تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر والعراق ولبنان.. الربيع مستمر
نشر في اليوم 24 يوم 10 - 11 - 2019

ما إن وضعت ثورة السودانيين ضد نظام عمر البشير أوزارها، حتى كانت المنطقة العربية مع اشتعال بؤر ثورية جديدة، في كل من لبنان والعراق، اللتان التحقتا بالبؤرة الجزائرية المتقدمة منذ أكثر من ثمانية أشهر. البلدان العربية الثلاث التي تشهد احتجاجات شعبية حاليا، تتسم باشتراكها في وجود “فزاعات” محلية مختلفة، ظلت تحول دون أي حراك الشعبي، وهي فزاعة العشرية الدموية والانزلاق نحو حرب أهلية في الجزائر، وفزاعة الانقسام الطائفي في لبنان، وفزاعة الهيمنة الإيرانية عبر ميليشياتها في العراق.
أكثر هذه “الحالات الثورية” إثارة للانبهار والإعجاب الدوليين، هي التي تعيشها لبنان منذ أيام، حيث ظلّ هذا البلد يرتبط بالمحاصصة الطائفية.
المحلل السياسي، والخبير الاقتصادي عاصم سليم قال ل”أخبار اليوم”، إن قواعد اللعبة تغيرت في لبنان، “الذي دخل منعطفا خطيرا جدا، بعد اندلاع موجة الاحتجاجات التي وحدت جل مناطق البلد وجميع طوائفه والتي وحدها حكومة الحريري تتحمل مسؤوليتها”. ووصف سليم، في تصريحه ل”أخبار اليوم”، الإجراءات التي أعلنتها الحكومة بكونها تفتقر إلى السياسة الاقتصادية السليمة “ولا يمكن إلا أن نضعها في خانة اللخبطة المتسببة في كل ما يعيشه البلد حاليا”، مشيرا إلى أنه ومنذ تشكيل الحكومة اللبنانية لم تنجز أي مشروع نهائي ينهض بالبلد اجتماعيا واقتصاديا، في ظل تراكم الديون الخارجية”.
انتفاضة لبنان التي لم يشهد التاريخ الحديث للبلد حالة مماثلة لها، خاصة في غلوها ضد الطبقة الحاكمة، تمثل نقطة تحول مهمة في التاريخ السياسي المثير للجدل لحقبة ما بعد الحرب الأهلية بالبلد بين 1975و1990. وخلافا لسابقاتها بدأت ثورة 2019 بلبنان من الطبقات الفقيرة، من العاطلين عن العمل أو العاطلين جزئيا، والتي هي عادة العمود الفقري والشريحة الانتخابية للأحزاب الطائفية المهيمنة من خلال شبكات معقدة من الزبائن التي انقلبت ضد رعاتها.
من جانبها، تعيش جارتنا الشرقية الجزائر الشهر الثامن على التوالي من الحراك، حيث مازال الشارع الجزائري يغلي ضد حكامه. الجزائريون خرجوا، أمس، دون كلل أو تعب، وذلك للجمعة 38 على التوالي منذ 22 فبراير 2019، في إصرار غير مسبوق وسط المنطقة العربية على تحقيق المطالب؛ نظام سياسي جديد منتخب من قبل الشعب، ومتحرر من سيطرة المؤسسة العسكرية، ومن النخب القديمة. يحصل ذلك، بينما تمضي الحكومة الحالية نحو تنظيم انتخابات رئاسية يوم 12 دجنبر المقبل، بدعم واضح من قيادة أركان الجيش، وهو ما يرفضه الحراك الشعبي، الذي عاد للتظاهر بقوة يوم الجمعة الماضي، فاتح نونبر الجاري، الذي يرى أن الجيش يريد الالتفاف على مطالب الشارع بفرض نخبة ستعيد إنتاج نظام بوتفليقة، الذي أجبره الشارع على الرحيل في مارس الماضي. فإلى أين تتجه الأوضاع في الجزائر؟ هل ينتصر الشارع في فرض إرادته، أم يستطيع الجيش فرض إرادته مرة أخرى؟ وما السيناريوهات المتوقعة في هذا الإطار؟
يظهر أن الجزائر أمام مستقبل غائم، فمن جهة، يبدو الشارع صلبا ومصرا على إحداث التغيير الحقيقي في أسس نظام الحكم، ومن جهة ثانية، يبدو الجيش متصلبا وعازما على فرض إرادته، بأن يكون التغيير تحت السقف الذي يرتضيه، وبما لا يخل بالتوازنات القائمة وفي صلبها الجيش، ما يجعل الجزائر أمام خيار واحد ممكن انتخابات تفرز مؤسسات جديد بشرعية أقل، تتولى، مرحليا، إدارة حوار وطني من أجل دستور جديد، أما الخيار الثاني، فهو خروج الشارع عن السيطرة في حال أصر الجيش على فرض إرادته، وهو احتمال ضئيل، بالنظر إلى ماضي الجزائر المؤلم.
