خلص المشاركون في المحكمة الوطنية الرمزية ل "محاكمة الزمن القضائي"، المنظمة من طرف ودادية موظفي العدل، مساء الأربعاء 30 ماي 2018، بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، إلى توجيه الاتهام للمشرّع وتحميله مسؤولية "هدر الزمن القضائي"، حيث كشف متدخلون أن هناك قضايا من المُمكن أن تُحسم في 24 ساعة كما هو شأن قضايا "الأمر بالأداء"، أو شهر على أبعد تقدير كما هو الحال بالنسبة لقضايا "النفقة"، فنجدها وغيرها تروج في محاكم المملكة على مدى شهور، بل، أحيانا، سنوات إذا لم يتمّ سلوك المساطر الصحيحة، مما يُضيع حقوق المتقاضين، ووقتهم الذي يقضونه في التنقل بين المحاكم، بمختلف تخصصاتها، ودرجاتها. لقد كانت المحكمة الوطنية الرمزية، التي ترأس جلستها بنيونس المرزوقي، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق وجدة، مناسبة فعلية لطرح الإشكالات الكبرى وراء هدر الزمن القضائي، إذ في الوقت الذي حمل فيه المتقاضون، ممن يعتبرون أنفسهم ضحايا تأخير قضاياهم المسؤولية لكتابة الضبط، وموظفيها، الذين لا يمارسون مهامهم بنوع في الحياد السلبي الذي من تمظهراته: عدم تعاملهم مع إجراءات التبليغ بما يلزم من السلاسة لحسن سير مساطر البتّ في القضايا المعروضة على القضاء؛ عدم مبادرتهم بتنبيه المتقاضين بالنقص الذي يعتري الوثائق المدلى بها من طرفهم مما قد يعرضهم إلى الحكم بعدم قبول دعواهم أو على أقلّ تقدير ضياع مدة زمنية ليست باليسيرة؛ عدم توجيههم المتقاضين الذي يسلكون مساطر خاطئة إلى المساطر السليمة التي من شأنها تمكينهم من استصدار أحكام في أجل معقول، كالذين يسلكون مساطر ذات طابع جنحي في قضايا ذات طابع مدني على سبيل المثال؛ عدم تنبيههم للمتقاضين بإلزامية تنصيب محام في القضايا التي تكتسي هذه الصبغة؛ عندما تتلقّى الطعون في المقررات القضاىية رغم ورودها خارج الأجل القانوني، مما يؤدي إلى عرقلة تنفيذ تلك المقررات وحرمان أصحابها من حقوقهم لمدد زمنية غير يسيرة. وغير ذلك من التّهم التي تقع في صلب هدر الزمن القضائي، وقد كان للدفاع رأي آخر، حيث شرح الحَسن العباقي، رئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة الابتداىية ببنسليمان، وعضو المكتب المركزي لودادية موطفي العدل، في مرافعة أبهرت حتى المتخصصين من الحاضرين، الذين صفقوا لها كثيرا، ظروف اشتغال كتابة الضبط، في ظل قوانين تكبل عملها. وأشار الحَسن العباقي، دفاع كتابة الضبط في هذه المحكمة الرمزية، إلى أن الوسائل التي اعتمدها المدّعون لإثبات ضلوع "كتابة الضبط" في هدر الزمن القضائي، هي نفسها وسائل إثبات براءتها من التهم الثقيلة التي وجهت لها، مشيرا في الآن نفسه إلى أن المتهم الحقيقي ليس جهاز كتابة الضبط، إنما المشرع الذي حرم هذا الجهاز من أبسط الوسائل، التي يمكن من خلالها إيقاف هدر الزمن القضائي. وأوضح أن التبليغ مثلا، ليس مشكلة كتابة الضبط، إنما المشرع، الذي لم يمنح صلاحيات للجهاز "المتهم"، بل الأكثر من هذا، أن المشرع من خلال مشروع المسطرة المدنية الحالي، يكرس الأمر نفسه، حيث بدل أربع مؤسسات المكلفة بالتبليغ، وعجزت عن التبليغ في زمن معقول، منح الحق لجهة واحدة، وحرمها من إمكانية تبليغ الطرف أو الأطراف