تدبير السلطات العمومية المحلية والمركزية لمسار الإحتجاجات التي اندلعت في الحسيمة وانتقلت إلى مناطق عديدة في منطقة الريف منذ وفاة بائع الأسماك محسن فكري يوم 28 أكتوبر 2016 تدبير سيء للغاية، ينم عن أزمة بنيوية خطيرة داخل النسق السياسي العام لعلاقة الدولة الوطنية المركزية – اليعقوبية مع الجهات التاريخية للمغرب. نقول أزمة بنيوية خطيرة ولا نبالغ في هذا التوصيف. يتعلق الأمر بتدبير متخبط في عشوائية فظيعة تستند في مرتكزاتها على مقاربة "امنية" تقليدية تمتح من العهد البائد في معالجتها للأزمات الإجتماعية. ستة أشهر والريف يغلي وفي نفس الوقت بقيت القيادة السياسية في الرباط حبيسة دهاليز المفاوضات لتوزيع كعكة الحكومة الجديدة. هذه الأخيرة أخرجت فجأة من خلال أحزابها لتصدر تصريحات عبر القناة التلفزية العمومية في حق الحركة الاحتجاجية بالحسيمة خاصة والريف عامة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عبيطة، متخلفة وعقيمة زادت من تأجيج الحراك لتخرج مسيرة 18 ماي التاريخية لتبرز مدى التزام الشعب في الريف بالسلم والاستقرار وتمسكه بحقه المشروع في العيش الكريم. الدولة المركزية، بعد مسيرة 18 ماي، عليها أن تعي أن الاوليغارشية الحزبية بالمغرب قد وصلت درجة متقدمة جدا من التعفن تسبب في انتهاء صلاحيتها ولم تعد تستوعب التحولات المجتمعية الجذرية التي يعرفها المغرب في منتصف العشرية الثانية من القرن 21. الدولة المركزية اليعقوبية الموروثة عن المرحلة الكولونيالية بحاجة إلى تغيير جذري لاستيعاب حق الجهات التاريخية في الوجود ككيانات سياسية قائمة تشكل دعامة قوية للدولة الوطنية السيادية الموحدة التعددية التي تسودها العدالة الاجتماعية والمجالية والتي تسعى لبناء تكتل جهوي بشمال إفريقيا يعيد هذا الفضاء إلى حاضنته التاريخية. الدولة الوطنية الجديدة بحاجة إلى قيادة متجددة ومجددة تعيش مع الأجيال الجديدة وتناضل إلى جانبها لتقوية روابط العيش المشترك في إحترام تام للغنى الثقافي والحضاري للجهات التاريخية وحق أجيال شباب اليوم والمستقبل في التمتع بكافة حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بدون أي إقصاء أو تمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين أو النوع أو الإنتماء الإجتماعي أو المجالي. الدولة المركزية اليعقوبية المختنقة اليوم بحاجة الى الحرية.. إنها بحاجة لمن يفك اغلالها من أوهام المؤامرات المفبركة التي يدبجها "أغنياء الأزمات". يجب تحرير الدولة المركزية اليعقوبية من جبروت المقاربات "الامنوية" المتجاوزة .. وإطلاق دينامية سياسية جديدة في إتجاه الجهات التاريخية لمغرب موحد في صيغة المتعدد. مسيرة 18 ماي بالحسيمة خطوة أولى في إتجاه إرساء هذا المغرب الممكن.