حروق من الدرجة الثالثة في أطراف ومناطق حساسة من الجسد.. كدمات ورضوض داخلية أثرت بشكل كبير على كليتيها ورئتها.. ثقبان كبيران متقيحان بطرفي المؤخرة.. بثور متعفنة من أثر الحرق تحت الساق اليمنى، وبقايا كسور في الذراع الأيسر… لا يتعلق الأمر بلقطات من فيلم رعب، بل هذا غيض من فيض تضاريس الجسد النحيل ل"خادمة" لطيفة ذات الثلاثة والعشرين ربيعا، جراء ما تعرضت له من تعذيب من طرف مشغلتها. جسد تحول إلى مختبر لشتى أنواع الحرق والسحل والجلد والتعلاق والفلقة… والكي بالسكاكين و شوكات الأكل بعد وضعها فوق النار حتى تلتهب؟؟!! رباه.. أي سادية أفظع.. ؟ ! الشابة لطيفة المنحدرة من اقليم زاكورة.. منبع مسيرة العطش.. هي اليوم في مأمن حقوقي وقانوني، بعد تدخل جمعية إنصاف للتنمية الاجتماعية والتربوية والمجلس الوطني لحقوق الانسان.. لكن وضعها الصحي يبقى حرجا للغاية. شفاك الله يا لطيفة وطن قاس.. لا يرحم.. حد الموت.. ؟ ! الطامة في كل ما وقع أن بعض أفراد أسرة "لطيفتنا وخادمتنا وضحيتنا".. طلبوا منها التنازل عن جروحها وحروقها وكسورها… ما الدافع؟ ! ما المبرر، كم بلغ المقابل.. ؟ ! قصة لطيفة المؤلمة حد البكاء دما بدل الدموع.. سبقتها خلال الأيام الأخيرة قصة اغتصاب طفلات قاصرات بفاس، من لدن "بيدوفيل فرنسي".. والخوف كل الخوف أن تكون الطفلات اللواتي لم يتجاوزن بعد ربيعهن الثالث عشر.. مصابات بداء السيدا.. في ظل التكتم الشديد والسرية المضروبة على تقارير الخبرات الطبية.. لولا بعض التسريبات.. ؟ ! لطيفة ليست الوحيدة ولا الأخيرة في سلسلة تعذيب الخادمات.. قاصرات فاس لسن "جنريك النهاية" في مسلسل أصبحت بعض حلقاته توثق صوتا وصورة.. ويتم بثها عبر منتديات التواصل الاجتماعي وتلفزيونات العالم.. ؟ ! إنهم ابناؤنا وبناتنا.. القادمون/ القادمات من جحيم المغرب المنسي.. حيث تغيب أبسط شروط العيش الكريم.. كم لطيفة/ خادمة عذبت أشد العذاب في هذا البلد.. ولم يصل صوتها إلى محاضر الشرطة.. ! كم قاصرا اغتصبت.. واختارت "مكرهة لا بطلة" الصمت ملاذا.. ! أتذكرون قضية كالفان الاسباني الشهيرة..؟ لا ادري كيف تستحضر ذاكرتي فيلم خالد يوسف "حين ميسرة".. كلما جدت واقعة من تلكم الفواجع..؟ ما الرابط بين ما وقع للطيفة.. التي لم تستفد من مغرب الآخرين سوى العذاب الأليم.. وبين كل القاصرات المغتصبات.. وفيلم حين ميسرة..؟ رغم تباعد الأمكنة واختلاف الأزمنة، فإن السياقات تحيل على نفس الدلالات.. يمكن إجمالها في خلاصات ثلاث: الخلاصة الأولى: استقالة الأسرة، كيف تفشت ظواهر غريبة في جسم المجتمع المغربي؟ مجتمع العنفوان والكرامة وعدم التفريط في الحق مهما جرى ومهما بلغ المقابل.. يتحول جزء من أسره إلى بيع بناته وأبنائه لأول عابر سبيل… ليعبث بأجسادهم*تعذيبا او اغتصابا*.. مقابل دريهيمات معدودات.. ؟ ! هل نحن أمام أزمة قيم؟ خلل مجتمعي؟ فشل لأليات التنشئة الاجتماعية؟ كيف تسربت إلى عروقنا قيم الانتهازية والانتفاعية وخيارات الحلول الفردية.. مقابل قيم نبيلة، سامية؟ لنترك الأمر للباحثين والمتخصصين.. الخلاصة الثانية: رديفة للأولى، ما الذي يدفع بعض الأسر والعائلات إلى عرض أبنائها في المزاد العلني.. ؟ ! تحصيل حاصل، نتاج سنوات من السياسات اللاشعبية.. من التهميش والتفقير الممنهجين.. وها نحن إلى نفس الدرب راجعون.. أوفياء لنهجنا.. في انتظار ضحايا جدد.. ؟ ! الخلاصة الثالثة: هناك عنصر ما غائب لتكون المعادلة سليمة رياضيا.. فرغم المعارك الشرسة التي تخوضها جمعيات المجتمع المدني الجادة والملتزمة من أجل إقرار قوانين تناهض العنف وتجرم الاغتصاب وتزويج القاصرات.. الخ.. فإن الواقع يصر على عناده.. ؟ ! القانون ما هو إلا الغبار الذي تثيره المعركة الحقيقية، "يقول أحد الفلاسفة".. ومعركتنا مجتمعية بالأساس. ينبغي التأمل عميقا في سؤال: أي نموذج مجتمعي نريد؟ قبل البحث عن أي نموذج تنموي نريد؟ وتلكم قضية اخرى.