الماثلين أمامها إلا بأمر قضائي، الشيء الذي لا يمكن إلا أن يزين من منسوب الزمن القضائي المهدور؛ كما أكّد الحَسن العباقي بأنّ الحديث عن توجيه المتقاضين وإرشادهم للمساطر السليمة، هو حديث عن أهمّ وأطول مرحلة في عمر الملفات المعروضة على المحاكم، وهي مرحلة تجهيز القضايا بكل ما تضم من تبليغ للأطراف وتبادل للمذكرات وإعداد للخبرات وغيرها من المساطر والإجراءات، وهي المراحل التي أحالتها الكثير من التجارب المقارنة على جهاز كتابة الضبط لتبقى مهمّة القاضي مهمّة قضائية صِرفة، تتلخّص في دراسة القضايا الجاهزة وإصدار المقررات القضائية بشأنها، وهو ما ساهم في تقليص الزمن القضائي المهدور في تلك التجارب بشكل كبير جدّا، بين فضّل المشرّع المغربي الحفاظ على مسطرة القاضي المقرر، التي لم تحقّق الغاية المرجوة منها رغم مرور ما يربو عن الأربعين سنة من صدور قانون المسطرة المدنية الذي يعود إلى عام 1974، ما يساهم في تكريس هدر الزمن القضائي، وأنّه قد آن الأوان للاستفادة من الطاقات والكفاءات العالية التي يزخر بها هذا الجهاز للإسهام في تجهيز القضايا قبل عرضها على القضاة للدراسة وإصدار الأحكام. وأوضح الحَسن العباقي، أيضا، أن المشرع بإلزامه جهاز كتابة الضبط بالتعامل بسلبية بعدم تنبيه المتقاضي للشوط الشكلية التي يجب احترامها، أو لما ينقصه من وثائق أو لطبيعة الشكاية التي يتقدم بها، فإنّه يُساهم في تضخيم الزمن القضائي المهدور، وشدّد على أنّ هذا الأمر ليس "حياد عن الحياد" كما يُدّعى، بل هو حيادٌ سلبي وعائق من عوائق تحقيق النجاعة القضائية؛ واستغرب، من جهة أخرى، من ترسيخ بعض الإجراءات والمساطر التي لا طاىل منها أو البعيدة عن المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، كتكليف مؤسسة بالتأشير على بيانات التحملات أو قوائم المبالغ المستخلصة ضمن وحدات التبليغ والتحصيل، مع أنّ الذي أنجزها ويتحمّل المسؤولية الجنائية في ما تمّ تضمينه بها من بيانات هو جهاز كتابة الضبط؛ ويدخل في ذلك أيضا تكليف مؤسسة بالتأشير على البطائق رقم 3 "السجل العدلي" مع أنها لا تُباشر عملية البحث في البطائق رقم 1 لمعرفة هل المعنيين بالأمر من ذوي السوابق أم لا؛ مستعرضا التناقض الحاصل، في هذا الجانب، حيث إن المسؤولية في الأخير تعود لكتابة الضبط، وأعطى نماذج كثيرة على ذلك، يبقى من أبرزها وأكثرها سلبية وهدرا للزمن تلقى الطعون خارج الآجال القانونية، وكأن الكفاءات العالية من داخل هذا الجهاز لا تستطيع عدّ الآجال التي حدّدت للطعن في المقررات القضائية، فأجبرها على تلقي تلك الطعون وجرد وثائقها وإحالتها على المحكمة الأعلى درجة لتقول في نهاية المطاف بعدم قبول الاستئناف شكلا لوقوعه خارج الأجل، وذلك بعد هدر قدرٍ غير يسير من الزمن والجهد والمال، العدالة أحوج ما تكون إليه للبت في قضايا جاهزة أو لتجهيز قضايا أخرى. وخلص الحَسن العباقي، رئيس مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بابن سليمان، إلى أن المشرع، هو من يجب وضعه في قفص الاتهام، بدل كتابة الضبط، في قضية هدر الزمن القضائي، مطالبا هيأة المحكمة،بتبرئة موكلته من التّهم المنسوبة إليها، وملتمسا منها إصدار توصية للمشرع بإعادة النظر في المنظومة