كتب أحد القراء معلقا على نصي السابق « الاستثناء المغربي » قائلا: « قد لا يكون الاهتمام بنصوص طال استهلاكها هو المشكل … بل تجديد السؤال في هذه النصوص هو المحك. قل لي … ماذا يفعل أستاذ يجد نفسه ملزما بما قرر من النصوص … سوى أن يبدع طرقا وأسئلة ويعرضها للمناقشة …مستحضرا هو او أحد من الحضور نصوصا اخرى … أكثر التصاقا ب…"هنا والآن" .. أذكر بالمناسبة يوم نزلت بيننا أستاذا للفلسفة في كلية عين الشق ...1981 أو 1982 وطالت صحبتنا ( أذكر 3 حصص ) لنص واحد من نصوص الجمهورية لأفلاطون حول نظرية الكهف … نص "أقدم من جد النمل "… ومع ذالك كان الإمتياز بالتحليل والأسئلة ». معك الحق عزيزي سعود لكن ما كنا نقوم به جميعنا آنذاك،أنا وبعضكم معي، لم يكن بالمرة اسنتجادا بالنص الأفلاطوني لكي يمدنا بحلول لمعضلاتنا الآنية. أتذكر ان الأمر كان يتعلق بتفكيك نظرية الاستعارة وردها إلى أصولها الميتافزيقية حتى يتبين لأولئك الذين كانوا يعتبرون أن العرب كانوا سباقين لعلوم برع فيها الغرب لاحقا لم يكونوا على صواب. أتذكر أننا كنا نتحدث ونحن نجيب على اسئلة طرحها علينا زمن كان يهتم بالأدب والغرابة معتبرا أن هذا فتح عظيم. صلب الموضوع هنا عزيزي، لم نكن نقدس النص الإغريقي ولا النص العربي، كنا نفكك النص، نبحث في ثناياه عن ذاك الذي يتسلل إلى فكرنا دون وعي منا. وأنت تشير إلى سنوات 1981 كنا خارجين للتو من ضربة قاسية أنزلتها السلطة على انتفاضة الدارالبيضاء في يونيو من نفس السنة. وعلى المستوى العالمي كانت هناك النشوة المفرطة للإسلاميين بفعل نجاح ما كان يسمى في الأدبيات الإعلامية بالثورة الإسلامية الإيرانية. كان كل من يقدم مساهمته الفكرية للخروج من الباب المسدود. فرض على الفلسفة، كما قلت، ان تنكمش و تنسحب من ساحة المقترح. أصاب السايسة نوع من التشتت المذهبي والشك المنهجي وبقي الفكر يقاوم الاستبداد الذي أحسسنا بزحفه على أصعدة متعددة. لكن قبل كل هذا كان الفكر المغربي يتجه إلى التعبير عن نفسه من خلال تلاث تيارات : تيار تقليداني تقوده الدولة (مهندسه هو الحسن الثاني)، ويلتقي في خطوطه الكبرى مع الوهابية والنظرة الأمريكية للصراع أو للطريقة التي يجب أن يتحول إليها الصراع العقدي في المنطقة ضذ الشيوعية والتيارات الشيعية؛ تيار يتبنى ما كان يعبر عنه المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي بالنقد المزدوج أي نقد الثراث العربي والإسلامي من جهة ونقد الفكر الغربي وخصوصا الاستعماري منه المتحول إلى إمبريالية من جهة أخرى وبناء فكر آخر مختلف Pensée Autre. من هنا كان التأكيد على اليتم، هذا المفهوم الذي لم يستوعبه الكثيرون. ومحور ثالث كان يظن ولا زال أن الحل في التراث. هذا التيار هوالذي سيطر على الجامعة المغربية نظرا لتحالفه، عن غير وعي ربما، مع بعض التيارات الدينية ونظرا لدعمه من طرف الاستبداد العربي (البترودولار والقومية) وهذا هو تيار الخصوصية. يعتبر هذا التيار أن للعرب حضارة وثقافة خاصة مختلفة عن شعوب العالم. هذه الخصوصية تجعل من العقل العربي شيئا مختلفا تماما عن العقول الأخرى. بادر هؤلاء إلى اعتبار العقل الكوني مجرد عقل غربي، جهوي وسارعوا، على شاكلة الفلاسفة الغربيين الذين حاولوا تحليل آليات العقل (الحديث هنا عن إيمانويل كانط وهيغل) إلى البحث عن خصوصيات عقل عربي خالص. لا يعترفون إذن بكونية العقل بل بجهويته ومن منطقهم هذا يمكن أن نعتبر أن ما أنتجه العقل الغربي (الكوني) لا يمكنه أن يتلاءم مع العقل العربي. هذا العقل العربي الذي صدر عن نص هو القرآن وعن نصوص قامت بتحليله وشرحه والتعليق عليه والتفاعل معه يمكنه، في نظر هؤلاء، أن يكون خاصية لمنطقة جغرافية لا أدري منسماها بالعالم العربي. لذا سحب هؤلاء منظومة فكرية نابعة من نص على أعراق وأجناس وثقافات لا تتكلم حتى العربية أحيانا. هذا المنحى والذي لا زال يبحث في التراث النصي عن معضلات شعوب المنطقة هو الذي سيطر بالمغرب ولا زال وهو الذي مد الأصولية الدينية من جهة والاستبداد السياسي من جهة أخرى بالأسس النظرية للدفاع عن أطروحة الخصوصية. فكل من الأصولية الدينية والاستبداد يعتبران أن مفهوم العقل ومفهوم الإنسان ومن تمة مفهوم الحرية والديمقراطية دخيلة على المنظومة الفكرية والروحية العربية لذا لا يمكن الأخذ بهما ووجب تطوير مفاهيم نابعة من الأرضية الفكرية لهذه الأمة العربية. هذا التيار يبحث في التراث عن مخرج لمعضلة آنية.