تمر العلاقات الأوروبية - المغربية بمرحلة صعبة بعد تنامي اللوبيات المعادية لمصالح الرباط الاقتصادية والتجارية داخل الاتحاد، وصدور قرار من محكمة العدل الأوروبية الأسبوع الماضي، يدعو إلى مراجعة اتفاق التبادل الزراعي والصيد البحري الموقع بين الطرفين عام 2012، والذي يسمح بتصدير كميات من السلع الغذائية في الاتجاهين من دون رسوم جمركية، لعدم استثنائه منتجات الصحراء المغربية. وعلى رغم أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ال 28 قللوا خلال اجتماعهم في بروكسيل من تأثير قرار المحكمة على العلاقات الإستراتيجية الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، ودعوا إلى تعطيل القرار واستئنافه وفتح مفاوضات جديدة مع المملكة مطلع العام المقبل، في إطار سياسة الجوار الأوروبية، فإن الرباط اعتبرت أن المصداقية الأوروبية في مجال الأمن القانوني باتت في المحك. وقال وزير الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار ل «الحياة»: «لا يمكن القبول بمثل هذه الممارسات التي تضرّ بمصالح المغرب الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي، إذ لا يُعقل أن نعاود النظر في اتفاق مر على تنفيذه ثلاث سنوات وخضع قبلها إلى كل مراحل التفاوض والاستشارة والمصادقة من قبل اللجنة الأوروبية وأقرّه البرلمان الأوروبي بالغالبية المطلقة». وكشف مزوار أن «الاتفاقات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي كل لا يتجزأ، ولا يمكن فصلها عن بعضها، فإما اعتمادها كلها أو إعادة النظر في كل الارتباطات والمعاهدات بما فيها الشراكة الإستراتيجية والأمنية». وتهدد الرباط بوقف تنفيذ اتفاقاتها مع الاتحاد الأوروبي في حال مراجعة النظر في الاتفاق الزراعي والصيد البحري أو تقليص مساحة تنفيذه. بدوره أكد مجلس الشراكة الإستراتيجية الأوروبية - المغربية في دورته ال 13 في بروكسيل، أهمية العلاقة مع المغرب، معتبراً أنه «أكثر الدول في المنطقة العربية استقراراً ونمواً وتحسناً في أوضاع حقوق الإنسان والمرأة، عبر اعتماده دستوراً جديداً يمنح صلاحيات واسعة للمحافظات، ويعزز مشاركة السكان المحليين في تيسير أمورهم، واستحق احتضان القمة 22 للتغيّر المناخي العام المقبلة». وجدد البيان الختامي على أهمية الشراكة الأوروبية مع المغرب في هذه المرحلة نتيجة دور الرباط الإقليمي، معتبراً أن المغرب قيمة أساس للاتحاد وشريك ذي مصداقية، ورهان إستراتيجي على الأمن والاستقرار والتنمية في جنوب البحر المتوسط. وزاد في الفترة الأخيرة تواجد المجموعات المتطرفة في المؤسسات الأوروبية التي تعارض المصالح العربية والإسلامية، وأصبحت بعض الامتيازات التجارية المغربية محط انتقاد من أوساط أقصى اليسار، مثل السويد، التي تدعو إلى عدم تطبيق الاتفاقات التجارية على السلع الآتية من مناطق الصحراء، وأيضاً من لوبيات محسوبة على أقصى اليمين تدعو إلى تقليص المشتريات الأوروبية من المواد المغربية. وتصدّر الرباط نحو 11 في المئة من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي الغذائية، وهو الزبون التجاري رقم 20 في المبادلات الخارجية. ويحقق المغرب نمواً يعادل أربع مرات النمو الأوروبي، وفائضاً في الميزان التجاري، خصوصاً الصادرات الزراعية والملابس والنسيج وتركيب السيارات، ما يثير حفيظة بعض الأطراف المحافظة التي تحمّل دول جنوب المتوسط أسباب ارتفاع معدلات البطالة، تارة بسبب الهجرة وتارة بسبب التجارة. ورصد الاتحاد الأوروبي نحو 890 مليون يورو لمساعدة المغرب ضمن خطة الدعم المالي 2014-2017 لتطوير مجالات التعليم والعمل والحوكمة والتنمية المحلية، ويُنتظر أن يصل وفد من الاتحاد الأوروبي مطلع العام المقبل لطمأنة الرباط إلى مصالحها داخل الاتحاد. ويعتبر المغرب أقدم شريك تجاري للسوق الأوروبية المشتركة منذ العام 1969، عندما كان عدد الأعضاء 6 دول فقط، كلها طلبت اليد العاملة المغربية لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وإعادة تشغيل المصانع والمناجم. وطيلة فترة الحرب الباردة كان المغرب أبرز مزوّد للمواد الغذائية والزراعية والصيد البحري، وفي عام 1996 أبرم أول اتفاق شراكة اقتصادية وسياسية وثقافية، بعدما أصبح عدد دول الاتحاد 15 بانضمام دول المعسكر الاشتراكي. ويتميّز المغرب بوضع متقدم في الاتحاد الأوروبي يعود إلى 2008 ويمنحه صفة الشريك المتميّز، وهو يقل عن العضوية في الاتحاد لأسباب جغرافية وثقافية، ولكن يتجاوز الشراكة، التي تربط الاتحاد مع معظم دول جنوب وشرق المتوسط، أي مصر وتونس والجزائر والأردن وفلسطين. وتعتقد مراكز دراسات إستراتيجية أن مصالح دول الاتحاد الأوروبي باتت متناقضة، ويتحكم فيها التوجه السياسي الداخلي الذي يزداد انغلاقاً بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل المواقف الخارجية غير منسجمة وربما متعارضة، يزيد ضعفها الانقسام الأوروبي حول قضايا ثقافية واقتصادية وبشرية تهم الجيران المباشرين للاتحاد في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.