قبل يومين فقط من انطلاق المؤتمر الخامس لحزب الأضصالة والمعاصرة، أصدرت فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني للحزب، والمرشحة في "الكواليس" بقوة لأن تصبح الأمينة العامة لحزب "الجرار" خلفاً لعبد اللطيف وهبي؛ نداءً صنفه البعض ضمن دائرة "النقد الذاتي" لما جرى في المرحلة السابقة، داعيةً من خلاله إلى ما وصفته ب"تجديد النخب" خلال المؤتمر، و"النأيّ بالحزب عن الشبهات"، خصوصاً بعد الزلزال التنظيمي والسياسي الذي ضرب "البام" في الشهور الأخيرة بسبب اعتقال قياديين بارزين في الحزب (الناصيري وبعيوي) على خلفية ملف ما بات يعرف ب"إيسكوبار الصحراء" المرتبط بالاتجار الدولي في المخدرات. المنصوري المرأة القوية في الحزب، والتي لعبت دوراً مهماً خلال المؤتمر الرابع الذي انتخب وهبي أميناً عاماً، وجهت نداءً لأعضاء حزبها وكأنه إعلان عن بداية مرحلة جديدة في الحزب، ممّا جاء فيه "أمام مشهد سياسي متشتت، بفعل قضايا مالية وصدمات سياسية من حق المغربيات والمغاربة أن يطالبوا بشفافية أكثر، بنزاهة أكثر، وكفاءة أكثر.. أمام التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي يواجهها وطننا حان الوقت لنجدد أنفسنا، لنجدد نخبنا، ونثق في أجيال جديدة، وطموحة لمستقبل أفضل.. أمام النداءات المتواصلة لصاحب الجلالة، من أجل تخليق الحياة السياسية، وجب أن تكون لنا الشجاعة لنحاسب أنفسنا ونعيد التفكير في تنظيماتنا الحزبية، لنكون أكثر استعدادا لاستحقاقاتنا ومواعيدنا الديمقراطية". وزادت المنصوري، "قوة أي إطار حزبي في مشروعه الواضح والطموح والذي يجيب المغربيات والمغاربة عن تساؤلاتهم وانتظاراتهم اليومية، مشروع يجعل المغرب ينخرط في تنمية مستدامة ودائمة.. الشفافية هي أن تكون لنا الجرأة لنقول نريد أن نكون فوق كل الشبهات ولن يتحمل المسؤولية في صفوفنا إلا أناس بأخلاق عالية ومبادئ صادقة وقناعات صافية والحزب هو الإيمان القوي بدولة الحق، لا أحد فوق القانون، والقانون هو ضامن العدالة وتكافؤ الفرص". ويرى متتبعون للحزب أن هناك "إرادة" لدى المنصوري ومن معها في "القطع" مع ممارسات الماضي القريب، بل إن النداء جاء ليقول إن ما جرى في الحزب، "لا يمكن أن يتكرر"، حسب مصادر قيادية، كما أنّ المؤتمر الخامس "لن يعيد نفس القيادة الحالية"، وأن "وهبي لن يعود للأمانة العامة". لكن في الاتجاه الآخر، هناك "رأي" يرى أن المجموعة التي تقود الحزب حالياً والتي تعدّ للمؤتمر الخامس نفسها التي ظلت تتحكم في قررات البام منذ المؤتمر الرابع، ونفسها من أتت بوهبي إلى الأمانة العامة، بل إن سعيد الناصري وعبد النبي بعيوي المعتقلان كانا جزءً مهماً من هذه القيادة ومن ضمنها تيار مراكش الذي تمثله المنصوري، وبالتالي أي نقد ذاتي يجب أن يتضمن الاستقالة من الحزب وتحمل المسؤولية وأضعف الإيمان الاعتذار للمغاربة عموماً ولأعضاء الحزب بشكل خاص. هذا "الرأي" يرى أن الحزب يتوجه إلى المؤتمر من دون نقاش سياسي ولا وثائق سياسية تطرح أسئلة المرحلة والمستقبل، بل إن الأمر لايعدو أن يكون عبارة عن محطة تنظيمية هدفها استبدال الأمين العام في حين نفس المجموعة والنخبة التي ظلت تتحكم في الحزب هي نفسها المستمرة. وفي هذا السياق، قال عبد المطلب أعميار القيادي السابق في حزب الأصالة والمعاصرة في تصريح ل"الأول" إنه، "إذا أردنا الحديث عن تغيير داخل الحزب لابد من شروط أساسية أولها الاعتذار، حيث من أقدار المشهد السياسي بالمغرب أن ينعقد المؤتمر الوطني الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة على وقع تبعات الملف الجنائي المتعلق بما بات يعرف بقضية " اسكوبار الصحراء" والتي يتابع فيها بعض "القيادين "في الحزب، والذين يتحملون مسؤوليات تنظيمية، وانتدابية، وعمومية". وأضاف ذات المتحدث: "وإذا كانت السياسة تطمح لتنظيم المجال العام بناء على قيم الاستقامة، والنزاهة، والجدية فان اعتذار الحزب للمجتمع، ولعموم المغاربة يعتبر امتحانا أخلاقيا أمام المؤتمر.. أما إذا تم القفز على هذا الملف، لأي اعتبار كان، فإن ذلك سيشكل رسالة سلبية ستجرد السياسة من أخلاقياتها وقيمها المؤسسة، ومن الجدية المطلوبة. كما أنه سيضع القيادة الحزبية القادمة أمام امتحان عسير يتعلق بمواصلة المشاركة في تدبير الشأن العام ، والاستمرار في التغطية على المسؤولية فيما جرى". ثانياً، يقول أعميار، يجب طرح سؤال "المشروعية السياسية، هذه الآخيرة لاتتحقق لأي مؤتمر حزبي إلا على قاعدة التداول العام في القضايا الكبرى التي تهم المجتمع والدولة. وفي مقدمة ذلك مناقشة الوثائق التوجيهية للحزب. لكن مع الأسف، لم يتم نشر أي وثيقة سياسية للعموم، ولم يتم التداول في أي مشروع تنظيمي أو أرضية عمل تؤطر أشغال المؤتمر، سواء تعلق الأمربتوجهات الحزب في المرحلة القادمة، أو بتقييم أدائه الحكومي. وبالمقابل، تم اختزال المؤتمر القادم في سؤال من سيتحمل مسؤولية الأمانة العامة .وهو مؤشر سلبي يضع سؤال المشروعية السياسية موضع مساءلة حقيقية في علاقتها بالمشروعية الديمقراطية". ثم "سؤال المشروعية الديمقراطية"، حسب أعميار، والتي "لا تتحقق لأي مؤتمر حزبي إلا بقدرته على استيعاب واحتضان مختلف الأصوات والتعبيرات والحساسيات المختلفة. ولأن الحزب السياسي ليس وكالة انتخابية، ولا جماعة مغلقة، ولا مقاولة خاصة، فإن المشروعية الديمقراطية تتأسس على القدرة على تنظيم الاختلاف، وبناء الديمقراطية الداخلية على هذا الأساس، وعلى أساس احترام المقررات التنظيمية واعتماد قواعد الشفافية أمام مناضلات ومناضلي الحزب، وأمام الرأي العام. فمن يتخوف من احتضان الاختلاف، لا يمكنه أن يكون شريكا للدولة في تنظيم وتأطير المجتمع بمختلف تعبيراته وحساسياته المختلفة، وبالأحرى أن يدعي التحديث السياسي والمجتمعي، والإسهام في حماية وصيانة الاختيار الديمقراطي".