللبنانية في الخارج دوراً مهمّاً في دعم الاقتصاد اللبناني. ففي العام الماضي، تخطّت قيمة الحوالات المالية من الخارج إلى لبنان سبعة بلايين دولار. وتشارك الجاليات اللبنانية اليوم في تنظيم وقفات احتجاجية في مختلف بلاد العالم دعماً لمطالب المتظاهرين في وطنهم الأمّ. * مظاهرات لبنان: هل يتجه لبنان إلى كارثة بسبب الدعوات إلى إضراب عام؟ * مظاهرات لبنان: في حكاية ارتفاع الأسعار..”كلٌ يغني على ليلاه” تتابع دانا ترومتر، مديرة شركة إنتاج في لندن ومقيمة في بريطانيا منذ التسعينيات، الأحداث الجارية في لبنان منذ منتصف أكتوبر، بعدما تسبّب اقتراح زيادة الضريبة على اتصالات تطبيق الواتساب في خروج مظاهرات ضخمة في مختلف المناطق اللبنانية، احتجاجاً على سوء الإدارة الاقتصادية، وعلى الفساد والبطالة وضعف الخدمات العامة. بي بي سي التقت أيضاً محمد كوسا، مالك شركة مواد غذائية ومدير أعمال أخرى في بريطانيا، والمصرفي السابق داني حكيم، مالك شركة مبتدئة في مجال التكنولوجيا، إذ تربطهما بلبنان علاقات عائلية ومشاريع أعمال، وهما أيضاَ يملكان رؤية عن التغيير المطلوب في بلدهما. ويقول داني المؤيد المتحمس للتظاهرات الجارية في لبنان: “أتذكر كيف نشط الانستغرام بقوّة في أكثر من تسعين مدينة، في أكثر من 35 دولة، خلال 24 ساعة، لم أر مثل هذه الوحدة بين الناس قبل ذلك. أعتقد أنها فعلاً ثورة الشباب والنساء، والحب”. نظام المحاصصة الطائفية تبدو دانا أكثر حذراً، وتتذكر الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، وجيل أهلها الذي نزل إلى الشوارع رفضاً للحرب الأهلية، فتقول: “كانوا يأملون في عدم وقوع حرب أهلية، لكنها وقعت”. لكنها توافق في الوقت ذاته أن اللبنانيين لن يقبلوا بالوضع الراهن، وتؤكد “ليس هناك عودة إلى الوراء”. جميعهم فخور بالطابع اللاطائفي للمظاهرات، خاصة في لبنان الذي يقوم على نظام محاصصة طائفية معقّد، حيث يشكّل المسلمون السنّة والشيعة والمسيحيون الموارنة، الطوائف الثلاث الأكبر حجماً. وتدخل هذه التركيبة في النظام المؤسساتي، فتتوزع المقاعد البرلمانية بين المسلمين والمسيحيين، وتكون رئاسة الوزراء من حصّة السنّة، ورئاسة المجلس النيابي من حصّة الشيعة، ويحصل الموارنة على كرسي رئاسة الجمهورية. BBCالقطاع المصرفي في لبنان يواجه انتقادات وتطال هذا النظام انتقادات تعتبر أنه يُبقي الطبقة الحاكمة ذاتها في الحكم، وأنه يسمح للسياسيين بإعطاء الأولوية لمصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الدولة. كما أن تدهور الاقتصاد وانحدار المستوى المعيشي سببان رئيسيان لتصاعد موجة الغضب لدى اللبنانيين. ويقول محمد كوسا إنه حين باشر في إدارة الأعمال التجارية منذ سبع سنوات، كان يخطط للوصول الى اتفاق حول السوق الحرة مع الاتحاد الأوروبي، “كنت أبحث عن استيراد منتجات أوروبية، وكنت أعتمد على هذا الأمر للصمود، الآن يقولون أن هناك عجزاً ويجب إيقاف هذا الإجراء”. وأضاف كوسا: “يريدون أن تتوقف التجارة، أين المنطق في هذا؟ ليس هناك أي رؤية سياسية”. ويروي داني حكيم تجربته الخاصة، حينما قرّرت الحكومة اللبنانية دعم القطاع التكنولوجي واستعادة اللبنايين الخبراء العاملين في القطاع من الخارج، لكنه تحدث أيضاً عن عقبات. ويتابع: “يستغرق إنشاء شركة في المملكة المتحدة ساعتين، وتبلغ الكلفة عشرة جنيهات استرلينية، بينما يحتاج الأمر في لبنان إلى عشرات الرخص، ويكلّف الآف الجنيهات، كيف أستطيع تبرير هذا؟”