القانونية وإعداد مشاريع قوانين تعيد الاعتبار لجهاز كتابة الضبط وتمكّنه من مهام تتناسب مع كفاءاته وقدراته ليُسهم في الآن نفسه في وضع حدّ لهدر الزمن القضائي، ووضع حد، بالتالي لمعاناة المواطنين، وقد كانت هيأة المحكمة الوطنية الرمزية برئاسة بنيونس المرزوقي، وعضوية المهدي منير، أستاذ باحث بكلية الحقوق السويسي الرباط، وعمر الشرقاوي، أستاذ باحث بكلية الحقوق المحمدية وإعلامي، مستشارين، وعبد السلام قايقاي ، رئيس مصلحة كتابة الضبط بابتدائية تطوان، ممثلا للنيابة العامة، مصطفى بخبزة منتدب قضائي، كاتبا للجلسة. منطوق حكم المحكمة الوطنية الرمزية ل "محاكمة الزمن القضائي" من جهته، سار الطيبي أبو القاسم، منتدب قضائي بابتدائية الناظور، وعضو المكتب المركزي لودادية موظفي العدل، عن هيأة الدفاع عن جهاز كتابة الضبط، أيضا، في هذه المحكمة الرمزية ل"محاكمة الزمن القضائي"، على الخطى نفسها، حيث انطلق من مقولة يكررها المتقاضون، في وجه كتاب الضبط "علاش ما قلتيش ليا"، مشيرا إلى أن سلامة المساطر، منذ البداية، تؤدي إلى مسارها الصحيح، كما تؤدي إلى حكم عادل، وفي زمن معقول، مستشهدا بتجارب دول من المستوى نفسه للمغرب، تفاديا للاستشهاد بتجارب الدول المتقدمة، وأعطى المثل بمصر، حيث يمكن لكاتب الضبط أن يرفض الشكاية من بدايتها، لافتقادها الشروط القانونية، أو نقص الوثائق، ويعفي، بالتالي، المتقاضي من زمن قد يطول أمام المحاكم، دون جدوى، بالعودة لنقطة الصفر، مشيرا، أيضا، إلى أن المشرع في مصر منح كتابة الضبط مراقبة الشكل، تقليصا للهدر الزمني القضائي. كما أن المشرع الجزائري خول لأمين الضبط التبليغ داخل الجلسة، وخارجها، تقليصا، أيضا، للزمن القضائي، كما خوّل له الإشراف على تبادل المذكرات بين الأطراف. وبعد أن وجه الاتهام، كما سلفه، إلى المشرع، في هدر الزمن القضائي، بتكبيل قانوني لجهاز كتابة الضبط، مطالبا بالالتفات إلى الموارد البشرية، واستقلالها الاستقلال الأمثل، التمس من هيأة المحكمة إدانة، كل يوم، كل ساعة، كل شهر، كل سنة، تم خلالها إهدار حق المواطن في الزمن القضائي. وكانت بشرى الغبار، محامية بهيأة الرباط، عن هيأة الدفاع، استعرضت كيف يتم هدر الزمن القضائي، وبالتالي المس بحق دستوري للمواطن، خاصة الفصل 120، الذي ينص على الحق في محاكمة عادلة وحكمة في أجل معقول، حيث أن مدونة الأسرة مثلا، في المادة 190، حددت أجل شهر واحد، لإصدار الحكم، فيما تطول المحاكمة لشهور، مشيرة إلى أن مسؤولية هدر الزمن القضائي تعود، بالأساس، إلى القوانين الحالية (المشرع)، التي لا تخول لكتابة الضبط الفرصة في تقليص الزمن القضائي، مضيفة أن المشرع لو خول للجهاز (كتابة الضبط) الصلاحيات، مثلا، في تنبيه المتقاضين لتجاوزنا هدر الزمن القضائي. وخلصت إلى ضرورة تدخل تشريعي لتحديد الزمن القضائي، وتحديد آليات بلوغ الهدف، من خلال تأهيل كتابة الضبط بأدوار جديدة. من جهته، التمس عبد السلام قايقا، رئيس مصلحة كتابة الضبط بابتدائية تطوان، باعتباره ممثلا للنيابة العامة، في هذه المحكمة الوطنية الرمزية، من رئيس الهيأة المرزوقي، بالدفع بإدانة المشرع، على اعتبار أن المواطن فوق كل اعتبرا، وطالب باستدعاء المشرع إلى الجلسة المقبلة.