وعلى غرار بلدان عربية أخرى، اندلعت بها موجات جديدة من ثورات الربيع العربي كما حصل في لبنان ومصر والجزائر، تعيش العراق في قلب حراك شعبي غير مسبوق، اندلعت شرارته القوية تحت مسمى “ثورة شباب الرافدين”، عمت أرجاءها العاصمة العراقية بغداد، ومدن عراقية أخرى منذ مطلع الشهر الجاري. حراك متصاعد تخللته مظاهرات شعبية واسعة قادتها فئات شبابية، من دون توجيه ديني أو سياسي أو طائفي، لعبت فيه منصات التوصل الاجتماعي دورا رئيسا، ولتصاعد غضب المتظاهرين، الذي واجهته الأجهزة الأمنية بعنف شديد أسقط المئات من الضحايا.
الحراك الشعبي العراقي تطور إلى ثورة شعبية عارمة، نتيجة القمع المفرط، وتعددت أسباب خروج المشاركين فيه، لكنهم مجمعون على رفض الفساد السياسي، وضعف خدمات الحكومة العراقية التي فشلت على ما يبدو في صد احتجاجات الشباب على ارتفاع البطالة التي بلغت نسبا عالية، أسباب في نظر المتتبعين العراقيين مركبة بين اقتصادية وسياسية، أنتجها تسلط الأحزاب والمليشيات على العراقيين.
هذه الاحتجاجات الشبابية المتصاعدة، تساهم في نظر المهتمين بقضايا الحراك الشعبي، محاولة لإعادة تشكيل موقف هوياتي جديد داخل المجتمع العراقي بكل أطيافه وتمثلاته الدينية المتباينة، سيعكس حسب المتتبعين، تحولا لافتا داخل المجتمع الشيعي أساسا الذي يهيمن على مراكز القرار، لتعيد الاحتجاجات تشكيل المشهد العراقي وتخلصه في نظر بعض الباحثين من مركزية الهوية الدينية الطائفية، نحو اهتمام أكبر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة لما خلفه نظام المحاصصة من نتائج كارثية لفساد نخبه السياسية.
يشهد لبنان منذ 17 أكتوبر الماضي حالة من الغليان على مستوى الشوارع والمحافظات، احتجاجا على أشهر من التقشف والظروف الاقتصادية القاسية ونقص في قيمة الدولار الأمريكي أدت إلى تهديد تمثل بخفض قيمة العملة اللبنانية وأزمة محتملة في البنزين والخبز، مع استمرار انقطاع الكهرباء والمياه وأسبوع كارثي من حرائق الغابات التي دمرت البلاد، فضلا عن فرض الحكومة رزمة جديدة من الضرائب، منها تلك المتعلقة بالاتصالات عبر تطبيق “الواتساب”، وعلى الرغم من إلغاء الحكومة اللبنانية لتلك الضرائب تجاوبا مع غضب الشارع، إلا أن الأوضاع الميدانية والسياسية بالبلد دخلت في منحنى جديد من التصعيد ذهب حتى المطالبة بإقالة الحكومة وإسقاط النظام السياسي في البلاد، والقائم على (اتفاق الطائف)، الموقع في المملكة العربية السعودية عام 1990، والذي يستند في أساسه إلى المحاصصة الطائفية.
اقتصاد من سيئ إلى أسوأ
وبالرغم من كون أسباب الانتفاضة الشعبية في لبنان، لا تنحسر فقط، في ما يتعلق بفرض ضرائب جديدة على المواطنين، إلا أن عشرات من اللبنانيين كانوا ينظرون إلى الإجراءات ذاتها، التي ناقشتها الحكومة عقب مشروع المحاصصة ل2020 قبل أن يتم إلغاؤها لاحقًا بعد ضغط الشارع، على أنها انعكاس “مبتذل” لإهمال الحكومة التام لمصاعب الناس ومنحها الأولوية لحماية مصالح الطبقة العليا الحاكمة، على حساب غالبية السكان التي تعاني ويلات الأزمة الاقتصادية المتدهورة جدا، والتي سجلت معدلات قياسية للدين العام في العالم بالنسبة إلى حجم الاقتصاد الذي يشهد نموه تراجعا كبيرا، على خلفية حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، حيث سجلت نسبة البطالة في صفوف الشباب نحو 38 في المائة.
ويشهد لبنان عجزا في السيولة المالية بسبب قلة تدفقات رأس المال الذي يعتمد أساسا على التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون. كما يشهد الاقتصاد الفعلي أزمة حقيقية بسبب عدم توفير العملة الأجنبية المتمثلة أساسا في الدولار بسعر الصرف المحدد، وبسبب الجمود السياسي وعدم إجراء تغييرات يتردد المانحون الأجانب في عرض مساعدات مالية للبنان في الوقت الحالي، ما ساهم بشكل مباشر في تأزيم الوضع للتطور الأمور إلى مظاهرات شعبية عارمة تجتاح البلاد.
ودعت المظاهرات الشعبية، التي اندلعت من ساحة “الشهداء” بالعاصمة بيروت لتشمل كل ربوع البلد، إلى النزول إلى الشارع ومواصلة التصعيد بشكل متسارع في وجه الحكومة الحالية، حيث يطالب المحتجون من كل الأعمار والطبقات الاجتماعية والأطياف السياسية، على اختلافها، بإقالة حكومة الحريري، تحت شعار: “كلن يعني كلن”.
وبالرغم من خروج رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في اليوم الموالي بخطاب يدغدغ مشاعر المحتجين، وصف فيه الاحتجاجات الشعبية ب”الوجع الحقيقي” الذي انفجر في الشارع اللبناني، وأن الشعب أعطى الطبقة السياسية الحاكمة أكثر من فرصة، ولكنها لم تقدّم شيئاً في المقابل، إلا أن الأمر لم يجدي نفعا مع المحتجين الذين قرروا الاستمرار في التصعيد وغلق الطرق والمعابر مع إضرابات وطنية متواصلة.
الحريري وقتها طالب “شركاءه السياسيين في التسوية والحكومة” باتخاذ قرار سريع جداً للمضي قدماً في مهمة “التغيير والإصلاح” وتقديم خطة بديلة خلال 72 ساعة، وإلا سيكون له رأي آخر، وهو ما حدث فعلا عندما فشلت حكومة زعيم “تيار المستقبل”، في امتصاص غضب الشارع، بالرغم من إقالة 4 وزراء من منصبهم استجابة لمطالب المتظاهرين.
وتشمل القرارات الإصلاحية، التي أعلنها الحريري في وقت سابق، خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50 في المائة، ومساهمة المصرف المركزي والمصارف اللبنانية بنحو خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل 3.3 مليار دولار لتحقيق “عجز يقارب الصفر” في ميزانية 2020، كما تضمنت خطة لخصخصة قطاع الاتصالات وإصلاح شامل لقطاع الكهرباء المهترئ، وهو مطلب حاسم من المانحين الأجانب للإفراج عن 11 مليار دولار.
اللبنانيون والمصل المضاد للطائفية
انتفاضة لبنان التي لم يشهد التاريخ الحديث للبلد حالة مماثلة وهائلة لها، خاصة في غلوها ضد الطبقة الحاكمة تمثل نقطة تحول مهمة في التاريخ السياسي المثير للجدل لحقبة ما بعد الحرب الأهلية بالبلد بين 1975و1990، بحسب ما ذكره الصحافي اللبناني أحمد محي الدين، الذي وصف الوضع الحالي في بلده، ب”الغليان الشعبي غير المسبوق” الذي تسبب فيه إمعان “السلطة المحلية والممسكة بزمام البلاد منذ ما بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وجعل مسؤولي الميليشيات يخلعون الثياب العسكرية بربطة عنق مدنية”.
