"ثعلب الصحراء" هو اللقب الذي سيطلقه المراسل الحربي لمجلة "باري ماتش"، الفرنسية على الكولونيل محمد الغجدامي عقب الانتصار الباهر الذي حققه فيلقه العسكري على 3000 مقاتل من البوليساريو في معركة "بئر أنزران" الشهيرة التي وقعت فصولها خريف سنة 1979. هذا الرجل الشمالي المتحدر من مدينة العرائش هو أحد الضباط الذين تلقوا تكوينهم العسكري بإسبانيا، فوج محمد الخامس 1955- 1956. سيشارك في جميع معارك الصحراء التي خاضها الملك الراحل الحسن الثاني عقب المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين سنتي 1971 و1972. هذه الحرب التي ستدوم ما بين 1974 إلى تاريخ وقف إطلاق النار سنة 1991، لم تكن فيها القوات المسلحة مطلقة اليد كما كانت عليه ما قبل المحاولتين الانقلابيتين.
رغم تكوينه في وحدة الهندسة العسكرية تخصص تفكيك المتفجرات، فإنه لم تسند له أي مهمة عسكرية ضمن هذا التخصص إلا مرة واحدة حينما وضع على رأس كومندوس خاص للوحدة الهندسية سنة 1974 للتسلل إلى المناطق الصحراوية التي كانت تخضع للسيطرة الاسبانية، للقيام بمهمة استطلاعية، حيث تمت بشكل سري وحتى الطرف الإسباني الذي كان يسيطر على تلك المناطق لم يكن على علم بهذه التحركات المغربية.
وبعد هذه المهمة سيتم تكليفه بقيادة فيلق للمشاة، وهو التكليف الذي سيجلب عليه انتقاد زملائه الضباط، أبرزهم الكولونيل الطوبجي الذي سيستقبل على مضض أن يكون تحت تصرف ضابط قادم من وحدة الهندسة.
الغجدامي بالنسبة للطوبجي لم يكن سوى بطل اختلقه الدليمي لحاجة في نفسه. لكن جنودا آخرين ممن كانوا تحت إمرة الغجدامي يرون فيه عكس ذلك، حيث يستحضر أحدهم ممن كان ملازما له عقب تكليفه سنة 1977 بحراسة منطقة تيفاريتي، وهي منطقة فك الاشتباك بين القوات المسلحة الملكية وعناصر البوليساريو حين التوقيع على وقف إطلاق النار سنة 1991، قبل أن تخرق البوليساريو هذا الاتفاق وتنظم فيها أحد مؤتمراتها سنة 2006، "أن الغجدامي كان يتميز بخصال الشجاعة والإقدام، وعند أي هجوم يشنه مقاتلو البوليساريو كان دائما في طليعة المتصدين للهجوم، وكان يشرف شخصيا على إزالة الألغام التي يضعها هؤلاء المقاتلون لمنع تقدم الجنود المغاربة وتعقبهم. وحينما يشتد القصف على المعسكر الذي تتواجد فيه الوحدات المغربية كان الغجدامي يستنفر جميع العاملين معه قصد الصمود وعدم تغيير مواقعهم".
بداية مشاكل الغجدامي في مساره العسكري ستظهر بعد إقالة الجنرال الدليمي من منصبه وتواتر الحديث حول خيانته واستعداده لانقلاب عسكري حيث ستسند قيادة المنطقة الجنوبية للجنرال عبد العزيز بناني وتنطلق عملية غربلة وتصفية جميع الضباط الذين كانوا محسوبين على الدليمي، وكان في طليعتهم الغجدامي والطوبجي مؤلف كتاب "ضباط صاحب الجلالة".
مسؤول عسكري سابق كشف أن الغجدامي "ذهب ضحية نجوميته من خلال الصحافة الفرنسية التي رفعته لمستوى ثعلب الصحراء، ولكونه كان يهيم مثل الثور لا يبالي بالضربات تحت الحزام التي كان يتلقاها من خصومه وحساده من باقي الضباط الذين كانوا يشون به لدى قيادة أركان الحرب، كما ذهب ضحية المؤامرات والتقارير المدسوسة التي كانت تصوره على أنه اليد اليمنى للدليمي".
الغجدامي أمضى ردحا من الزمن وسط الحياة العسكرية المغربية وتم الاستغناء عن خدماته في أوج عطائه وانتصاراته المتوالية على البوليساريو. وتم تخليد اسم المعركة التي دحر فيها مخطط الجزائر والقدافي بئر أنزران سنة 1979 وإطلاق اسمها على عدد من شوارع المملكة.
وكل هذا تم على حساب حياته العائلية، حيث مات الغجدامي متأثرا بمرض القولون سنة 2003 دون أن يغادر حياة العزوبية.