لفيروس كورونا علاقة وثيقة بالأرقام، انطلاقا من تسميته الرسمية ( كوفيد – 19)، ومرورا بتفاصيل لا داعي للخوض فيها هنا والآن، وصولا إلى أرقام الحالة الوبائية التي توثقها مختلف الدول عبر العالم، والمنظمة العالمية للصحة، والعلماء والأخصائيون والباحثون والسماسرة وتجار “الهمزات” والمآسي والانتهازيون وكَتَبَةُ التاريخ والجغرافيا والدين. دون أن ننسى أن الوباء والجائحة اغتالا فصل الربيع لسنة 2020، وكادت عبقريات انتهازية أن تستغل كورونا 19 لتمرر علينا في المغرب القانون سيء السمعة 20/22، لولا نبض يقظةٍ صارمةٍ لا زالت تنبض بإصرار في عروق الكثيرين منَا. طبعا لن أخوض في الإحصائيات التي يطلق عليها بعض الضالعين في العِلم والشماتة مقولة ” الإحصاء هو فن الكذب بلباقة “، وهو ما يتضح في عمليات الحذلقة في صياغة المعطيات وفي قراءتها بأدوات وخلفيات تتنوع حسب الأهداف والغايات، وحسب فئات المستهدفين بقصفِ الأرقام العشوائي أو المخدوم أو ذلك المبني على العلم الصِرف بعيدا عن الاستثمار والتوظيف بفائدة أو بدون رِبا حسب الفقهاء أوالمتفقهين. لن أخوض في المعطيات التي تهم أعداد البؤر وأحجامها والضالعين فيها، وخرائط الانتشار وإحصائيات الإصابات والوفيات والمتعافين وتداعيات الفيروس (بالأرقام) على الاقتصاد والصحة والشغل وانعدامه أو فقدانه في رمشة فيروس، أوالتفقير والاغتناء الانتهازي المُصاحب للوباء، والقهقرة في سلم الأوضاع أو اللاأوضاع. لن أخوض في أرقام تداعيات وآثار الوباء (المباشرة وغير المباشرة، المادية والمعنوية) وكلفته الاجتماعية أو كلفة قُففِ الإعانات ومضامينها ووزنها المحايد والموضوعي أو السياسوي أو المالي و”الثواب” المأمول من ذلك… ولا أوزانها والظروف التي جُمِعت فيها والدموع التي سُكِبت عليها ولأجلها، ولا حاملها والمحمولة إليه/ها…. ومن نزلت عليهم/ن بردا وسلاما مثل بارقة أملٍ، ولا من حولها لغير مستحقيها أو من طبق عليها سياسة ” في المقربين أولى”. لن أخوض في التداعيات الكمية والنوعية ذات الطابع السوسيولوجي المُتمثِل في العنف في البيوت وحالات الانتحار والطلاق المؤجل أو النافذ أو بالتقسيط غير المُريح على طريقة goute à goute، أو الذي في طور التنشئة والبناء العشوائي…. أو ذي النفاذ المُعجل…. بل سأبقى حبيس التأريخ لأرقامٍ وبأرقامٍ فرضها علينا الوباء في المغرب، وأخرى تضُمها مجلدات التاريخ المغربي. وسأبدأ برقم 20 وأنتهي إليه. فقد كنا في المغرب ولا زلنا نُخلد رسميا وسنويا ذكرى 20 غشت 1953، التي تُعرف رسميا باسم ثورة الملك والشعب، وانضاف إليها بعد ذلك ذكرى 20 يونيو سنة 1981، تاريخ انتفاضة الدارالبيضاء إثر الزيادات المهولة في أسعار العديد من المواد الأساسية، والتي سقط على إثرها عشرات القتلى بالرصاص، المشهورة بتسمية ” شهداء كوميرة” ، وهي التسمية التي أطلقها وزير الداخلية العتيد والعنيف إدريس البصري في مقر البرلمان وهو يتحدث عن تلك الأحداث المؤلمة. وعند مطلع