محي الدين، وفي حديثه ل”أخبار اليوم”، أشار إلى أن: “السيل بلغ الزبى، بالنسبة إلى الشعب الذي أتخن بالضرائب المباشرة وغير المباشرة، والتي تطال الفقراء حصرا وتزيد إفقارهم، مقابل تضخيم ثروات القابعين على الكراسي وزبائنهم وحاشيتهم، فضلاً عن بعض الضباط الأمنيين ورجال الأعمال”.
وبخصوص ما إذا كانت مطالب الاحتجاجات واقعية، في ظل تعدد الطوائف في البلد، يقول محي الدين إن: “الشعب كان يتم إسكاته عبر النزعات الطائفية والمذهبية وكأن الدين إبر مورفين، لكن بعد هذه التظاهرات بدأ الشعب اللبناني يعي أكثر فأكثر ماهية السلطة وشاغليها، وبالتالي، تم كسر الطابوهات السياسية. واليوم، أصبح المسؤولون من أعلى الهرم إلى أسفله يتحسسون رقابهم، إذ اهتزت كراسيهم أمام غضب الشارع الذي سيبقى مستمرا بصوت: “الشعب يريد إسقاط النظام”.
محي الدين اعتبر ورقة الإصلاحات التي قدمها الحريري الابن “غير كافية وكان يمكن تطبيقها منذ عهد والده أي منذ 1992، مشيرا إلى أن “مطلب إسقاط الحكومة أساسي وهي ترنحت باستقالة 4 وزراء وبالتالي، المطلب اليوم، هو بأن يتساقطوا كأحجار الدومينو”.
وفيما يتعلق بأعمال الشغب والمواجهات التي عرفتها المظاهرات وعرفت استخدام القوة المفرطة من خلال ضرب المحتجين واعتقالهم، يحمل محي الدين، المسؤولية لمن سمّاهم “مجموعات ميليشاوية تابعة للسلطة”، والتي لم تستوعب “المشهد، ولاسيما في مناطق الجنوب المحكومة من الثنائية الشيعية منذ 1992″، مشيرا إلى أن “ما حدث من شغب أدى إلى تصادم مع الأمن قامت به “شبيبة الشغب الميليشاوية”، والتي تهدف إلى “ضرب الحراك، لكن هذه المرة لم ينجحوا كما كانوا يفعلون قبلا”، يقول المتحدث. من جهتها، استنكرت “هيومن رايتس ووتش” استخدام قوات الأمن اللبنانية للقوة المفرطة، “وغير الضرورية ضدّ متظاهرين وسط بيروت”، مشيرة إلى أن شرطة مكافحة الشغب التابعة إلى “قوى الأمن الداخلي أطلقت الغاز المسيل للدموع على آلاف المتظاهرين السلميين إلى حدّ كبير، ومنهم أطفال، وسط بيروت. كما عمد الجيش إلى إخلاء المناطق، باستخدام القوة المفرطة أحيانا، في الوقت الذي أطلقت فيه شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين الفارين”. المحلل السياسي، والخبير الاقتصادي، عاصم سليم، قال إن “قواعد اللعبة تغيرت في لبنان، الذي دخل منعطفا خطيرا جدا، بعد اندلاع موجة الاحتجاجات التي وحدت أغلب مناطق البلد وجميع طوائفه، والتي وحدها حكومة الحريري تتحمل مسؤوليتها”.
ووصف سليم، في تصريحه ل”أخبار اليوم”، الإجراءات التي أعلنتها الحكومة بكونها تفتقر إلى السياسة الاقتصادية السليمة “ولا يمكن إلا أن نضعها في خانة اللخبطة المتسببة في كل ما يعيشه البلد حاليا”، مشيرا إلى أنه ومنذ تشكيل الحكومة اللبنانية لم تنجز أي مشروع نهائي ينهض بالبلد اجتماعيا واقتصاديا، في ظل تراكم الديون الخارجية”.
