قالت مونية بناني الشرايبي، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة لوزان، أن الصراع على الفضاء العام تمتد جذوره إلى فترة "بلاد السيبة" و "بلاد المخزن" معتبرة أن من كان يحكم "الفضاء العام" في بلاد السيبة هم "عامة الناس" أما "بلاد المخزن" فكان الفضاء العام متحكما فيه من قبل "المخزن". وقاربت مونية بناني الشرايبي، في الندوة الافتتاحية لملتقيات ابن رشد، أمس الأربعاء، مفهومي "المجال العام" و "الشارع"، واضعة تحت ضوء ذلك العلاقة النقيضية بين المفهومين، فهما من زاوية آلية لِلَم الرغبات والأهواء، ومن زاوية ثانية مكان وإمكان للتواصل و التحاور و الجدال. وفصلت في تحليل مفهوم "الفضاء العام"، بتبيان بُعديه المكاني "المادي" و الرمزي "المجالي". وختمت مداخلتها بربط السير التاريخي الجدلي بين أسئلة السلطة الحاكمة، وأسئلة المواطنين المطروحة في الفضاء العام، ومظهر ذلك الاحتجاجات والمظاهرات. من جانبه عرض الطيب بلغازي، مدير مركز الدكتوراه "الإنسان والفضاء في البحر الأبيض المتوسط"، تحليله لثلاث صور من مظاهرات حراك 20 فبراير، الأولى تتضمن شعار "عاش الشعب"، ويرى أن بُعدها الرمزي يتمثل في "الاستشراف"، أي أنها تنزع إلى المستقبل "الحلم"، من حاضر نقيض لذلك المستقبل الطوباوي. الصورة الثانية تتضمن شعار مطبوع في قميص شابة، يخرج من الطابع الجدي للشأن السياسي، وخطابه الطهراني، حيث تربط بين "النكاح" والمكر السياسي المطبق على الشعب. أما الصورة الثالثة فهي تشير إلى البعد النقيض للعقلانية في التدبير السياسي للشأن العام، تتضمن شابة من مناضلي الحراك تقدم وردة لرجل من القوات المساعدة. وختم الطيب بلغازي مداخلته بعرض منظور كل من "هابرماس" و"حنة ارندت" عن "المظاهرة"، ونقد "آسيف بايات" للمنطلقات التأسيسية لمفهوم المظاهرة عند هابرماس. وجاء في مضامين مداخلة عبد الحي مودن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس، التقابل الفكري في المجال العام بين الفاعل العقلاني والفاعل الشعوري، مفصلا فيما أشار إليه الطيب بلغازي عند تحليله للصور. على ضوء ذلك أشار إلى كيف يتم استعمال السلط السياسية في عالمنا المعاصر للعنف، بغية التحكم بالمجال العام، وحكم المجتمع تواليا. وانتقل عبد الحي مودن للتساؤل – بصيغة إنكارية – عن السبب الذي يجعل من يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية، يكتفي بالوثائق المكتوبة للحراك الاجتماعي، ولا ينفتح على بعدها الحي المتحرك، الدال على البعد "الشعوري" للصراع السياسي حول الشارع (المجال العمومي). ليقفل مداخلته بضرورة الانتباه إلى التطور التاريخي للمجال العام في المغرب. عقبه قراءة كلمة نجمة حاج بنشلبي (كاتبة ومخرجة أفلام وثائقية)، من طرف عادل السعداني، بعد تعذر حضورها للندوة، بسبب انفجارات بروكسيل، وأسست كلمتها على هذا المعنى:" إن سبل تجاوز ظاهرة الإرهاب، هو التركيز على تأسيس مجال عام يطبعه الحوار والسلم والتعايش، فضاء عام منفتح على ما يجاوره من فضاءات عامة، فضاء عام لا تنخره علة الدغمائية والانغلاق و النرجسية." وكانت قد افتتحت ملتقيات ابن رشد أنشطتها يوم أمس الأربعاء، في المكتبة الوطنية بالرباط، بندوة فكرية موضوعها الفضاء العام، وشارك فيها كل من مونية بناني الشرايبي، الطيب بلغازي، وعبد الحي مودن، وإدريس كسيكس، الذي افتتح النقاش بربطه شعار الملتقى وموضوع الندوة، مشيرا إلى موقف ابن رشد من "المشترك"، الذي يشمل سؤال المناصفة –في المكان والمجال- والمساواة بين الرجل والمرأة.