بغض النظر عن الملابسات التي أحاطت بنشر موقع حزب العدالة والتنمية لمقطع قصير من نقاش حزبي داخلي معزولا عن سياقه وحيثياته، وبعيدا عن أي محاولة للتملص من مسؤولية الأفكار التي عبرت عنها في الحوار الداخلي لحزب العدالة والتنمية، فإن بعض ردود الفعل المغرضة تقتضي الرد وإبراز بعض التوضيحات: – أولا، هذا حوار داخلي تكلفت فيه بإنجاز عرض مكتوب حول" النسق السياسي المغربي : الثوابت والمتغيرات" على أن يتكفل كل من الأخوين محمد يتيم وخالد الرحموني بالتعقيب على الورقة. غير أني فوجئت بموقع الحزب يتجاهل نشر العرض كما تجاهل نشر تعقيبات الأخوين يتيم والرحموني واكتفى بنشر مقطع مرتجل من أربع دقائق معزول عن سياق مداخلتي الكاملة وجاء في سياق التفاعل مع المناقشة العامة، وهو ما ينتظر أن تجيب عنه قيادة الحزب التي أكدت لي أنها لا تتحمل مسؤولية النشر وستفتح تحقيقا في الموضوع مع ترتيب الجزاءات اللازمة. ثانيا، أتحمل مسؤولية الأفكار التي عبرت عنها والتي في جوهرها تستند إلى التراكم الفكري الذي طوره الحزب في موضوع إصلاح النظام السياسي وتم بسطه بشكل مفصل في أطروحة النضال الديموقراطي وفي ورقة الإصلاحات الدستورية التي تقدم بها الحزب سنة 2011 أمام اللجنة الملكية لتعديل الدستور، وقد كانت محطة الحوار الداخلي مناسبة عبر فيها الجميع عن الصعوبات السياسية والمؤسساتية التي تمر منها البلاد، وانخرط فيها الجميع في نقاش مسؤول محكوم أساسا بهاجس الإصلاح السياسي المنشود والرغبة في تطوير أداء جميع المؤسسات. ثالثا، إن الظروف السياسية التي تمر منها البلاد هي ظروف مطبوعة بالقلق العام من أجواء التوتر الموجودة، ونقاشنا داخل الحزب يندرج في سياق البحث عن الحلول المطلوبة من الجميع خلال هذه المرحلة، ولذلك لا مجال لبعض الذين اعتادوا أن يسبحوا في الماء العكر ويعتقدون بأن الفرصة مواتية لهم لممارسة هوايتهم المفضلة منذ انتخابات 25 نونبر 2011 ومنذ حكومة بنكيران الأولى والمتمثلة في محاولة استعداء المؤسسة الملكية ضد العدالة والتنمية والتموقع كأصوات «أليفة» في خدمة النظام السياسي..!.النقاش أكبر من ذلك. ولا حاجة إلى تذكيرهم بأن مدرسة العدالة والتنمية كانت ولازالت تؤمن بالإصلاح في نطاق الثوابت الوطنية وعلى رأسها النظام الملكي وتسعى لتطوير النظام السياسي عن طريق الحوار والتوافق وليس عن طريق الغلبة والقوة. نعم، لقد نسي جمهوريو " آخر ساعة" تاريخهم الانقلابي عندما كانوا يخططون للثورة على الملكية، وأصبحوا يعطون لنا الدروس في عشق الملكية والهيام في حبها..ألا لعنة الله على المنافقين. رابعا، لقد كتب أحد طلبتي السابقين الذي يشتغل في يومية الأحداث المغربية وهو يونس دافقير، مقالا في الصفحة الأولى تحت عنوان مثير : " دستور عبد العلي حامي الدين " حمل فيه تصريحاتي ما لا تحتمل منخرطا بدوره في لعبة الوقيعة المفضلة لدى بعض بقايا اليسار الذي ينتعش بورقة الدفاع عن الملكية. وإلى جانب مقاله العريض انتصب صاحب عمود "من صميم الأحداث" بلغة خبيثة لينتشل جثة المرحوم آيت الجيد بنعيسى من قبره في محاولة استغلال مقيت لملف يعرف هو قبل غيره أنه ملف أخرج من الأرشيف بغرض الابتزاز السياسي. لكن مع ذلك، أتفق مع يونس دافقير في قوله ب"أن العطب يوجد في النخبة السياسية التي صدمت بدستور أكبر منها". نعم، لابد أن نعترف بضعف النخب الحزبية وتراجعها عن أدوارها في طرح الأسئلة الضرورية لإصلاح النظام السياسي، على غرار الأسئلة التي طرحتها النخبة الإصلاحية في بداية القرن العشرين، والأسئلة التي طرحتها الزعامات الوطنية قبل وبعد الاستقلال، لكن لا أتفق معه حين يقول بأن نخبتنا تحتاج الوقت لاستيعابه والتدرب عليه. أولا، لأن المواطن الذي خرج ولا زال يخرج للشارع لن ينتظر النخبة الحالية حتى تنتهي من تدريبها، والحقيقة أن جزءا من هذه النخب هو ينتمي إلى ثقافة سياسية قديمة. ثانيا، لقد ثبت بأن هذه النخبة لا تستطيع مجاراة الإيقاع الإصلاحي الذي عبر عنه الملك محمد السادس منذ نحته للمفهوم الجديد للسلطة وموافقته على تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة ورفضه الإبقاء على صفة القداسة في الدستور واعترافه الشجاع بفشل النموذج التنموي ودعوته الصريحة للأحزاب السياسية إلى مراجعة خطابها وأسلوب عملها… هذا الكلام ليس فيه أي تناقض مع ما ذهبت إليه سابقا، ذلك أن الملك محمد السادس حينما يدعو باقي المؤسسات إلى تطوير أدائها فهو يستحضر ضمنيا ضرورة تطوير المؤسسة الملكية لأنها جزء من النسق المؤسساتي العام للبلد الذي يحتاج إلى التطوير والتجديد. هذا التطوير لا يمكن أن يتم إلا عبر الحوار والتوافق، وهو ما كانت تقوم به أحزاب الحركة الوطنية تاريخيا لأنها كانت تتمتع بالصفة التمثيلية لجزء واسع من الفئات الشعبية، سواء في عهد المرحوم محمد الخامس أو المرحوم الحسن الثاني الذي طالما اجتمع بأحزاب الحركة الوطنية واستمع لاقتراحاتهم بشكل مباشر أو عبر مذكرات مطلبية مكتوبة. واليوم يمكن أن نؤكد بأن الإصلاح هو عملية مستمرة ولا يمكن أن تتوقف لكن زمام المبادرة يبقى في يد المؤسسة الملكية التي لم يسبق في التاريخ المغربي المعاصر أن شهدت مستوى من الإجماع والتسليم بالمشروعية من طرف باقي الفاعلين مثلما تعرفه اليوم، ويمكن اعتبار عهد الملك محمد السادس هو انطلاق مرحلة جديدة في العلاقة بين القصر والأحزاب السياسية الجادة، حيث انتهى منطق الصراع بعدما اختارت الملكية أن تتموقع كقائدة لمشاريع الإصلاح، وهي قادرة على التطوير والتطور بكل شجاعة ولذلك نتوجه إليها بمطالبنا دون خوف من عودة سنوات الرصاص التي يخيفنا بها البعض، ولأننا نؤمن جازمين بأن الاختيار الديموقراطي اختيار لارجعة فيه.