عندما خرج محمد حسنين هيكل يقول على قناة الجزيرة بأن "الأمير الحسن (الحسن الثاني) لم يكن بعيدا عن عملية خطف القادة الجزائريين" وأنه هو الذي أبلغ الفرنسيين عن طائرتهم التي خرجت من المغرب يوم 22 أكتوبر 1956، ليتم اختطافها… رد عليه عبد الهادي بوطالب، مستشار الحسن الثاني وأستاذه السابق في حوار مع الصحفي مصطفى الفن: "حسنين هيكل رجل لا ينتهي عند حد. ولأنه لا ينتهي، فهو يلفق أكثر مما يدقق. أو بمعنى آخر، أنا أرى أن نسبة التلفيق تهيمن على نسبة التدقيق في كلامه. وله قدرة على الجمع بين الشيء ونقيضه". وأضاف بوطالب قائلا: "لا أعتقد أن الحسن الثاني، كما عرفته، يمكن أن يرضى لنفسه أن يكون "بيّاعا" للفرنسيين أو جاسوسا لهم. فهذا كلام ساقط في حق الحسن الثاني وملفق ضده… ثم إن القادة الجزائريين الذين كانوا ضيوفا عند محمد الخامس ليسوا مناوئين للمغرب أو لهم عداء ضده حتى يدبر لهم الحسن الثاني مكيدة ما… أكثر من هذا، المغرب في تلك الفترة كان يدعم الثورة في الجزائر ويتعاون مع قادتها في معركة التحرير من الاستعمار الفرنسي. فهل كان المسؤولون الجزائريون سيلتزمون الصمت لو كان تأكد لديهم أن الحسن الثاني هو الذي كان وراء تسريب خبر طائرة بنبلة إلى الفرنسيين؟ أكيد أنهم ما كانوا ليلتزموا الصمت… ولهذا، فأنا أقول إن هيكل يشبه، إلى حد بعيد، "حاطب ليل" وأنا أرثي له". من لا يعرف علاقة هيكل بالمغرب، وبالحسن الثاني، قد يعتقد أن الرجل كان على قطيعة مع المغرب وملكه، والحال أنه كان دائم التردد على مجالس الحسن الثاني، سواء رفقة الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان هيكل مقربا منه، أو لوحده. في 1976، وبعدما احتدم الصراع بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء قام هيكل بمساعي وساطة، "استقبله الملك الحسن الثاني بفاس واستضافه لعشاء، ثم طار هيكل إلى الجزائر لغرضين، استكمال أعمال الوساطة، وتسجيل حوارات مطولة مع الهواري بومدين لم يكتب لها أن تُنشر قط. وقد عُهد إلى صاحبنا سعد (سعد بوعقبة مدير جريدة "الشعب" حينئذ) أن يرافقه، وسأله وهو يأخذه إلى جناحه بفندق جورج 5، عن زيارته إلى المغرب، فرد حسنين هيكل على سبيل الدعابة أن الملك قدم له «خروف مشوي رجعي».. كانت مادة كافية ليكتب عنها سعد بوعقبة.. وكاد سعد بوعقبة ينسى الحادث إلى أن أثاره الملك الراحل في مذكراته «ذاكرة ملك» حين حديثه عن حسنين هيكل الذي لم يُقدر مستلزمات الضيافة ولا مقتضيات الوساطة لِما أسرّه للصحافة الجزائرية" هذا ما كتبه مؤرخ المملكة السابق، حسن أوريد، عن هذه الواقعة من دون أن يتطرق إلى أن هيكل قال للصحفي الجزائري سعد بوعقبة بأن الحسن الثاني ليس ذكيا كما يُسوَّق المقربون منه، وأن "ذكاءه يكمن في غباوة المحيطين به". لم يكن هيكل مجرد "ملفق" بتعبير عبد الهادي بوطالب، أو خائن لأمانات المجالس، عندما كشف للصحافي الجزائري تفاصيل لقائه مع الحسن الثاني، بل إن هيكل صاحب خيال واسع، لولا أنه يوظفه في محاولة إقناع قرائه ومشاهديه بأمور يريد لها أن تكون واقعية؛ عن ذلك يحكي عبد الهادي بوطالب في حواره السابق قائلا: "أرجع إلى ما قاله هيكل عن زيارته للمغرب رفقة الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى المغرب سنة 1969. لقد زعم أشياء غريبة خلال زيارته للمغرب جاء فيها أنه بينما هو نائم في غرفته بفندق هيلتون بالرباط، إذا بشخص يطرق عليه الباب في وقت متأخر من الليل ويطلب منه أن يرافقه إلى خارج الفندق ليبوح له بسر. وخرج هيكل مع هذا الزائر الليلي ووجد في انتظاره 3 أو 4 من الضباط المغاربة الذين كشفوا له عن هذا السر، وهو أنهم يخططون لقلب نظام الحسن الثاني، وأنهم سيفعلون