وبخصوص ما إذا كان لبنان يرتقب تغييرا على مستوى النظام القائم، استجابة لمطالب ثورة لبنان، التي يعتبرها المراقبون امتدادا لثورات الربيع العربي، يقول سليم أن “هذه التظاهرات غير مسبوقة، فهي غير حزبية أو طائفية فحتى هؤلاء الذين يشاركون فيها يتخلون عن قبعاتهم الحزبية والطائفية قبل النزول إلى الشارع، وتغيير النظام قائم مادام الشارع يطالب بالإطاحة بجميع الرؤوس في الحكومة اللبنانية، بدءا من رئيس الجمهورية، ميشيل عون، ومرورا برئيس الوزراء سعد الحريري وحكومته، وانتهاء برئيس البرلمان نبيه بري”.
وما يمكن تسجيله بشكل خاص على انتفاضة لبنان الأخيرة، وعلى عكس سابقاتها، هو خروج المواطنين إلى الشوارع وإعلانهم عصيانا مدنيا للتنديد بالطبقة الحاكمة التي تقف حامية لمصالحها الطبقية الخاصة، بما يتجاوز الانقسامات الطائفية التي هي “عادة تكتيك فعال ينشره القادة لتقسيم الشارع اللبناني المتعدد الطوائف”، حسب المحلل السياسي سليم، وينظر للنطاق الجغرافي المتسع لهذه الاحتجاجات، في بلد تحكمه حسابات طائفية، على أنه مؤشر شعبي على الغضب تجاه الساسة على اختلاف أطيافهم والذين ساهموا معاً في وصول لبنان لوضع الأزمة، ويبدو أن اللبنانيين أنفسهم، قد وضعوا مسألة الطائفية خلف ظهورهم حين نزلوا إلى الشارع، فلم يمكن لأحد أن يلحظ إلى أي تيار ينتمي من يقف إلى جواره.
وخلافا عن سابقاتها بدأت ثورة 2019 بلبنان من الطبقات الفقيرة، من العاطلين عن العمل أو العاطلين جزئيا، والتي هي عادة العمود الفقري والشريحة الانتخابية للأحزاب الطائفية المهيمنة من خلال شبكات معقدة من الزبائن التي انقلبت ضد رعاتها. أما بخصوص أساليب الاحتجاج، فتمثلت، أساسا، في حواجز الطرق والعصيان المدني، خاصة في المناطق الحساسة بالبلد بما فيها البقاع، طرابلس، النبطية، صور وزوق وبأعداد هائلة، كما قطع المتظاهرون الطرقات الرئيسة في لبنان، كالطريق السريع الساحلي والطريق الدولي مع سوريا، فضلا عن اعتماد المحتجين على شعارات غاضبة من الطبقة السياسية، من قبيل “الشعب يريد إسقاط النظام”، وأخرى تطالب رئيس الحكومة سعد الحريري بالاستقالة، بالإضافة إلى استقالة حكومته.
مع استمرار غليان الشارع في أكثر من منطقة لبنانية، لم تأتِ اللقاءات الأخيرة والمتعددة التي عقدها الرئيس المستقيل سعد الحريري مع رئيس الجمهورية، ثم مع وزرائه إلى نتيجة بينة، بخصوص ملامح الحكومة الجديدة، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، فيما يتمسك المحتجون بمطلب حكومة مستقلّة حيادية تضمّ 12 وزيراً غير مرتبطين بالأحزاب السياسية التقليدية، كي تباشر الإصلاحات المطلوبة وتحقق مطلب استعادة الأموال المنهوبة. ويؤكدون على أنهم لن ينسحبوا من الساحات قبل تحقيق مطالبهم، مستخدمين ورقة قطع الطرقات للضغط على السلطة للإسراع بتنفيذ المطالب..
على غرار بلدان عربية أخرى، اندلعت بها موجات جديدة من ثورات الربيع العربي، كما حصل في لبنان ومصر والجزائر..، تعيش العراق في قلب حراك شعبي غير مسبوق، اندلعت شرارته القوية تحت مسمى “ثورة شباب الرافدين”، عمت أرجاء العاصمة العراقية بغداد، ومدن عراقية أخرى منذ مطلع الشهر الجاري. حراك متصاعد تخللته مظاهرات شعبية واسعة قادتها فئات شبابية، من دون توجيه ديني أو سياسي أو طائفي، لعبت فيه منصات التوصل الاجتماعي دورا رئيسا، حيث واجهته الأجهزة الأمنية بعنف شديد أسقط المئات من القتلى وآلاف الجرحى.