العشرية الثانية من القرن 21 ، انطلقت حركة 20 فبراير سنة 2011، والتي ساهمت في تغيير تاريخ المغرب الحديث بالصيغ والأصباغ والأوصاف والأوزان التي يعرفها تقريبا جميع المغربيات والمغاربة، وإن بدرجات وإدراكات وتقديرات متفاوتة. ولما جاءت جائحة كورونا عاد الرقم 20 مرة أخرى ليدخل التاريخ من بابه الموبوء دون كمامة في البداية ( قبل أن يتم فرض ارتداء الكمامة بتاريخ 7 أبريل، الذي يصادف تخليد اليوم العالمي للصحة، وصناعتها في مقاولات مغربية، وبيعها مُدعمة مثل الخبز والسكر والبوطا، وتصديرها ومآرب أخرى، في تاريخ رسمي لاحق تحت طائلة دعيرة مالية تدخل عائداتها إلى خزينة الدولة المعروفة بشراهتها الدائمة)، عاد إذن الرقم 20 بفرض الحجر الصحي لأول مرة يوم 20 مارس 2020، في البداية لمدة شهر واحد، ليتم تمديده أولا إلى غاية 20 أبريل 2020 في مرحلة أولى ثم التمديد لشهر آخر بالتمام والكمال، في شوطٍ ثانٍ عمره 30 يوما، أي إلى غاية 20 ماي 2020. ولكن التمديد الثالث بعد ذلك وقف عند حدود 10 يونيو 2020، إي لمدة 20 يوما فقط وليس شهرا كاملا، كما سلف، وهذا ما يدعو للتأمل والتحري في خلفيات ذلك أو في مقدماته، فالأمر سيَان. فإذا كانت الجهات الرسمية المعنية والمختصة قد بررت هذا التمديد العشريني ومدته، وبالتالي موجبات تسقيف التمديد في حدود 20 يوما ثالثة بذل 30 يوما، وهو العمر السائد لشهر مكتمل اكتمال البدرِ، فإن قراءات وتأويلات ( غير آثمة ) فسرت هذا التلخيص، الذي وقف عند 10 يونيو، ولم يصل إلى 20 يونيو، بكونه نوع من التجنُب العاقل والماكر من أجل تفادٍ ذكي لذكرى 20 يونيو المرتبطة في ذاكرات وأّذهان الكثيرين ب “انتفاضة كوميرا” التي تهل سنويا ( يوم 20 يونيو 1981) والتي ستحُلُ ذكراها ( 40 ) الأربعون خلال السنة المُقبِلة أي 20 يونيو 2021. طبعا لا يمكن إقفال قوس هذا المقال، دون أن نستحضر ما يُعرف في الأعمال السينمائية ب ” Happy-end لكن دون الإفراط في البهجة والفرح بالنهاية السعيدة، ذلك أن كورونا ببلادنا تفتح الأبواب وتشرع النوافذ والسقوف والأقواس والانتظارات على كل الاحتمالات والخيبات، ما لم يتم القطع مع الماضي السيء لسياسات عمومية فاسدة ومُفسدة، وفرت التربة الخصبة لزراعة ورعاية وتعميق هشاشات متعددة عرًت سوءات البلاد وعورات الناس المغلوبين على أمرهم الاقتصادي والاجتماعي والصحي والفكري، وأمنهم وأمانهم الغذائي والصحي والنفسي والمعنوي ( من المعنويات)، والذين ينتظرون بحُرقة وشغف فجرا جديدا يوفر كل مقومات الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية، ويقطع دابر كل الممارسات التي ضخمت أرقام الفقر والظلم والحكْرة في كافة تجلياتها. وختاما سألني صديق بمكرٍ ظاهر كيف وجدت خطاب رئيس الحكومة في مقر البرلمان، أثناء تقديم بيانات تتعلق ب"تطورات تدبير الحجر الصحي ما بعد 20 ماي"، فأجبته وبراءة الأطفال في عينَيَ : ” أعجبتني كُمامته، حيث كانت assortie مع القميجة ديالو” .