في المغرب ما فعله العقيد معمر القذافي في ليبيا وجمال عبد الناصر في مصر. ويصف السيد هيكل أجواء تلك الليلة وكيف أنه خرج من الفندق في جنح الظلام الدامس وسار مشيا على الأقدام مع هؤلاء الضباط مسافة لم يحدد عدد كيلومتراتها وكيف أنه لم يصادف في طريقه لا مبنى ولا أي شيء آخر إلى أن وصل إلى مدينة أخرى لم يذكر اسمها لضعف ذاكرته. والمدينة المفترضة التي كان يقصدها هيكل في روايته هي تمارة. وهنا لا بد من التساؤل: هل يعقل أن تكون هذه الرواية صحيحة والحال أن هيكل عضو في الوفد الرسمي المصري، وجرت العادة على أن تخصص للوفود الرسمية التي تحل بالمغرب حراسة أمنية ومراقبة دقيقة ودائمة؟ وهل يعقل أن يأتي شخص إلى غرفة هيكل دون أن يفطن إليه أحد من رجال الأمن ومن حراس الفندق؟ وهل يعقل أن يخرج شخص من فندق هيلتون دون أن يجد في طريقه مبنى أو أي شيء آخر؟ ثم هل يعقل أن يغامر جندي بنفسه ليقول لهيكل إنهم يخططون لانقلاب ضد الحسن الثاني؟ والمثير في هذه الرواية أن هيكل ظل يحتفظ بها في نفسه ولم ينشرها إلا بعد أن وقع انقلاب الصخيرات. وحتى لو صحت هذه الرواية لهيكل، وشخصيا أستبعد ذلك، فقد كان المطلوب منه، وهو ضيف ضمن الوفد الرسمي عند الحسن الثاني، أن يخبر المسؤولين المغاربة بأن هناك ضباطا يدبرون انقلابا في المغرب، بدل أن يحتفظ بهذا السبق الصحفي ليكون أول من يكتب عنه". هيكل الذي ربط بين زيارة جمال عبد الناصر للمغرب في دجنبر 1969، وتعيينه أنور السادات نائبا له، بالقول إن الرئيس المصري تسرب إليه خبر عن أن الجنرال أوفقير يرتب مع الموساد الإسرائيلي عملية اغتياله، وبالتالي فكر في تعيين نائب له، عاد ليبرر إبقاء عبد الناصر للسادات نائبا له، حتى بعد عودته من المغرب سالما، بالقول "بعد عودة الرئيس عبد الناصر من المغرب سالما، وفى غمرة مشاغل الرئيس طوال التسعة شهور الأخيرة من حياته، نسى السادات في هذا المنصب حتى وافته المنية"! هكذا يربط هيكل، بكل بساطة، بين تعيين السادات في منصب مهم وحساس، وبين زيارة عابرة للمغرب، بل يربط أيضا استمرار السادات في منصبه، بسهو عبد الناصر عنه "في غمرة المشاغل"، وكأن استمرار السادات، في منصب لا يستحقه (حسب ما يوحي به هيكل) ليس ب"المَشغل" المهم! محكيات هيكل عن المغرب والحسن الثاني بلغت قمتها، عندما قال إن ملك المغرب سمح للأجهزة الأمنية الإسرائلية، وعلى رأسها الموساد، بأن تتابع تفاصيل مؤتمرات القمم العربية والإسلامية التي انعقدت بالمغرب، وأضاف: "يمكن لأي متتبع مهتم بالشأن العربي أن يسمح لنفسه بالتساؤل على الأقل -عن أسباب الحرص الزائد للملك الحسن على استضافة أكبر عدد من مؤتمرات القمة العربية والإسلامية .. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الملك استضاف سبعة مؤتمرات قمة عربية، وهذا عدد قياسي من المؤتمرات لم تستطع دولة عربية أن تتحمل تكاليفه أو مسؤوليته: مؤتمر القمة العربية في الدارالبيضاء (شتنبر 1965)، مؤتمرا القمتين العربيتين في الرباط (دجنبر 1969 وأكتوبر 1974)، مؤتمرا القمتين العربيتين في فاس (نونبر 1981، وشتنبر 1982) ومؤتمرا القمتين العربيتين الطارئتين في الدارالبيضاء (غشت 1985 وماي 1989)، كما استضاف الملك ثلاث قمم إسلامية كان أولها وأخطرها مؤتمر القمة الإسلامية (شتنبر 1969) بعد حريق المسجد الأقصى الذي نصب خلاله الملك رئيسا للجنة إنقاذ القدس، ثم مؤتمر القمة الإسلامية (يناير 1982 و1994)". هكذا كانت علاقة الصحافي محمد حسنين هيكل بالمغرب، وبالحسن الثاني، بالأساس.. وهي علاقة ظلت مطبوعة بالاصطفافات الايديولوجية، والطموحات الإقليمية لنظام جمال عبد الناصر، الذي كان يجد نفسه أقرب إلى الجزائر منه إلى المغرب.