الحراك الشعبي العراقي تطور إلى ثورة شعبية عارمة، نتيجة القمع المفرط، وتعددت أسباب خروج المشاركين فيه، لكنهم مجمعون على رفض الفساد السياسي، وضعف خدمات الحكومة العراقية التي فشلت على ما يبدو في صد احتجاجات الشباب على ارتفاع البطالة التي بلغت نسبا عالية، أسباب في نظر المتتبعين العراقيين مركبة بين اقتصادية وسياسية، أنتجها تسلط الأحزاب والمليشيات على العراقيين.
بعض المراقبين يعتقدون أن ما حدث ويحدث في الشارع هو أقرب للغضب الشعبي من الحراك أو الثورة، فالمتظاهرون يشعرون بالنقمة على الطبقة الحاكمة، ويشعرون بالأسى تجاه نوعية الحياة التي يعيشونها، وهذا الغضب تفجر في لحظة ما ونزل إلى الشارع على شكل مجاميع من الشباب بلا رؤوس واضحة أو قيادة.
حسب هؤلاء المتتبعين للحراك، فإن المظاهرات الشعبية هي نتيجة طبيعية لتراكم المشاكل والأزمات في العراق خلال السنوات الماضية، ونتيجة حتمية للتدهور الأمني والاقتصادي الذي تفاقم، فحسب الأرقام الرسمية، فإن الأموال المهدورة فاقت 450 مليارا، كما أن الحكومة العراقية أصبحت مدينة بما يقارب 124 مليار دولار، وباتت البلاد تعاني من غياب البنى التحتية وفرص العمل والأمن والاستقرار.
ليست هذه هي الأسباب الوحيدة لاندلاع حراك بغداد، فالأداء السياسي الضعيف للأحزاب والسلطة الحاكمة كان وراء انتفاضة الشباب العراقيين، وهو غضب واستياء شعبي على الفساد غير المسبوق الذي ضرب أطنابه في البلاد، واحتجاجات على السياسات الحكومية التي امتدت على مدى 16 عاما، من نتائجها أنها خلفت العديد من التراكمات والمشاكل الأمنية والاقتصادية، بفعل المحاصصة الحزبية والطائفية التي وضعت غير المؤهلين في مواضع صنع القرار، يُضاف إلى ذلك الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة.
الحراك الشعبي غير المسبوق في بلاد الرافدين، رفع المشاركون فيه شعارات ومطالب عدة، كان أبرزها محاربة الفساد، والقضاء على البطالة، ومن أبرز شعارات الحراك: “نريد وطنا”، و”ارحل”، أما المطالب، فتتمثل في “حقوق، مثل التعيين وتوفير العمل وتحسين الخدمات”، فكلها حسب المتتبعين شعارات تؤكد على الوعي والثقافة والحزم والحرص والروح الوطنية التي يحملها المتظاهرون، فهم يهتفون باسم الوطن ومحاسبة الفاسدين والمقصرين في جميع المجالات، مطالبين بتغيير النظام الذي حرمهم من أبسط حقوقهم، وهي العيش بكرامة أسوة بباقي البلدان التي تحترم إرادات شعوبها.
الحكومة العراقية، وفي خضم اشتعال العديد من بؤر الاضطرابات حول العالم، لم تستطع أن تمنع المحتجين من إعادة مشهد الانتفاضات الشعبية، وإطلاق الموجة الثانية من تظاهرات الغضب، مباشرة بعد الموجة الأولى التي اتسمت بطابعها الدموي وتناقضاتها الداخلية والخارجية المعقدة، بل إنها عمدت إلى اعتماد سلاح الهجوم الأمني، الذي أسقط ضحايا في الأرواح، لتتجاهل وتصم آذانها عن مطالب الشباب الثائر، فلم يتجاوز عرضها للمحتجين، حسب متتبعين للحراك، سقف “جرعات مسكنة”، أملا في إسكات المتظاهرين وإنهاء احتجاجاتهم، واعدة بحلول ترقيعية لن تفيد، حسب المحتجين، في حل المشاكل التي خرج من أجلها عشرات الآلاف من المتظاهرين.