. نقص في الدولار يسود لبنان الإحباط بسبب سوء الإدارة الاقتصادية. وعمدت المصارف منذ انطلاق التظاهرات إلى وضع قيود على تحويل مبالغ بالدولار إلى الخارج، مما يمثّل مشكلة حقيقية لمالكة شركة “آي بي تي”، آية عيسى، التي تتعامل مع الشركات العالمية المصدّرة للوقود. وتصف آية الإجراءات غير الرسمية للتحكم في رؤوس الأموال بأنها “خطيرة فعلاً”؛ لأنها غير منظمّة من قبل المصرف المركزي. وشرع المتظاهرون في متابعة أزمة صرف العملة في البلاد بسبب نقص الدولار في المصارف التجارية. وسبق لأفران الخبز ومحطات المحروقات أن دعت لإضراب بعد طلب موردي النفط والقمح الدفع بالدولار. يقول الصحفي الاقتصادي السابق ومؤسس شركة “تراينغل ديفيلوبمنت” الاستشارية، سامي حلبي، إن هناك تضارب مصالح لأن الشخصيات السياسية النافذة تملك مصارف تساهم بحصة كبيرة من الدين العام”. ويضيف حلبي: “الطبقة الحاكمة تتسلل عبر الضرائب غير المباشرة من خلال الضريبة على الخدمات وضريبة الواتساب الشهيرة. والبنية الاقتصادية تعمل عكس مصالح الناس”. ليس حلبي الوحيد الذي ينتقد دور المصارف في لبنان في الأزمة الاقتصادية. فقد اعتصم العديد من المتظاهرين أمام المصرف المركزي وأمام المصارف الخاصة المهمّة. بينما يرى نسيم غبريل، كبير الاقتصاديين في “بنك بيبلوس”، ثالث أهم مصرف في لبنان، أن الانتقادات التي طالت القطاع المصرفي كانت غير عادلة. Getty Images وأضاف أن مصارف لبنان “تحمّلت مسؤولية المساهمة على مدى 25 عاماً في الاستقرار الاقتصادي وبالتالي الاستقرار الاجتماعي”، متمنياً أن يرى الطبقة السياسية تتصرف بالمثل. وبلغت نسبة البطالة في لبنان 37 في المئة لمن هم دون 35 عاماً، لذا من البديهي أن تكون غالبية المتظاهرين من فئة الشباب. يقول حلبي إن لديه فائضاً من طالبي الوظيفة من أصحاب الكفاءة. ويضيف: “نوفّر للبلاد نحو 3000 إلى 4000 وظيفة تتطلب خبرة ومعرفة، لذا، يتخطى طموحك كشاب اليوم ما يوفّره السوق، فتغضب”. بالسؤال عن مصير لبنان خلال سنة، يقول محمد كوسا: “ندور في عقدة خبيثة، إذ نظنّ أن اقتصادنا في طريقه للإنهيار، فيسرّع تصرفنا هذا الانهيار”. ويعتقد أن كثير من الناس مستعدون لاتخاذ قرارات مالية مختلفة، لو كانت هناك ثقة في حكّام يدفعون بعجلة الاقتصاد إلى الأمام”. ويؤكد كوسا أنّه على السياسيين، والناس، والمصارف، والمدخرين، التوقف عن تقاذف الاتهامات، قائلاً “بعد ثورة جميلة بريئة ووحدوية، فقدان الأمل سيكون دراماتيكياً”. بينما تتساءل دانا “هل سنسحق مجدداً؟ لكنها تقول “لقد تخلّصنا من وصمة العار – الانتماء السياسي، الوحدة أصبحت أقوى”. وركّز داني على الدور الذي يمكن للبنانيين المغتربين أن يقوموا به: “إن أحسنّا التصرّف، سيكون لدينا نظام اقتصادي أقوى، مدعوماً من المغتربين عبر إعادة إرسال الأموال والاستثمار”. ويضيف: “خدمة إنترنت سريعة، وخدمة 24 ساعة كهرباء، قد تفتح مجالات أمام الاقتصاد اللبناني”، ويؤكد “أنا متفائل، أعتقد أنه باستطاعتنا بناء نظام اقتصادي قوي إن عملناً معاً واستمرينا ككتلة واحدة”.