تذكرني مسارات السياسات العمومية في بعدها الاجتماعي لدى حكومة بنكيران، بالسلسلة الكرتونية "التنين الصغير"، التي تحكي عن طموح تنين صغير في أن يصبح رجل إطفاء. اشتهرت السلسلة بأغنية جنريكها، وهي عبارة عن محاورة بين التنين الصغير وأبيه الذي يحاول ثنيه عن طموحه: – أبي أبي – ماذا تريد ياولد – لما لا أعمل في الإطفاء – هذا عمل فيه عناء – أرجوك أبي – لا.. لا.. لا – هناك حريق – لطيف لطيف.. ماذا؟ – هناك حريق في البلد – ما دخلك أنت يا ولد – أحب الخير أحب الناس – ما أسعدني بهذا الإحساس – هل ستوافق يا أبي؟ – على ماذا يا ولد – أن أعمل في الإطفاء ضد الجمر وضد الشر… المثير في هذه السلسة، هو تلك المفارقة الدرامية التي تعتبر التنانين مصدر نيران، فيما التنين الصغير يريد أن يمتهن إخماد الحرائق المحدقة بالبشر. وهذا هو التحدي الذي جلب النجاح للسلسلة والفرجة الممتعة لملايين الأطفال. ولو أن سياسيينا المعارضين، الظاهرين منهم والمتخفِّين، ممن ينعتهم بنكيران بالتماسيح والعفاريت، تابعوا هذه السلسلة لألهمته خيالاً وخفةَ دمٍ تجعلهم يطلقون على بنكيران لقب "التنين الصغير" كلما رأوه يخمد حريقا بحريق. لقد أتى السيد بنكيران وبيده خراطيم مياه كثيرة مباشرة بعد بزوغ الألسنة الأولى من لهب الشارع المغربي، مع حركة 20 فبراير، وأثناء الحمم الدموية للربيع العربي ليخمد كل هذا الجمر وليساهم في صنع "الاستثناء المغربي" وبسطِ السلم الاجتماعي وتحقيق بعض من مطالب حركة 20 فبراير، تحت شعر: "إسقاط الفساد"، وتعزيز مكانة الملكية ومحوريتها في الحياة السياسية المغربية، وحرق التماسيح والعفاريت رغم أنهم من نار.. إلا أن طموح الرجل وهو "يُنزّل" السياسات اللاشعبية و"يُصعّد" التراجعات التي كان آخرها غدره بالأساتذة المتدربين؛ كل هذا يبرز بجلاء الدور التاريخي الذي من أجله جاء بنكيران إلى دنيا السياسة. جاء بنكيران من أجل مهمة مستحيلة هي إخماد النار بالنار، تماما، كمهمة التنين الصغير في السلسلة الكارتونية. إن جوهر سلوك الإسلاميين هو الازدواجية النابعة من التركيبة الذاتية لتشكلهم التاريخي، حيث إنهم لا يؤمنون بالليبرالية في السياسة والمجتمع؛ إذ كلما علت أصوات لتحديث الدولة إلا وتصدّوا لها بخطاب "الأصالة والخصوصية المغربية الضاربة عمقا في الدين والتاريخ" وكلما علت أصوات لتحرير المجتمع على أسس المواطنة المبنية على الحرية الفردية والمساواة بين الجنسين، ابتداءً من حرية المعتقد إلى المساواة الاقتصادية (مسألة الإرث على سبيل المثال) إلا وأشهروا خطاب التحريم والتقديس باسم الدين والخصوصية المغربيتين. ولكنهم في الاقتصاد ليبراليون متوحشون. ألم يصرح السيد بنكيران لقناة الجزيرة ذات يوم أنهم كحزب اسلامي تجمعهم بالغرب علاقة فلسفية، وهو يقصد طبعا الليبرالية المتوحشة، وإلا فأية فلسفة هاته. لقد استُعمل بنكيران في تنزيل كل ذلك "الأرشيف" المتراكم من السياسات اللاشعبية بنجاح؛ ودليل نجاحه هو أن جزءا ضئيلا من تلك السياسات اللاشعبية كانت قد أخرجت المغاربة إلى الشوارع في عهد الحسن الثاني (انتفاضات: 20 يونيو 1984 – يناير 1984 –دجنبر 1990)، بحيث بقي الخوف ثاويا في أجهزة الدولة والحكومات المتعاقبة من هذه الملفات الحارقة، إلى أن جاء بنكيران. ولأنه من فصيلة التنانين، فقد زُج به وسط الحرائق فلم تحترق منه ولو زغبة. الآن، التنين الصغير يقترب من تحقيق حلمه الكبير، ومن حرق ولاية بكاملها، مسنودا من الكبار ومن جزء عريض من الشعبويين، كما يقترب من إخراج الجزء الثاني من هذه السلسلة المشوقة والتي سيتم بثها ابتداء من تشريعيات هذه السنة.