لا شيء أصبح يستطيع الوقوف في وجه المتظاهرين في لبنان لا خطابات السياسيين ولا اقتراحات الحكومة ورئيسها سعد الحريري زعيم تيار المستقبل، ولا حتى مساندته من طرف حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ألأحد القوى الشيعية المؤثرة في لبنان والتي كان انتقادها من “المحرمات”؛ الشارع يصرخ في تناغم بكل طوائفه ودياناته: كلهن يعني كلهن ونصر الله واحد منهم.. لشعب يريد إسقاط النظام”. ولم تنجح محاولة سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية عبر خطته الاصلاحية وإجراءاته المستعجلة التي وافقت عليها أغلب الطبقة السياسية اللبنانية، في سلوك “غريب” عن المشهد السياسي اللبناني الذي لم يتوافق أطرافه ولو مرة بشأن قضية ما بشكل كامل كما هو الحال الآن، (لم تنجح) في اسكات الشارع الذي يطالب برحيل الطبقة السياسية كاملة، والذي عبر عن رفضه الاستمرار في منطق الطائفية التي خلقت نخبة سياسية تقتات على التفرقة والتشتت.
وتضمنت خطة الحكومة، كما صرح أمس الاثنين سعد الحريري، سلسلة اجراءات على غرار خفض العجز في موازنة 2020 إلى 0,6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، والالتزام بعدم فرض أي ضرائب جديدة. وتتعهّد الحكومة باقرار مشاريع المرحلة الأولى من مؤتمر “سيدر” والبالغة قيمتها 11 مليار دولار، خلال ثلاثة أسابيع. كما تنص على خفض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء الحاليين والسابقين بنسبة خمسين في المئة، وخفض العجز في مؤسسة كهرباء لبنان، القطاع الذي تقدّر قيمة العجز السنوي فيه بنحو ملياري دولار سنوياً. ويشكل اصلاح هذا القطاع أولوية بالنسبة للجهات المانحة. كما تتضمن أن يساهم القطاع المصرفي ومصرف لبنان بخفض العجز في لبنان، في اجراءات لم يكن من الممكن أن تقرها الحكومة لولا الضغط الشعبي في الشارع في الايام الأخيرة. ومن جهة أخرى فإن الخطير في المظاهرات التي تشهدها لبنان مؤخراً أومايمكن تسميته “الثورة الراقصة”، نسبةً إلى الأشكال الفنية والتعبيرية التي يحتج بها المتظاهرون، والكم الكبير من السخرية بمختلف أشكالها التي لا يتردد المحتجون من التعبير عنها بمختلف الطرق، هو عدم استثناءهم لأي من السياسيين الذين عمروا لسنين وسنين على رأس أحزاب تُعبر عن طوائف دينية ومذهبية في لبنان؛ فحتى حسن نصر الله الملقب ب”شيخ المقاومة” والذي يمثل شخصية سياسية “لا يمكن المساس بها” إلى وقت قريب، قد طاله الانتقاد الحاد من طرف المتظاهرين بل حتى في مظاهرات بالجنوب اللبناني معقل حزب الله وحركة أمل، خصوصاً في صور والنبطية. والشمال اللبناني المسيحي أيضاً اجتاحته المظاهرات وبنفس الشعارات والهجوم على رموز التيار المسيحي في لبنان، على رأسهم مشيل عون زعيم التيار الحر اللبناني وصهره الوزير جبران باسيل. ومن بين مظاهر رفض الطائفية في المظاهرات اللبنانية، رفع المتظاهرين للأعلام الوطنية، وعدم رفع الأعلام الحزبية أو الطائفية، وهي سابقة حسب متتبعين للشأن اللبناني، بل إن أصوات المحتجين تطالب ب”مدنية الدولة” رافضين للنظام الطائفي الذي البنيت عليه الدولة اللبنانية عقب انتهاء الحرب الأهلية التي مزقت البلاد على مدى سنين.