في 14 ماي 2003، وهو يوم عيد ذكرى القوات المسلحة الملكية، لفظ محمد الغجدامي أنفاسه الأخيرة بالمستشفى العسكري بحي الرياض في العاصمة الرباط. كان من المحتمل جدا أن يموت الكولونيل الغجدامي في اشتباك حربي عسكري في الصحراء، لكنه كما وقع لخالد بن الوليد خاض كل المعارك والحروب، وواجه الموت والنار سنوات عديدة، لكنه في الأخير لم يمت في معركة وغادر هذه الحياة الفانية ومات بالمستشفى العسكري بعد 29 يوما من الغيبوبة، ودخوله العناية المركزة بسبب إصابته بسرطان القولون ومرض السكري، حيث نقل من تطوان الى الرباط بعد غيبوبة مفاجئة وبعدها انتهى الأمر، ونقل التلفزيون والصحافة خبر وفاته دون تعليق أو إضافة.
وهكذا انتهت حياة أكبر قائد عسكري لمعارك الصحراء الذي أنهى حياته شبه نكرة ما بين طنجةوتطوانوالرباط دون ألقاب ولا شهادات ولا اعتراف ولا أوسمة، فيما حصل رفاقه وزملاؤه وتلامذته على أعلى الدرجات.
الموت جزء من الحياة اليومية التي عاشها في قلب الصحراء ولم يخف منها فواجهها بكامل الشجاعة والبطولة والذكاء ودهاء القائد العسكري مع جنوده. أكبر ضربة تلقاها الغجدامي أسد الصحراء، الذي كان مسؤولا عسكريا على تخومها بالمنطقة الجنوبية، قبل المسيرة الخضراء، هي إحالته قسريا على "تقاعد" بالرباط وإرجاعه من الصحراء التي أحبها وعشق حياة سكانها وأهلها بعد النهاية الغامضة للجنرال أحمد الدليمي الذي ربطته به علاقات قوية وانتهى في حادثة سير بمراكش مليئة بالألغاز عام 1981. أكبر عدو للبوليساريو في معارك الصحراء هو الغجدامي، لكنه عدو كان الخصم يهابه ويخافه ويحترمه. وحين يسأل أهل الصحراء عن أقرب وأعز الناس إليهم من الجنود والقادة العسكريين، فإنهم يجيبون بلا تردد: إنه الكولونيل محمد الغجدامي.
أهل الصحراء يقولون إنه صحراوي من أبناء قبيلتهم والريفيون من قبيلة تمسمان يقولون إنه أمازيغي ريفي عاش معهم وولد بأصيلة عام 1936 ودرس بالعرائش حيث كان والده ضابطا عسكريا.
درس محمد الغجدامي في بداية تعليمه بمدرسة راهبات بالعرائش وكان يحب الأدب الإسباني والفرنسي والموسيقي الكلاسيكية والأندلسية والفنون وثقافات الشعوب والغوص في قاع مياه البحر كما غاص في رمال الصحراء. ودرس العبرية واللاتينية وكان تلميذا كسولا في مادة العربية.
كان ضعفه في العربية يسبب له مشاكل مع والده حين كان يطلع على النقاط السيئة لابنه في العربية فيعاقبه بحلق رأسه والإقفال عليه في غرفة وحرمانه من بحر العرائش الذي كان يحب النزول إليه.
أكمل الغجدامي دراسته بإسبانيا بأكاديمية بورغوس العسكرية ثم تلقى تكوينا عسكريا بسان سير بفرنسا، قبل أن يعود الى المغرب بلده الذي ربطه به حبل سرة لم يتقطع إلا بوفاته التي انتهت في صمت ودفن في صمت، ودفنت معه أسراره وإلى الأبد. من أحسن الخصال التي جعلت الغجدامي الرجل القريب الى الجنود المحاربين هو قربه إليهم في جميع اللحظات، في ساعة الراحة وهدوء الصحراء وفي ساعة النار والبارود والموت والمواجهة والقتال، كان مقاتلا من الطراز الرفيع.