الكمامة لغة تسمى بالغطاء الذي يوضع على الفم والأنف من أجل تفادي الأضرار التي قد تلحق بواضعه، فقد يضعها مثلا الجندي لاجتناب استنشاق الغازات السامة، وقد توضع لبعض الحيوانات للفطام أو منعها من الأكل أو إيذاء الغير ….، واصطلاحا وسيلة محددة بقرار للسلطة العمومية من أجل سلامة وحماية صحة وأمن الأشخاص من الإصابة أو المساهمة في تفشي الوباء. فمنذ الإعلان عن أول إصابة بفيروس كورنا كوفيد 19، انطلقت عدة وصلات إشهارية، ذات طابع تحسيسي تهدف إلى اعتماد قواعد النظافة، والوقاية من الإصابة، ومن بين هذه الوصلات، تلك التي تفسر نوعي الكمامات المتواجدة، المهنية والعادية، والتي تؤكد أن حالة الوباء على مستوى التراب الوطني لا تدعو إلى استعمال الكمامات. لكن، وارتباطا بتصريح لمحمد اليوبي، مدير علم الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، في الندوة الصحفية الرسمية ليوم الاثنين 06 أبريل 2020، أصبحت الكمامات أمرا من أوامر السلطات العمومية، إذ جاء في كلمته «… هذا يعني أنه يجب تكثيف إجراءات السلامة، التي .. نؤكد عليها دائما، خصوصا داخل البيوت من أجل احتواء المرض داخلها، وأيضا نوصي بتعزيز السلامة بالنسبة للأشخاص الذين يغادرون البيوت لأغراض أو لأسباب متعلقة بالعمل أو للتبضع، حيث وتماشيا وتفاعلا مع التوصية الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية فإننا نوصي بمزيد من الإجراءات الحاجزية، والتي تقتضي أن على (هؤلاء) الأشخاص الذين يغادرون المنازل أن يرتدوا الكمامات من أجل المزيد من الحيطة والحذر». وبموجب هذا التصريح، أصبحت الوصلة الإشهارية المشار إليها سلفا لاغية، ومن المؤكد، أنه لن يتم بثها مستقبلا، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه، هل نحن في حاجة اليوم إلى إصدار أمر أو قرار يلزم بوضع الكمامات لحظة مغادرة المنزل؟ بالرجوع إلى التوصيات الست الصادرة عن منظمة الصحة العالمية للوقاية من فيروس كورونا وتجنب انتشاره، جاء في التوصية الرابعة، وضع الكمامات الواقية على الفم والأنف، ولبس القفازات المطاطية الخاصة عند التعامل مع المصابين، وهي توصية ذات طبيعة عمومية، أي موجهة للعموم، سواء تعلق الأمر بالمواطنات والمواطنين أو بالأشخاص الذين يقدمون خدمات للمصابين بهذا الفيروس، أثناء النقل أو التطبيب أو الحجر…إلخ. وهذه التوصيات لا تخرج عن سياق اللوائح التنظيمية الصحية الدولية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والتي تم إقرارها في نسختها المنقحة منذ سنة 2005، ودخلت حيز التنفيذ يوم 15 يونيو 2007، وهدفها الرئيسي هو العمل دون تفشي وانتشار الأمراض على المستوى الدولي والحماية منها ومكافحتها ومواجهتها عبر اتخاذ مجموعة من التدابير في الصحة العمومية، على نحو يتناسب مع المخاطر المحدقة بالصحة العمومية. وبلادنا، باعتبارها العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، والمتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، استندت في ديباجة مرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومرسوم رقم 2.20.293 بتاريخ 24 مارس 2020 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، على اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، ومن هذا المنطلق، أعلنت وزارة الصحة، عن اعتماد توصيتها المتعلقة بارتداء الكمامة عند كل خروج من المنزل، والمترجمة في إطار بلاغ حكومي، في احترام تام لمبدأ الشرعية، فهل تشكل واقعة عدم ارتداء الكمامة أثناء حالة الطوارئ الصحية، فعلا جرميا يعاقب عليه القانون؟ بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مرسوم رقم 2.20.293 المشار إليه، نجد أنه يخول للسلطات الصحية المعنية حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية المعلنة، وهو ما جعل أربع قطاعات حكومية (وزارة الداخلية، وزارة الصحة، وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي)، تعمل على ترجمة التوصية المذكورة في بلاغ رسمي، أعلنت بموجبه عن إجبارية وضع الكمامات الواقية ابتداء من يوم الثلاثاء 07 أبريل 2020 بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية المقررة سلفا، وهو القرار الذي يسري على فئة محددة، ألا وهي الفئة التي تخرج من المنزل والموجودة في وضعية قانونية (أي مرخص لها)، ولمدة محددة، أي مدة تواجدها خارج المنزل. واعتبارا لمضمون الفقرة الأولى من المادة الثالثة من مرسوم بقانون المشار إليه، التي تنص على أنه «على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان الطواري، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم»، فإن ما جاء على لسان مدير علم الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة خلال ندوة صحفية رسمية، يعتبر بمفرده بلاغا رسميا لترجمة قرار السلطات الصحية، والذي مفاده إصدار الوزارة لتوصية مشابهة تماما لتوصية منظمة الصحة العالمية والرامية إلى ارتداء الكمامات بمجرد أن تخرج من باب المنزل، وإلى غاية ولوجه، إلا أنه لم يتم الاقتصار عليه، بل سارعت القطاعات الحكومية الأربعة إلى تأكيد التوصية المذكورة بعد ترجمتها إلى بلاغ رسمي، يأخذ شرعيته من هذا المقتضى القانوني، مما يجعلنا أمام قرار صادر عن السلطات العمومية بشأن حالة الطوارئ الصحية، ويتعين على الجميع التقيد به، تحت طائلة المتابعة القضائية طبقا لمقتضيات المادة الرابعة من مرسوم بقانون المذكور، والتي تعاقب على مخالفة الأحكام المتعلقة بالتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بشأن حالة الطوارئ الصحية بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد. والقرار الصادر يوم الاثنين عن السلطة الصحية، سبق لبلادنا، وبتوجيهات ملكية مواكبة لكل المراحل، أن أعدت العدة اللازمة لتنزيله، حيث بدأت الحكومة منذ الأسبوع الأخير من شهر مارس المنصرم، في تصنيع مستلزمات طبية من النسيج، عبارة عن ألبسة واقية، وبذلات طبية، وأغطية الرأس والأحذية، كما عملت على توجيه معامل النسيج ومجموعة من المصنعين الوطنيين من أجل إنتاج وتصنيع الكمامات الواقية للسوق الوطني، حيث سبق الإعلان في وقت سابق عن رفع القدرة الإنتاجية الوطنية إلى 2,5مليون كمامة يوميا، وهو ما ساهم في توفيرها، ووضعها في مختلف نقط البيع بالمحلات التجارية، بدعم من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا «كوفيد 19»، وبثمن 80 سنتيما للوحدة، وفق ما تم تحديده بموجب قرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 1057.20 بتاريخ 06 أبريل 2020 باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار الكمامات الواقية، وذلك لفترة مؤقتة تحدد في ستة أشهر، يتم بموجبها تنظيم أسعار البيع القصوى بالتقسيط للكمامات الواقية غير المنسوجة الموجهة للاستعمالات غير الطبية التي تستجيب لمعايير المواصفة المغربي NMST21.5.200 في 0,80 درهم مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة. وعليه، فمبدأ المشروعية حاضر في تجريم عدم ارتداء الكمامة، حيث أن إمكانية متابعة مرتكبي هذه الجنحة لا يخالف القانون، وبالتالي يتعين على الجميع الانخراط في هذه التدابير الوقائية حماية لهم ولأسرهم وللمجتمع عامة. ومن أجل التسريع بأجرأة هذا المقتضى، أصدرت رئاسة النيابة العامة دورية تحت عدد: 16س/ ر. ن. ع بتاريخ يوم الثلاثاء 07 أبريل 2020 حول (مخالفة) «حمل الكمامات» خلال فترة الحجر الصحي، ودعت إلى العمل على التطبيق الصارم والحازم للمقتضيات القانونية وعدم التردد في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية بشأن الأفعال التي تصل إلى علم النيابات العامة بشأن عدم التقيد بوضع الكمامات الوقائية في حالة الخروج من المنازل. فلنعمل جميعا على احترام التدابير والإجراءات الوقائية المتخذة من طرف الدولة، حماية لوطننا من هذا التهديد الوبائي الخطير.