بعض الجهات العراقية حاولت التشكيك فيمن يقود الحراك الشعبي، إلا أن واقع الحال الذي أجمعت عليه القوى الشبابية الفاعلة في الحراك، كشف أن المظاهرات العراقية شبابية بامتياز، لم تتلق دعما من أي جهة أو فئة معينة، فالمحتجون هم عبارة عن مجموعة من الشباب ولدوا وعاشوا في ظل اليأس والفساد، ولم يعودوا يكترثون بالشعارات السياسية والوعود الحزبية، وهدفهم هو التغيير، بعيدا عن الطائفية وحسابات القادة السياسيين الضيقة، فقوة الحراك هي نتيجة طبيعية لعدم قيادة الرموز السياسية أو الدينية أو الحزبية في العراق لهذه الاحتجاجات المتصاعدة، لأنها تبقى مظاهرات عفوية شبابية تطالب بحقوق اقتصادية واجتماعية واقتصادية مشروعة.
وحسب المحتجين الغاضبين، فإن الفساد حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، تحوّل إلى سياسة ممنهجة في القطاع العام، شلت مختلف القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي تسبب في تردي الوضع الاجتماعي والمعيشي لفئات واسعة من العراقيين، في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتردّي الخدمات العامة الأساسية، وتفاقم المديونية.
كان المجتمع العراقي منذ فترة، يستيقظ كل يوم على أخبار فضائح فساد مدوية تورط فيها وزراء وبرلمانيون ومسؤولون كبار في الدولة، مما كان يشكل صدمة للرأي العام، وهو الأمر الذي يفسر في نظر المتتبعين، اختراق الاحتجاجات الحالية مختلف أطياف المجتمع العراقي ومكوناته، في رسالة مشفرة إلى النخب السياسية، تؤكد بأن الخطاب الطائفي والمذهبي استنفد أغراضه، وأن استعماله وإعادة إنتاجه في الحقل السياسي العراقي لن يجدي نفعا في ضوء تشكيل وعي جديد بعيدا عن نظام المحاصصة الطائفية، وهو الوضع السياسي، الذي عجل باندلاع شرارة الحراك الشعبي، خصوصا في غياب مؤسسات اجتماعية وسياسية قادرة على القيام بدور الوساطة بين المحتجين والدولة، أمام تزايد نفوذ التنظيمات الشيعية المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. وقد كان لافتا إحراق المحتجين في العراق مقار أحزاب وتنظيمات ومليشيات، في دلالة على رفضهم للتنظيمات السياسية والحزبية التقليدية التي تفننت في بيع الوهم داخل الحكومات العراقية المتعاقبة.
حسب المتتبعين للحراك الشعبي المتصاعد في العراق، فإن الاحتجاجات الحالية تعد “الأحدث في سلسلة موجات بدأت منذ أواسط عام 2009، حملت مطالب سياسية واجتماعية، فهي غير مدعومة من أي تنظيم سياسي، ولا يوجد لها قيادة أو تنظيم مركزي، فهي نتاج الانهيار المؤسسي لأجهزة الدولة، وهذا ما يبرر عنف الدولة ضد المتظاهرين، ويبرر في نظر المهتمين أيضا سياسات الحكومة العراقية وتضييقها على المواطنين منذ تولي عادل عبدالمهدي رئاسة الحكومة في أكتوبر 2018، بدءا بالتضييق على الحريات الفردية، وحظر خدمات الإنترنت، وتشويه الناشطين والباحثين ومؤسسات المجتمع المدني في العراق، وتراجع ثقة العراقيين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تنفذها الحكومة، فهذه الاحتجاجات الشبابية المتصاعدة، تساهم في نظر المهتمين بقضايا الحراك الشعبي، محاولة لإعادة تشكيل موقف هوياتي جديد داخل المجتمع العراقي بكل أطيافه وتمثلاته الدينية المتباينة، سيعكس حسب المتتبعين، تحولا لافتا داخل المجتمع الشيعي أساسا الذي يهيمن على مراكز القرار، لتعيد الاحتجاجات تشكيل المشهد العراقي وتخلصه في نظر بعض الباحثين من مركزية الهوية الدينية الطائفية، نحو اهتمام أكبر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة لما خلفه نظام المحاصصة من نتائج كارثية لفساد نخبه السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.